قبل اجتماع صندوق النقد الدولي لهذا العام، والذي يعقد خلال أكتوبر/ تشرين الأول الجاري في إندونيسيا، سيتوجب على الصندوق أن يطلب من الدول الأعضاء البالغ عددهم 189 دولة التركيز على ثلاث قضايا هامة، ليس فقط خلال المناقشات الرسمية بل وأيضًا في الندوات والجلسات الجانبية التي ستعقد على الهامش، بحسب مقال للاقتصادي "محمد العريان" نشره بموقع "بروجيكت سنديكيت".
ستكون نتيجة هذا التركيز جدول أعمال يستجيب بشكل أفضل للقلق المستمر الذي يشعر به عدد متزايد من صناع القرار والمواطنين، بحسب الاقتصادي وكبير مستشاري شركة "أليانز" الألمانية، الذي استعرض في مقاله كيفية تحسين إدارة صندوق النقد الدولي للاقتصاد العالمي.
خطر العامل العالمي
- خلال معظم الفترة الماضية منذ اندلاع الأزمة المالية، خضعت البلدان حول العالم لما عرف بـ"العامل العالمي" وهو مجموعة من التأثيرات الخارجية التي لا تستطيع الدول إداراتها أو التحكم فيها، لكنها تلعب دورًا مهمًا في تحديد المتغيرات المحلية الرئيسية.
- ولد هذا تقلبًا اقتصاديًا وماليًا أدى إلى تعقيد إدارة السياسات الداخلية، وغذى الاستقطاب السياسي والانقسامات الاجتماعية، مثل شعار الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" الذي قاد إلى تضخيم الشعور الدولي بعدم اليقين والأمان، خاصة في آسيا.
- الآن، وبعيدًا عن الاضطرار إلى التغلب على التغيرات الكبيرة في تدفقات رأس المال وأسعار الفائدة وتحركات العملة، يجب على هذه البلدان التكيف مع الواقع القائل بأنها قد لا تستطيع حتى الاعتماد على بعض الافتراضات الطويلة الأمد بشأن التجارة الدولية.
- لكن هذه ليست مشكلة اقتصادية ناشئة، ورغم المحاولات الرامية إلى تعزيز القدرة على الصمود في وجه تلك التحديات، بما في ذلك التدابير الاحترازية الكلية (تتعلق بالنظام المالي كاملًا) والجزئية (تركز على الشركات والمؤسسات)، فإن العالم لا يزال عرضة للعامل العالمي.
- بطبيعة الحال، البلدان التي تعاني من نقاط ضعف اقتصادية ومالية محلية، هي أول من يتعرض للاضطرابات، لكن حتى في الاقتصادات التي تدار بشكل أفضل، تؤثر العوامل الخارجية على الأوضاع المالية المحلية بطرق تمكنها من التأثير بشكل محدود في الأساسيات المحلية.
اضطراب الاقتصادات قد يتزايد
- في سويسرا، على سبيل المثال، كانت التحديات الاقتصادية- الإدارية الرئيسية خلال السنوات القليلة الماضية أكثر ارتباطًا بالآثار غير المباشرة من منطقة اليورو مقارنة بالمشاكل المحلية، وفي مواجهة بعض التحديات، أجبرت السلطات على تنفيذ بعض التدابير المشوهة، وبالأخص فرض أسعار فائدة منخفضة للغاية ضمن النطاق السالب.
- بعض هذه الديناميكيات المزعزعة للاستقرار يمكن أن تشتد خلال الأشهر القليلة المقبلة، وذلك لسببين، أولهما أن البنوك المركزية ستواصل سيرها نحو تطبيع سياساتها النقدية (وإن كان ذلك يحدث بسرعة متفاوتة) بعد سنوات عدة من التدابير المحفزة، ونتيجة لذلك، من المحتمل أن تصبح الأوضاع المالية للعديد من الدول الناشئة أكثر تشددًا ويصعب التنبؤ بها.
- ثانيًا، تباين أداء الاقتصادات المتقدمة، فمع تسارع النمو في الولايات المتحدة تفقد أوروبا واليابان الزخم الاقتصادي، وسيضع هذا ضغطًا أكبر على الفروق في أسعار الفائدة، والتي سجلت بالفعل ارتفاعًا تاريخيًا وغذت تقلبات أسعار الصرف.
- بجانب العواقب الاقتصادية، من المرجح أن تؤدي هذه الاتجاهات إلى تفاقم التوترات السياسية والاجتماعية، وبعد كل شيء، سيكون من الصعب فهم آثار كلا الاتجاهين دون إدراك جيد لهيكل السوق المعقد والعوامل التقنية، وهذا من شأنه إعاقة التواصل مع الجماهير، ما قد يشعر الكثيرين بالارتباك وعدم الأمان والإحباط.
ما ينبغي فعله
- يمكن لصندوق النقد الدولي (وينبغي عليه) أن يساعد أعضاءه على مواجهة هذه التحديات من خلال اضطلاعه بدور أكبر في توفير التحليل وإجراء مناقشات أكثر فعالية في المناطق المحورية، وفي عالم كهذا، يجدر بجدول أعماله الأكثر جرأة أن يركز على ثلاثة مجالات.
- أولًا، على مستوى البلدان، بالإضافة إلى التركيز على المسائل العامة التي تتعلق بالمرونة الاقتصادية، سيدرس الصندوق الإجراءات الفعالة التي سيتم تنفيذها خلال المراحل الأكثر قسوة من دورات السيولة العالمية، ومن شأن هذا النهج أن يكون امتدادًا طبيعيًا للعمل الذي تم إنجازه في ما يتعلق بالتدابير الاحترازية الكلية والجزئية.
- ثانيًا، على مستوى المؤسسات، سيواصل صندوق النقد الدولي الدفع بقوة من أجل اتخاذ تدابير مناسبة لتتبع ومعالجة الآثار الجانبية وغير المباشرة، بما في ذلك دمج وتوسيع الروابط المالية الأكثر أهمية لعمليات الرصد وتصميم البرامج وآليات الإنذار المبكر.
- تم تسليط الضوء في وقت سابق من هذا العام على أهمية هذه التدابير في الأرجنتين، والتي شهدت تعطل برنامج (تقليدي) خلال أسابيع قليلة بسبب التطورات التقنية غير المتوقعة.
- ثالثًا، على المستوى متعدد الأطراف، هناك حاجة إلى عقد مناقشات صريحة وصادقة وتعاونية أكثر بشأن آثار السياسات الفردية العابرة للحدود، ويجب الاعتراف بفشل الجهود السابقة لمعالجة هذه القضية، فضلًا عن تكاليف تعميق تجزؤ النظام النقدي الدولي.
- سيثير ذلك حتمًا تساؤلات حيال التمثيل العادل والحوكمة في المؤسسات متعددة الأطراف، فضلًا عن التحيز المستمر في استجابة النظام للاختلالات الكبيرة والاختلاف في أداء السياسات والاقتصادات.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}