يقول الملياردير العصامي "تشارلز روبرت شواب"، مؤسس شركة "تشارلز شواب": لدي شغف كبير تجاه المستثمرين، لقد اعتمدت على نفسي كثيرًا في البداية، والمعيار الذي أضمنه على جميع خدماتنا هو "إذا كان الأمر جيدًا بالنسبة لي كمستثمر، فسيكون كذلك للعملاء".
شركة "تشارلز شواب" هي واحدة من أكبر مقدمي الخدمات المصرفية في الولايات المتحدة، وأيضًا من أشهر العاملين في مجال الوساطة المالية في البلاد، وتحولت في غضون سنوات من مجرد بائع تجزئة للمنتجات المالية إلى سوق ضخم يدير تريليونات الدولارات لصالح عملائه بفضل إستراتيجية "روبرت" الفريدة من نوعها، والتي أفرزت أدوات استثمارية منخفضة التكلفة وجاذبة للأموال.
ولعل أبرز محركات نجاح "روبرت"، إيمانه بالحكمة التسويقية القديمة التي تقول: "عندما يذهب الجميع في اتجاه واحد، فإن الفرص الأفضل تكمن في الاتجاه المعاكس"، فبعد أن أدار ظهره لـ"وول ستريت" وما يحاك داخل أروقتها من اتفاقات ومؤامرات، تمكن من خلق مساره الخاص وأحدث ثورة استثمارية، على حد وصف موقع "إنتربرنيير".
وفي الوقت الذي كان يركز فيه معظم السماسرة على اقتناص العملاء الكبار (المؤسسات)، ركز "روبرت" جمّ اهتمامه على المستثمرين الأفراد، وباعتباره من أوائل الوسطاء الذين يقدمون خدمات تداول منخفضة التكلفة، أصبحت شركته رائدة في مجال وساطة الخصم (تقديم خدمات البيع والشراء بأسعار مخفضة)، وتحوّلت من مجرد شركة تكافح لأجل البقاء إلى أحد أكبر المتداولين في الولايات المتحدة.
مستثمر منذ نعومة أظافره
- وُلد "تشارلز روبرت شواب" في قرية صغيرة في ساكرامنتو، كاليفورنيا، عام 1937 لأسرة ميسورة الحال من الطبقة الوسطى، وفي مستهل حياته عثر على سبل عدة لكسب المال بنفسه، مثل بيع اشتراكات المجلات وتربية الدجاج في الفناء الخلفي للمنزل.
- بعد تخرجه في المدرسة الثانوية، التحق "شواب" بجامعة ستانفورد، حيث حصل على درجة البكالوريوس في الاقتصاد عام 1959، قبل أن يتلقى شهادة ماجستير إدارة الأعمال في وقت لاحق.
- في أثناء دراسته لإدارة الأعمال، تم تعيينه في شركة محلية للاستشارات الاستثمارية، وبعدما حصل على درجة الماجستير، تمت ترقيته إلى منصب نائب رئيس الشركة، لكن عقليته وأحلامه كانتا قد اصطحبتاه إلى ما هو أبعد من ذلك بالفعل.
- أراد الشاب المفعم بالطاقة والطموح آنذاك، واثنان من أصدقائه، أن يصبحوا رؤساء أنفسهم، وذلك عبر تقديم نشرة إخبارية دورية للمستثمرين عام 1963، والتي جذبت 3 آلاف مشترك، دفع كل منهم 84 دولارًا سنويًا، بحسب الموقع الرسمي لشركة "تشارلز شواب"، ونمت الأعمال بسرعة، وتشعبت لتشمل صندوق استثمار مشتركا قيمته 20 مليون دولار.
- بعد انهيار السوق عام 1969، أمرت ولاية تكساس "روبرت" بالتوقف عن تلقي الطلبات من سكان الولاية، لأنه لم يسجل شركته لدى السلطات المعنية، وخاض إثر ذلك معركة قضائية، انتهت بإثقاله بـ100 ألف دولار من الديون.
لا استسلام
- لم يركن "روبرت" للهزيمة الأخيرة وعمل لحساب نفسه، وتوسط في صفقة شراء قطعة أرض لصالح عمه، الذي قرر سداد ما تبقى من ديون على ابن أخيه، مع منحه مبلغًا إضافيًا قدره 100 ألف دولار لبدء مشروع جديد.
- في عام 1971، أسّس "روبرت" شركته في كاليفورنيا تحت اسم "فريست كوماندر كوربراشن"، لتقديم خدمات الوساطة التقليدية ونشرة أخبار استثمارية، وبعد عامين، غيّر اسم الشركة إلى "تشارلز شواب آند كو".
- خلال هذه المرحلة، كانت الشركة تناضل لتثبيت أقدامها كعشرات الشركات العاملة في المجال، وكان يعمل لديها نحو 10 موظفين وما يقرب من ألفي عامل، لكن طموح "روبرت" لم يهدأ حتى تلك اللحظة وكان دائم السعي لمكانة أفضل لأعماله.
- في مايو/ أيار عام 1975، فوّضت لجنة الأوراق المالية والبورصات الشركات بفرض عمولة تفاوض على جميع معاملات الأوراق المالية، وفي حين انتهز أغلب الوسطاء الفرصة لزيادة إيراداتهم، استغل "روبرت" الوضع لإعلان ميلاد نوع جديد من الوساطة، وهو وساطة الخصم.
- عُرفت "شواب" منذ ذلك الحين بتقديمها خدمات دون تكاليف زائدة، مع خصومات في الرسوم تصل إلى 50%، وللنجاح في ذلك مع استمرار تحقيق الأرباح، طوّر "روبرت" أعمال الأبحاث التقليدية بشكل كبير، وهيكل نظام الأجور، وكان من بين أوائل الوسطاء الذين استعانوا بالحواسيب لتدشين نظام الأوامر الإلكترونية.
تجاهل الناس.. فأتاه النجاح
- رغم تشكك المحللين في إستراتيجياته، لم يأبه "روبرت" وواصل تقديم الجديد، ففتح أفرعًا عدة في مناطق مختلفة، وأطال أجل تلقي الأوامر إلى 24 ساعة يوميًا، لـ7 أيام في الأسبوع، وبحلول عام 1981، أصبح لدى الشركة مكاتب فرعية في 40 مدينة، و600 موظف، و220 ألف عميل، وإيرادات سنوية تبلغ 42 مليون دولار.
- في عام 1983، اشترى مصرف "بنك أوف أمريكا" الشركة بعدما واجهت صعوبات في زيادة الأرباح ورأس المال مقابل 57 مليون دولار، لكن "روبرت" اشتراها مجددًا في 1987 مقابل 230 مليون دولار قبل أن يطرحها للاكتتاب العام بعد فترة وجيزة لسداد الديون، ومنذ ذلك الحين استأنف إطلاق المنتجات والخدمات والأعمال الفرعية الجديدة.
- خلال الفترة بين عامي 1995 و2000، انخرطت الشركة بقوة في أعمال الإنترنت، ما عزز نموها بشكل هائل، واستمر "روبرت" في سياسة التنويع والتوسع دوليًا، وأعاد صياغة أعماله الأساسية ببدء تقديم خدمات المشورة المالية.
- في عام 2008، تخلى "روبرت" عن منصب الرئيس التنفيذي للشركة، لكنه ظل رئيسًا لمجلس الإدارة، وأكبر مساهم بحصة تبلغ 11%، وتُقدر ثروته حاليًا بنحو 8.75 مليار دولار، وفقًا لمؤشر "بلومبرج للمليارديرات".
- تُقدر القيمة السوقية لشركة "تشارلز شواب" بنحو 63.28 مليار دولار، وإجمالًا، يبلغ حجم الأصول التي تديرها 3.6 تريليون دولار، وفقًا لبيانات "فوربس".
- يقول تقرير لـ"بلومبرج"، إن مفهوم "روبرت" عن التكلفة المنخفضة كان سببًا وراء ريادته وقوة أعماله، فالرسوم القليلة والتفاني في خدمة العملاء والتركيز على التكنولوجيا، عوامل أسهمت في تحويل الشركة من منفذ تجزئة لخدمات الوساطة إلى مركز تجاري هائل للخدمات المالية المختلفة.
- تقدم الشركة مجموعة متنوعة من الخدمات، بداية من الحسابات المصرفية، إلى أنظمة التقاعد، إلى الاستثمار في الصناديق المشتركة، وحتى المنصات الاستشارية الإلكترونية، وهي إحدى شركات التكنولوجيا المالية "فينتك"، حتى قبل صياغة هذا المصطلح.
- لكن لعل أبرز ما يميز نجاح "تشارلز شواب" هو أنها استطاعت النجاة على مدار خمسة عقود تقريبًا، رغم مرورها بصدمات عنيفة، مثل انهيار سوق الأسهم عام 1987، وانفجار فقاعة "دوت كوم" في الوقت الذي كانت قد دخلت فيه لتوها عالم الإنترنت.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}