فور دخولك على موقع جريدة "جارديان" الإلكتروني تجد "طلبًا" بالتبرع لها بما تستطيع، وبأن جنيهًا إسترلينيًا واحدًا سيساعدها على البقاء في السوق، منوهة بأنها لا تزال تسمح لمستخدميها بالدخول على الكثير من صفحاتها دون اشتراك بما قلل كثيرًا من عائدات الجريدة.
إعلانات وإيرادات متراجعة
وتعكس هذه الرسالة أزمة تتعرض لها الكثير من الوسائل الإعلامية حول العالم، بتراجع إيرادات الإعلانات، مع توجه المعلنين بصورة أكبر لوسائل التواصل الاجتماعي وموقع يوتيوب، وعدم قدرة الاشتراكات من القراء على تغطية هذا التراجع، بما يجعل الكثير من الوسائل الإعلامية تعيش معاناة حقيقية.
ووفقًا لتقديرات صحيفة "تليجراف" تراجعت إيرادات الصحف البريطانية الكبيرة (العاملة على المستوى القومي) جميعًا بنسب تراوحت بين 10-18% خلال الأعوام الخمسة الأخيرة، باستثناء الصحف المجانية مثل صحيفة "مترو" الشهيرة في لندن ومحطات القطارات.
فالصحف المجانية أقدر على التكيف مع التغييرات في التكلفة وعدد القراء من خلال تقليص أو زيادة عدد النسخ المطبوعة وفقًا للإقبال على إعلاناتها أو زيادة مساحة الأخيرة أو حتى سعرها، أما الصحف العادية فلا تستطيع ذلك لارتباطها بتوازن معين بين المادة الصحفية وتلك الإعلانية.
كما لا تستطيع الصحف الكبرى الاعتماد على "إعلانات جوجل" التي توفر حتى 60% من مداخيل الكثير من المواقع الصغيرة، وذلك لأن مالكة محرك البحث الشهير على الإنترنت تحصل على مساحات إعلانية تستغلها كما تشاء ودون قيود في تلك المواقع وهو ما ترفضه الأخيرة للكثير من الاعتبارات التحريرية والإعلانية بطبيعة الحال.
نموذج مختلف
وينطبق الأمر نفسه على التلفزيون بطبيعة الحال، ففي الوقت الذي تحقق فيها شبكات التلفاز المشفرة أرباحًا تصل إلى 39% سنويًا في المتوسط، وفقًا لموقع "سمول بزنيس"، فإن نظيرتها المجانية إما تحصل على دعم من الحكومات أو تقع في شراك الخسائر أو مكاسب لا تتعدى 10-15% في غالبية الأحيان.
ويرجع هذا التفاوت الكبير في أن الشركات الكبيرة توجه نسبًا متزايدة من ميزانيات الدعاية بل ومن عقود الرعاية إلى مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت على حساب الإعلانات التقليدية، في ظل قدرة المعلنين على توجيه إعلاناتهم بصورة أدق وقياس ردود الفعل بصورة أفضل في "الإعلام الجديد".
ولا تبدو الصورة قاتمة بهذا الشكل في ظل وجود نماذج لإعلام مجاني تمكنت من تحقيق نجاحات لافتة، منها شبكات "سي.إن.إن"، "فوكس نيوز"، "إم.إس.إن.بي.سي" الإخبارية التي زادت إيراداتها عن العام السابق بنسبة 10%، بل وتمكنت الشبكات الثلاث من زيادة الأرباح بنسبة 13%، وفقًا لموقع "كينزي".
وظفت شبكة "سي.إن.إن" 200 شخص بشكل مؤقت للعمل خلال فترة الانتخابات الأمريكية كمساعدين لشبكة مراسليها، وأعطتهم جميعًا دورات تدريبية وبعض الأجهزة مثل الكاميرات الحديثة وأجهزة تسجيل الصوت، كما قامت الشبكة بتحديث خدمات الفيديو والتصفح والتطبيق الخاص بها.
وكلف كل هذا الشبكة حوالي 20 مليون دولار في فترة الانتخابات فحسب، غير أن تقديرات موقع "جورناليزم" تشير إلى حصول "سي.إن.إن" على عائدات تفوق 150 مليون دولار خلال فترة الانتخابات فحسب بسبب تغطيتها المكثفة والمتنوعة، بما يعكس عائدًا ممتازًا لاستثمار الشبكة الأمريكية.
حل المعضلة
ووفقًا لـ"فوربس" فإن "سي.إن.إن" وضعت هدفًا بالوصول إلى عائدات تقدر بمليار دولار من المنصات الإعلامية الرقمية خلال 5 أعوام فحسب، من خلال تفعيل الاشتراكات على الموقع، لا سيما في النشرات، فضلًا عن تفعيل الاستفادة من منصات التواصل الاجتماعي و"يوتيوب" فيما ينعكس على زيادة عدد الزيارات للموقع وبالتالي رفع سعر الإعلانات وزيادة عدد المشتركين.
ويقول رئيس مجلس إدارة "سي.إن.إن" "جيف زيركر" لـ"فوربس" "الأزمة الحقيقية للمؤسسات الإعلانية أن تكون قادرة على تحقيق الأرباح في ظل كل هذه "الفوضى" في ظل العدد اللانهائي من وسائل الإعلام الحديثة من تطبيقات الجوال، والفيديو على الإنترنت، و"يوتيوب"، ووسائل التواصل الاجتماعي وغيرها".
وما يعطي الإعلام الأمريكي اختلافًا عن غيره هو حقيقة اعتماده على مزيج كبير من العائدات، فالشبكات الرئيسية في الولايات المتحدة لديها بعض المشتركين في بعض الخدمات، وتقدم خدمات أخرى مجانًا لتستفيد من الإعلانات.
ويبقى أمل غالبية المؤسسات الإعلامية في البقاء في استغلال المحتوى نفسه بأكثر من شكل، بأن تتنوع وسائل عرض ذلك المحتوى المملوك لنفس المؤسسة الإعلامية بين موقع الإنترنت والشبكة التلفزيونية والصحيفة الورقية والرسائل النصية على الجوال والإيميل وغير ذلك بما يضيف أكثر من وسيلة لحصد الأرباح، ويجنبها الخضوع لتراجع إيرادات الإعلانات.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}