لا شك أن ما حققته اليابان عقب هزيمتها الفادحة في الحرب العالمية الثانية واعتلائها مكانة متقدمة بين الاقتصادات الكبرى والمتقدمة كان بمثابة الطفرة، والتي اعتمدت فيها على سواعد أبنائها، لكن هذه السواعد تشيخ يومًا تلو الآخر، وبعد عقود من الانغلاق النسبي لسوق العمل الياباني، يبدو أن مقاتلي الساموراي باتوا بحاجة ملحة للأيدي العاملة الأجنبية.
وأقر البرلمان الياباني مؤخرًا إصلاحا تشريعيا لقانون الهجرة، يسمح للبلاد باستقدام المزيد من العمالة الأجنبية لمعالجة النقص الذي يعانيه سوق العمل من عدم توافر الأيدي العاملة، ما يشكل تحولًا جذريًا في سياسة طوكيو الممتدة منذ قرون والتي اتسمت باجتناب الهجرة إلى البلاد.
ويأتي ذلك في وقت تعاني فيه اليابان من ظواهر مثل نقص الأيدي العاملة اللازمة لدفع عجلة الإنتاج، رغم عمل الموظفين اليابانيين لساعات طويلة، علاوة على ارتفاع أعمار السكان وانخفاض أعدادهم، ما يشكل تهديدًا أيضًا لسوق العمل، وبطبيعة الحال سينعكس ذلك سلبًا على الاقتصاد.
ماذا تريد اليابان؟
- تهدف اليابان من خلال هذه الإصلاحات استقدام ما يزيد على 340 ألف عامل أجنبي (من بينهم أصحاب مهارات متدنية) خلال السنوات الخمس التالية لدخول نظام التأشيرات الجديد إلى حيز التنفيذ في أبريل/ نيسان من العام المقبل.
- من المقرر أن تجتمع الحكومة اليابانية برئاسة "شينزو آبي" في الثامن والعشرين من الشهر الجاري، لوضع اللمسات الأخيرة لإدارة تدفقات الهجرة العمالية المتوقعة، بما في ذلك بند صريح لوقف البرنامج حال استشعرت الحكومة انحسار النقص في سوق العمل، بحسب صحيفة "نيكي".
- بدءًا من أبريل/ نيسان المقبل، ستسمح الحكومة اليابانية للأجانب الذين أتموا بعض التدريبات على المهارات واجتازوا اختبارات اللغة للعمل في اليابان لمدة تصل إلى 5 أعوام وفي 14 صناعة، منها الزراعة والرعاية الطبية والبناء، ويمكن لأصحاب المهارات المتقدمة الحصول على تصريح إقامة ثانٍ بمرافقة أفراد أسرهم.
- الخطوة حازت ترحيبًا كبيرًا من قادة الأعمال اليابانيين، وقال رئيس اتحاد الشركات اليابانية "هيرواكي ناكنيشي" في بيان: نرحب بهذا التشريع الذي يتعامل بجدية مع قضية دعم الحياة الاجتماعية والقاعدة الصناعية، في ظل الانخفاض الكبير في عدد سكان البلاد.
- خلال عام 2017، تقلص عدد سكان اليابان بنسبة 0.3% إلى 125.2 مليون نسمة، وسجلت البلاد نحو 946 ألف مولود جديد فقط، وهو أدنى معدل مواليد منذ عام 1899، ومع ارتفاع نسبة السكان الذين تتجاوز أعمارهم 65 عامًا إلى ما يزيد على 20%، فإن عدد الوظائف المتاحة يفوق عدد العمال المحليين بكثير، وفقًا لموقع "سي بي سي نيوز".
- ارتفاع أعمار السكان والذي يعني بطبيعة الحال انخفاض عدد السكان في سن العمل، والذي يعرف أيضًا بظاهرة شيخوخة السكان والتي تعاني منها اليابان بجانب دول أوروبية، يترتب عليه عدد من الآثار السلبية على الاقتصادات، وهي معضلة تحاول طوكيو معالجتها عبر استقدام العمالة الأجنبية وقيادة الجهود العالمية لتطوير الروبوتات والذكاء الاصطناعي لتزويد البلاد بالأيدي العاملة غير البشرية.
هل تكفي هذه الخطوة؟
- شهدت مناقشات القانون اعتراضات قوية أسفل قبة البرلمان الياباني من قبل أعضاء المعارضة الذين قالوا إنه جاء خاليًا من التفاصيل والبنود الأساسية التي من شأنها إنجاح خطط الاستقدام، إضافة إلى ما اعتبروه جوانب استغلالية لبرنامج التدريب المنصوص عليه، وفقًا لصحيفة "جابان تايمز".
- تستهدف حكومة "آبي" في خططها لاستقدام العمالة مساعدتهم على التكيف مع الحياة في اليابان وتشجيع المدن الصغيرة على استيعابهم (أشارت تقارير إعلامية محلية إلى أن بعض البلديات غير متأكدة إذا كان بإمكانها احتواء العمالة القادمة)، كما سيتم إجراء اختبارات للكفاءة اللغوية.
- مع ذلك، ترى المعارضة أن التشريع الجديد يتشابه مع برنامج المتدربين الأجانب الذي ترعاه الدولة، والذي تعرض لانتقادات حادة متعلقة بانتهاك حقوق الإنسان، بما في ذلك منح أجور دون الحد الأدنى، والمضايقات والتحرش الجنسي من جانب أصحاب العمل، إلى جانب بيئة العمل القاسية بشكل عام.
- وفقًا لبيانات وزارة العدل، توفي 69 متدربًا أجنبيًا في الفترة بين عامي 2015 و2017، بينهم ستة أشخاص ماتوا انتحارًا، علاوة على سقوط 11 متدربًا على الأقل، ضحية حوادث خطيرة أثناء تأدية واجباتهم، ما يعكس خطورة الأعمال التي كانوا يقومون بها.
مع ذلك، فإن هذه ليست المرة الأولى التي ستستقدم فيها اليابان عمالة أجنبية، فقد فتحت البلاد أبوابها أمام العمال من أمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا منذ التسعينيات، وتضاعف عدد العمال الأجانب في البلاد منذ عام 2000 ليصل إلى 1.3 مليون شخص يعمل معظمهم في التجزئة والضيافة والزراعة والتصنيع والبناء.
- لكن التدفق المرتقب مع هذا التشريع يفترض أن يكون أكثر تنوعًا وذا قدرة استقطابية أكبر، وتنقسم فيه التأشيرات إلى فئتين، الأولى للعمال غير المهرة، ويسمح لهم بالعمل مدة 5 سنوات فقط دون استقدام أي من أفراد العائلة، والثانية للعاملين في الوظائف التكنولوجية المتقدمة، ويسمح لهم باستقدام أسرهم ويمهد لهم الطريق للحصول على المواطنة، بعد عقد من الزمان.
هل انتهى الأمر بعد تمرير التشريع؟
- قد تكون اليابان تجاوزت خلافها السياسي الداخلي بتمرير الخطة، لكن جذب العمال الأجانب إليها لن يكون بالأمر الهين، فصعوبة اللغة تشكل عائقًا كبيرًا، إذ لا يوجد سوى عدد قليل للغاية من الشركات لديها تستخدم اللغة الإنجليزية (والتي قد تكون وسيطًا للتواصل والكتابة)، بحسب "الإيكونوميست"، التي قالت في تقرير لها إن اليابان تحتاج إلى بذل المزيد من الجهد للمساعدة في دمج الأجانب.
- ثقافة العمل هي تحد آخر أمام اليابان، فكما أشرنا في الأعلى، عانى الأجانب ومن قبلهم اليابانيون أنفسهم من الضغوط التي يخضعون لها من قبل الشركات للعمل لمدد زمنية أطول، والتي دفعت البعض للانتحار والبعض الآخر وافته المنية جراء الإفراط في العمل.
- رغم عوامل الجذب التي تتميز بها اليابان إلا أن صعوبة الاندماج في المجتمع تشكل عائقا كبيرا أمام القادمين من الخارج، ويشهد التاريخ على فشل طوكيو في دمج تدفقات العمالة السابقة في المجتمع وسوق العمل، بحسب تقرير لـ"سي إن إن".
- في التسعينيات، عدلت اليابان قوانين الهجرة لتوفر تأشيرات طويلة الأجل لأبناء المهاجرين اليابانيين الذين انتقلوا إلى أمريكا اللاتينية بعد الحرب العالمية الثانية، لكن بعد الأزمة الاقتصادية في 2008، حثتهم الحكومة على العودة إلى بلدانهم مرة أخرى، في نهج وصفه أستاذ الدراسات اليابانية بجامعة تمبل "جيف كينجستون" بـ"نهج المنديل" الذي يتم إلقاؤه في القمامة عقب استنزافه.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}