هل سبق لك وشاهدت فيلمًا سينمائيًا يتحدث عن الحياة في عام 2050، وبدا الأمر كما لو كان ضربًا من الخيال العلمي غير الواقعي، حسنًا ربما يكون ما شهدته من خيال مختلفًا عن واقع المستقبل حينها، وربما يتفق معه، ولكن أي رؤية لا تتضمن أشياء "خيالية" و"غير قابلة للتصديق" هي غير حقيقية بالضرورة.
مرحلة "بلا قيود"
هكذا يؤكد الكاتب "ماكس تيجمارك" المحاضر في معهد "ماساتشوستس" الشهير للتكنولوجيا في كتابه "الحياة 3: أن تكون إنسانًا في عصر الذكاء الاصطناعي"، والذي يتناول فيه كيف سيؤثر الذكاء الاصطناعي على مستقبل البشرية من كافة النواحي.
فالحياة عمومًا مرت بثلاث مراحل، الأولى هي الكائنات البدائية التي ظهرت قبل وجود الإنسان، مثل البكتيريا والفطريات والفيروسات وحتى بعض أشكال الحياة الأكثر تقدمًا، وفيها لم يكن هناك أي هدف سوى البقاء، لينتقل الخلق إلى المرحلة الثانية مع وجود الإنسان والتي تتخطى أهداف البقاء إلى الازدهار والبناء بل والصراع.
أما المرحلة الثالثة (الحياة 3 أو life 3) فتتضمن وصول الحياة إلى أقصى درجات التعقيد والذكاء، والذي هو في جوهره القدرة على حل المهام المعقدة بأفضل الطرق، ولذلك تبدو مرحلة الذكاء الاصطناعي أو المرحلة الثالثة "بلا قيود أو ضوابط" لأنها ليست مقترنة بعواطف بشر أو قدراتهم ولكن بآلات.
ولذلك يبدو من الخطير منح الآلات التي لا تتمتع بأي نوازع أخلاقية ذكاءً يمكنها من خلاله في مرحلة ما اتخاذ القرارات بشكل منفرد عن صانعها، فضلًا عن قدرتها على تطوير نفسها بنفسها لاحقًا بما سيعني تطورًا لا نهائيًا متتابعًا في مواجهة قدرات الإنسان "المحدودة" ولو بطبيعته الجسمانية والبشرية والنفسية.
البشرية غير مستعدة
ولذا تبدو الأحاديث حول افتقاد تطبيقات الذكاء الاصطناعي لعنصر "إرادة الفعل" اللازم كي تتخذ مواقف مستقلة عن صانعها، غير منطقية مع مواصلة تطوير البرامج المتصلة بـ"اتخاذ القرار".
ويمكن هنا ضرب المثال ببرامج القيادة الآلية التي تتخذ قرارات عدة بمواصلة المسير أو التوقف أو الانحراف أو تصعيد السرعة أو تخفيضها من شأنه زيادة قدرات الآلة على اتخاذ قرارات مختلفة وإن لم يكن بنفس منطق الإرادة البشرية.
ويختلف "تيجمارك" مع هؤلاء الذين يرون أن البشرية مستعدة للتعامل مع "عصر الآلات"، معربًا عن اعتقاده بأن فقدان الملايين لعملهم (حوالي 15% من العمال حول العالم سيفقدون وظائفهم بحلول عام 2030 بسبب إحلال تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي محل البشر) سيكون له تداعيات اقتصادية واجتماعية عميقة.
وعلى الرغم من كافة تلك المخاوف المتعلقة بالذكاء الاصطناعي إلا أنه يمكن النظر إليه من جانب آخر بوصفه فرصة من أجل حل بعض المشاكل التي تعترض البشرية ولا تجد لها حلًا فعالًا حتى الآن مثل الاحتباس الحراري واستهلاك الطاقة وزيادة عدد السكان، فقد تكون الاقتراحات "الآلية" التي تقدمها تطبيقات الذكاء الاصطناعي "خارج الصندوق البشري" التقليدي أكثر فاعلية.
مخاطر وفرص
كما يمكن الوصول بزيادة الإنتاجية بسبب تطبيقات الذكاء الاصطناعي فحسب إلى 25% زيادة عن الناتج العالمي لعام 2017 تقريبًا، وذلك بحلول عام 2030، دون حساب بقية العوامل المؤثرة التي قد ترفع هذه النسبة مثل تحسين معدلات الإنتاج أو اكتشاف طرق جديدة لاستغلال المواد الخام من خلال البحث والتطوير.
إلا أن هذا سيكون له أثر سلبي كبير في المقابل، فبجانب الـ15% من سكان العالم الذين سيفقدون وظائفهم، سيصبح قرابة ثلث السكان في عرضة مستمرة لفقدانها أيضًا ليصبحوا عاطلين عن العمل، في مواجهة آلات قد تقوم بالزراعة والحرث وحمل البضائع وبيعها وتوصيل الطلبات وفحص جودة السلع وغير ذلك من الوظائف البشرية التقليدية.
وعلى الرغم من أن هذه الصورة قد تبدو "مرعبة" سواء من الناحية الاقتصادية أو الإنسانية على حد سواء، إلا أن "تيجمارك" يعتقد أن الذكاء الاصطناعي قد يقدم حلولًا أيضًا لمثل تلك المشكلات، كما أن الوفرة المنتظرة في الإنتاج من شأنها الهبوط كثيرًا بأسعار كافة السلع والخدمات بما يجعل غالبية الناس بغير حاجة لعمل ثابت ومستمر كما هي الحال الآن.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}