عندما ذهب الصحفي والمعلق "رالف أتكينز" ليحضر أحد اللقاءات الخاصة بفرع بنك "يو بي إس" السويسري المطل على بحيرة زيورخ، كان في انتظاره كبير اقتصاديي المصرف على المستوى الإقليمي والمسؤول الرئيسي عن الاستثمارات "دانييل كالت"، وهو ما تعرف عليه "أتكينز" بسهولة من ملامحه الشهيرة والابتسامة الخفيفة التي يتميز بها دومًا وشعره الرمادي القصير.
لكن "أتكينز" الذي سرد هذه التفاصيل في مقال له عبر "فاينانشيال تايمز" لاحظ شيئًا غريبًا في "كالت"، حيث بدا شاحبًا بعض الشيء، وبينما يتنفس تتحرك رأسه وكتفيه صعودًا ونزولًا كما لو أنه يسبح في المياه، وفجأة أدرك الصحفي أن هذا ليس اتصالًا حقيقًا عبر الفيديو مع الاقتصادي ذائع الصيت، وإنما صورة مستنسخة منه يتحكم فيها الحاسوب ويعرضها من خلال شاشته، وذلك في إطار مشروع "يو بي إس" لمستقبل الأعمال المصرفية.
السيد "كالت" البالغ من العمر 49 عامًا هو أحد الاقتصاديين المشهورين في سويسرا، وينطوي جزء كبير من عمله على تقديم إحاطة إلى عملاء "يو بي إس" بشأن التوقعات لاقتصادات العالم والأسواق المالية، ومن خلال استنساخه إلكترونيًا باستخدام أحدث تقنيات الرسوم المتحركة في صناعة ألعاب الحاسوب، يمكنه تقديم الخدمات للعديد من أصحاب الحسابات.
ومع تسارع وتيرة الانتشار الرقمي، يسعى رواد قطاع التجزئة والبنوك الخاصة في سويسرا –أكبر مركز في العالم لإدارة الثروات عبر الحدود- في اتجاهين خلال وقت واحد، ولخفض التكاليف يركزون على أتمتة العمليات بما في ذلك تقديم خدمات المستشارين الآليين، لكن لزيادة الإيرادات يتطلع القطاع المصرفي السويسري أيضًا إلى تقديم خدمات عالية القيمة عبر البشر إلى عملائهم الأكثر ثراءً.
بيد أن تطوير هذه النسخة الرقمية من السيد "كالت" يثير مجموعة من التساؤلات، مثل هل الاستنساخ أكثر فائدة للمستشارين البشريين من مجموعات الوثائق؟ هل من الممكن في مرحلة متقدمة أن يشعر الشخص بأنه يتعامل مع إنسان آخر حقيقي؟ هل ستكون هذه طريقة جيدة للتعامل مع البنوك؟ وهل هناك مشكلات متعلقة بالخصوصية؟
يقول مدير مشروع الاستنساخ لدى مختبر "يو بي إس" المعني بابتكارات إدارة الثروة "ماتياس كولر"، إن المستشارين المستنسخين قد يكونون وسيلة لسد تلك الفجوة وتقديم نوع من الخدمات عالية الجودة على نطاق واسع، ويضيف: مهمتنا هي الاستكشاف أولًا لفتح المجال، ومن ثم تحديد الفرصة الحقيقية.
الوجوه المألوفة قد تجعل الاستنساخ الرقمي أكثر إثارة للاهتمام من الرسوم البيانية والعروض المملة في المؤتمرات والاجتماعات، فعلى سبيل المثال يتم تنشيط السيد "كالت" -الإلكتروني- عن طريق لوحة صغيرة تعمل باللمس ونظام التعرف على الصوت، وحتى الآن يمكنه تحدث الألمانية فقط ولا تتطابق كلماته مع حركات الشفاه.
ويعلق "كولر" على ذلك قائلًا إن برنامج مزامنة اللغة الإنجليزية يعمل بشكل أفضل، وسرعان ما سيطلق السيد "كالت" توقعاته للاقتصاد الأمريكي وأرباح الشركات والمحركات الرئيسية للأسواق العالمية.
إلا أن هناك حدودا لمعرفته، فمثلًا طلب "أتكينز" رأيه حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فكانت هناك لحظات من الصمت، أعقبها عرض "كالت" -المتلعثم- بعض المعلومات حول الأصول العالمية، وفي سؤال آخر حول توقعات الاقتصاد البريطاني كان الرد عليه "ليس لدي إجابة لذلك".
يشير "كولر" إلى أن هذه المرحلة تعتبر نسخة السيد "كالت" الرقمية مساعدة للمستشارين، وليست مستشارة مباشرة للعملاء كما أنها غير جاهزة للاختبار من قبل الصحفيين، وبهذا الشكل يوصف ابتكار "يو بي إس" في صناعة الروبوتات بـ"cobot" اختصارًا لـ"collaborative robot" ما يعني "الروبوت التعاوني".
على أي حال، أكد "كولر" أنه من المقرر توسيع مجال خبرات ومعرفة "كالت" وفقًا للطلب، لكن مستشاري "يو بي إس" الذين استخدموه حذروا من خلق نظام يتظاهر بأنه يعرف كل شيء لكنه في الواقع لا يعلم شيئًا.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}