انقضى عام 2018 بلحظاته السعيدة والمؤلمة في الأسواق العالمية، وأغلق المشاركون صفحات دفاتر التوقعات والمخاوف والآمال لهذا العام، ليبدأوا صفحات أخرى لعام جديد يتطلعون خلاله للحصول على نظرة أكثر وضوحًا، والتي لو لم يتمكنوا بفضلها من جني الأرباح، فعلى الأقل يرجون ألا يتكبدوا خسائر فادحة.
على أية حال، ونظرًا لعدد من المتغيرات التي طرأت على الساحة في الأساس خلال 2018، سيكون على الجميع من مستثمرين ومنظمين وحتى الحكومات توخي الحذر في 2019، خشية اضطراب النظام المالي العالمي بحسب مراقبين.
وبعد مرور عشرة أعوام على الأزمة المالية الأخيرة في 2008، والتي كانت الأسوأ منذ الكساد الكبير في عشرينيات القرن الماضي، يحذر مراقبون بشكل متزايد من وقوف العالم على بعد خطوات من أزمته التالية، وهي مخاوف تزايدت مؤخرًا بفعل الاضطرابات الحادة في الأسواق المالية والهبوط الحاد في أسعار النفط، رغم تباين التوقعات بشأن التوقيت.
أجراس الإنذار تدق
- على رأس المحذرين من أزمة مالية قادمة، كان صندوق النقد الدولي الذي قال إن عاصفة الأزمة بدأت تتشكل وتستجمع قواها، مشيرًا في الوقت ذاته إلى أن النظام المالي العالمي ليس مستعدًّا لمواجهة أي اضطراب آخر.
- من بين أهم المتغيرات التي طرأت على الساحة العالمية في 2018 ويمكنها النيل من الاستقرار الاقتصادي، كانت تعريفات "ترامب" الجمركية التي أشعلت حربًا تجارية شرسة مع الجانب الصيني، وهو صدام قد يفضي إلى نتائج مماثلة لأزمة عام 2008 (على الأقل على الصعيد التجاري).
- يقول البنك الدولي إن زيادة التعريفات الجمركية حول العالم (إلى أقصى حد مسموح به من قبل منظمة التجارة العالمية) من شأنه خفض حجم التجارة العالمية بنسبة 9%، وهو أثر مشابه لما ترتب على أزمة 2008، لكن العواقب قد تكون أكبر إذا تجاوزت البلدان قواعد المنظمة.
- وفقًا لمحللة البنك الدولي ومؤلفة التقرير "فرانزيسكا أورنس"، فإن الحمائية التجارية تشكل خطرًا حقيقيًا على الاقتصاد العالمي، وأي عقبة في طريق التجارة العالمية ستنعكس سلبًا على النمو العالمي.
- من جانبه يرى النائب الأول للمديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي "ديفيد ليبتون" أن قدرة العالم على منع الأزمة لم تكتمل بعد عقد من الزمان على الانهيار الأخير للنظام المصرفي العالمي، في وقت بدأت فيه سحب العاصفة تتجمع في الأفق بالفعل.
- رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأسبق "ألان جرينسبان" توقع مزيدًا من الاضطراب في الأسواق المالية، وقال إن سوق الأسهم الأمريكي قد يشهد مزيدًا من الخسائر ويتجه نحو تصحيح مؤلم.
وقود الأزمة المقبلة
- تقول "دويتشه فيله" في تقرير لها، إن الكم الهائل للديون العالمية أكثر ما يثير القلق إزاء الأزمة القادمة، فقد ارتفعت الديون بنسبة 42% منذ الأزمة المالية الأخيرة، لتبلغ 237 تريليون دولار، مضيفة أن كثيرًا من هذه الأموال استُخدمت في بناء المنازل وشراء الأسهم (يدين مستثمرو "وول ستريت" بـ670 مليار دولار)، وهو ما اعتبرته الوكالة الألمانية "قنبلة موقوتة".
- بلغ مستوى الديون 225% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وفقًا لبيانات صندوق النقد الدولي، وهذا يعني أن الانتعاش الاقتصادي على مدار السنوات الماضية غذاه الائتمان، وتتوقع "دويتشه فيله" عدم قدرة البلدان المثقلة بالديون على الوصول إلى حزم الإنقاذ الضخمة عند انفجار الفقاعة.
- في الولايات المتحدة (مركز اندلاع الأزمة الأخيرة)، انخفضت الأسهم خلال 2018 بعدما بلغت مستويات قياسية أوائل أكتوبر/ تشرين الأول، وشهدت صناديق التحوط أسوأ أداء سنوي منذ عام 2008، وبلغت ديون الأسر مستوى قياسيًّا تجاوز 13.5 تريليون دولار، بزيادة قدرها 837 مليار دولار عن مستوى الذروة الذي سبق الأزمة الماضية.
- بحسب "نيويورك تايمز" فإن من بين العوامل التي تُعجل بوقوع الأزمة، نهاية عصر القروض الرخيصة التي حصل عليها المستثمرون والمستهلكون بفضل انخفاض معدلات الفائدة وسياسات التيسير الكمي التي انتهجتها البنوك المركزية عقب أزمة 2008، وهو مسار بدأ ينعكس مؤخرًا حيث توجهت المصارف الرئيسية إلى تشديد سياستها.
- الصراع التجاري، والديون، وتشديد سياسات البنوك المركزية، هي عوامل رئيسية قد تتسبب في أزمة مالية عالمية جديدة، لكنها ليست الوحيدة، فأكثر ما يثير القلق أنها تأتي في ظل حالة من عدم اليقين بشأن "بريكست" والاحتجاجات في فرنسا والوضع السياسي في إيطاليا والحديث المتزايد عن احتمال اتجاهها للانسحاب من الاتحاد الأوروبي هي الأخرى.
هل الجميع متشائم بشأن 2019؟
- رغم أن أغلب الأصوات المحذرة لم تحدد موعدًا محددًا للأزمة واكتفت بالمطالبة بتوخي الحيطة، فقد استبعد تقرير لـ"فوربس" وقوع أزمة حادة في 2019، لكنه طالب في الوقت ذاته بالتهيؤ لركود محتمل ينطلق في الولايات المتحدة، معللًا ذلك بأن الركود كان نتيجة شائعة لأخطاء الاحتياطي الفيدرالي على مدار القرن الماضي، وذلك عندما لجأ البنك المركزي الأمريكي لتشديد سياساته بقوة ولفترة طويلة.
- يقول المحلل لدى مصرف "جيه بي مورجان"، "ماركو كولانوفيتش"، في لقاء مع "سي إن بي سي"، إن السيناريو الأسوأ للأزمة مستبعد الحدوث قريبًا، وستظل احتمالات وقوعه منخفضة حتى نهاية النصف الأول من عام 2019 على الأقل.
- لكنه حذر من أن الانهيار المحتمل في أسعار الأسهم قد يطلق العنان للأزمة المالية القادمة، التي أسماها "أزمة السيولة الكبيرة"، وقال إنه في حال تراجعت الأسواق بنسبة 40% أو أكثر، فإن الاحتياطي الفيدرالي سيحتاج للتحرك سريعًا لمنع الانجراف إلى الكساد.
- يعتقد "كولانوفيتش" أن إجراءات البنك المركزي الأمريكي في ذلك الوقت، يجب ألا تكون تقليدية، وأن تشكل عمليات شراء مباشرة للأسهم، وهي خطوة قام بها البنك المركزي الياباني بالفعل.
- رغم عدم تفاؤله بأساسيات الاقتصاد والنظام المالي العالمي، يرى الاقتصادي "نورييل روبيني" أن الأزمة القادمة والتي ستقود العالم إلى ركود جديد ستقع في عام 2020، وستكون بفعل أسباب عديدة منها اعتماد النمو الأمريكي على الحوافز الحكومية، ما قد يدفعه إلى حالة من الفوران، علاوة على الخلافات التجارية لـ"ترامب"، والتباطؤ الاقتصادي المحتمل في أماكن مختلفة من العالم.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}