"مايك بيرل" مواطن أمريكي كان عاملًا في أحد المخازن وهو مسؤول عن تحميل البضائع في عربات النقل، وتفريغ الأخيرة من حمولتها، وكان يحصل على 10 دولارات في الساعة ولديه تأمين طبي واجتماعي وعقد لمدة 5 سنوات مع الشركة التي يعمل لديها، غير أنه قرر التخلي عن هذا طواعية للحصول على دخل أكبر.
دخل أكبر!
فمع استمرار عمله في الشحن والتفريغ لكن بشكل مستقل وكمتعاقد خارجي وليس كموظف، وعمله على سيارته في "أوبر" أصبح "بيرل" يحصد دخلًا أكبر بنسبة 30%، من قضائه لنفس وقت العمل الذي كان يمضيه في وظيفته التي تركها.
وتؤكد "سارة كيسلر" في كتابها "نهاية الوظيفة ومستقبل العمل"، أن استطلاعًا للرأي أجراه مركز "بيو" للدراسات كشف عن استعداد أكثر من 70% من الأمريكيين للعمل في عدة وظائف بدوام جزئي إذا كان ذلك يضمن لهم الحصول على دخل كلي أكبر من الدخل الذي يحصدونه من وظيفة ثابتة وحيدة.
ورأى هؤلاء أن العامل الفاصل في قرارهم هنا سيكون: هل سيقضون وقتًا أطول في العمل كموظفين متعاونين أم ستستغرق الوظيفة الثابتة أوقاتًا أطول؟، ورأى قرابة 60% من عينة الاستطلاع أن البحث عن "الأمان الوظيفي" مقابل الحصول على أجر أقل "أمر خاطئ".
ولم يعد الأمر هنا يقتصر على الوظائف الأدنى في الأجور، كالوظائف اليدوية وعمالة الشحن وغيرها، بل أصبح يمتد لوظائف أعلى أجرًا مثل الوظائف الإدارية وغيرها، بما ينعكس في اتجاه سائد قد يصبح هو مستقبل العمل في مختلف الفئات وليست الأقل دخلًا منها فحسب.
مزايا وعيوب
ويمكن هنا ضرب المثل بوظائف الإدارة والموارد البشرية التي يحصل العاملون المستقلون فيها على دخول تفوق العمالة الدائمة بأكثر من 50% في الولايات المتحدة، من خلال تقديم الاستشارات الإدارية والعمل في أكثر من شركة في نفس الوقت.
وهناك العديد من المزايا لهذا التطور في شكل الأعمال وتراجع الوظائف لمصلحة العمل الحر، ومنها المرونة وإمكانية الموازنة بصورة أكبر بين الحياة الشخصية والعملية، واختيار طبيعة العمل بصورة أكثر حرية.
لكن في المقابل، هناك العديد من العيوب أيضًا، والمرتبطة بعدم الاستقرار أو "التنبؤ" بما هو قادم ووضع خطط بناءً على ذلك، فضلًا عن غياب فوائد مختلفة للعمل الثابت مثل التأمين الصحي والإجازات مدفوعة الأجر وتلك المرضية وبدلات السكن والمواصلات وغيرها.
وبناء على ذلك فإن قرابة 15% من قوة العمل في الولايات المتحدة في الوقت الحالي لا تلتزم بوظيفة محددة وإن كانوا يعملون في أكثر من مجال، وهم في ذلك يستغلون حالة الانتعاش التي يحياها الاقتصاد الأمريكي حاليًا والتي تجعل الحصول على العمل أسهل كثيرًا.
وبمنطق الاستثمار، يجمع هؤلاء بين مزايا الاستثمار عالي المخاطر وذلك الآمن، حيث لا تصل درجة مغامرتهم إلى إقامة مشاريع خاصة بهم قد تؤدي الخسارة فيها إلى تبديد مدخراتهم ودخولهم مستنقع الديون، ولا يبقون رهن وظيفة ثابتة لا توفر نفس الدخل الذي تعطيه الأعمال المؤقتة.
عدل وقسوة
واللافت هنا أن نسبة 80% من الذين يعملون بشكل مؤقت في أكثر من وظيفة دون 30 عامًا في الولايات المتحدة، بما يعكس أن هذا قد يكون اتجاهًا مستقبليًا مقبولًا أكثر ما هو مجرد "صرعة" مؤقتة بسبب رغبة أصحاب الأعمال في التوفير.
ولذلك السبب أيضًا تشهد مواقع "المهام المؤقتة" مثل Upwork و freelancer وغيرها رواجًا شديدًا في الأونة الأخيرة، حيث يقدر التنامي في حجم أعمال بعضها بأكثر من 100% سنويًا، مع إلمام أصحاب الأعمال من جهة ، والعاملين من جهة أخرى بقواعد العمل عليها ورغبتهم في المزيد منها.
وعلى سبيل المثال، يحصل كتّاب المحتوى في أوروبا على ضعف ما يحصدونه من وظائفهم الثابتة حال اعتمادهم على منظومة العمل بالقطعة، وتختلف كفاءة "أوبر" في الوفورات من دولة لأخرى، غير أنها تحقق وفورات كبيرة لمن يستغلونها أثناء "تحركاتهم الطبيعية" (من وإلى العمل أو أثناء التوجه لزيارات شخصية).
وبعيدًا عن مزايا هذا الشكل من العمل للأشخاص منفردين، إلا أنه على المستوى العام يعطي صورة أكثر عدلًا ولكنها أكثر قسوة، حيث قد يقوم مطور ماهر للبرامج (وهي إحدى أكثر المهن اعتمادًا على هذا الشكل من العمل) بأداء ما يستلزمه توظيف 5 مبرمجين في 5 شركات، لأنه الأكثر مهارة، وفي ذلك عدل بطبيعة الحال، ولكنه قاسٍ، لأنه يشمل بقاء هؤلاء المبرمجين الأقل كفاءة (وليسوا عديمي الكفاءة) دون عمل، لذا على الجميع صقل مهاراتهم استعدادا لما هو قادم.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}