على الرغم من أن الرأسمالية تعد هي النظام الاقتصادي المهيمن على غالبية أسواق العالم الحديث، فإنها لا تزال تتعرض للعديد من الانتقادات بسبب النظام الذي لا يوفر العدالة بين الناس، ويسمح دائمًا بظهور طبقة الـ1% الأشد ثراءً في مقابل الـ99% من الفقراء والمتوسطي الدخل.
السوق العقاري مثالًا
كتاب "الاقتصاد الأسير: كيف ينمي الأغنياء ثرواتهم ويزيدون من غياب العدالة" للكاتبين برينك ليندسي وستيفن تيليز، هو من أهم الكتب التي صدرت مؤخرًا، وتناولت كيف يصبح غياب العدالة في الكثير من الحالات أمرًا "نظاميًّا" تدعمه القوانين والقواعد القائمة، بحيث يصبح الخروج على هذا النظام أمرًا صعبًا للغاية، ويكاد يكون محظورًا.
ويشير الكاتبان إلى القواعد المنظمة للبناء في كثير من الدول، ومنها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، على سبيل المثال؛ فعلى الرغم من أن هناك مساحات للبناء بالقرب من لندن مثلًا، فإن الحكومات الإنجليزية المتعاقبة لم تسمح بالبناء فيها، وإن سمحت بالتوسع في الضواحي، بحجة أن ذلك من شأنه زيادة الكثافة السكانية في مدينة تعاني منها بالفعل.
وكانت النتيجة المباشرة لذلك أن العمال الذين يضطرون للإقامة في ضواحي لندن، ولا سيما الشرقية؛ لأنها أقل كلفةً؛ يجنون 250 جنيهًا إسترلينيًّا أقل في الأسبوع مما كانوا سيجنونه لو كانوا يسكنون المدينة نفسها؛ حيث أثبتت دراسة أن العمال الذين يسكنون في تجمعات سكنية قريبة من العمل، يحصدون دخولًا أعلى، غير أنهم لا يستطيعون دفع ثمن الإيجارات في لندن مع ارتفاعها الكبير.
وفي المقابل، ساهمت تلك السياسة المقيدة للبناء في لندن في استمرار ارتفاع الإيجارات في عاصمة الضباب، وآخرها ارتفاعها بنسبة 5.6% في مايو 2018 عن الشهر نفسه العام الماضي، رغم اتخاذها اتجاهات متذبذبة مؤخرًا، إلا أن الاتجاه التصاعدي يبقى غالبًا، لتكون سياسة تضر بالفقراء على حساب الحفاظ على مداخيل الأغنياء.
ويرى الكتاب أن مثل تلك السياسات المطبقة في العاصمة الإنجليزية التي تضمن تقليص حجم المعروض من كل شيء وليس العقار فحسب؛ تساهم في إبقاء الأسعار في مستوى معين، ولا تسمح بالوصول بالاقتصاد إلى صيغة التنافس الكامل كما هو مفترض.
الملكية الفكرية أيضًا
وهناك أيضًا فكرة حقوق الملكية الفكرية والتوسع في استخدامها. ويقول "ليندسي" إنه لو كانت تلك الفكرة قائمة بمثل هذا التشدد القائم حاليًّا لكان مصباح الإضاءة منتجًا من شركة واحدة أو مجموعة شركات محدودة ولكان سعره قياسيًّا، ولعانى أغلب الناس الظلام.
ويعتبر الكتاب أن فكرة إقرار قواعد من أجل حفظ الملكية الفكرية أمر منطقي ومقبول، بل إنه يساعد على التطور أيضًا من خلال تحصين استثمارات الشركات العملاقة من "السرقة"، بما يجعلها تنفق بسخاء في مجال البحوث والتطوير، سعيًا لعمل منتجات أفضل، خاصةً بعد أن أصبحت غالبية النفقات في هذا المجال من خلال شركات خاصة وليس هيئات حكومية.
ولكن في الوقت نفسه، فإن رهن حقوق الملكية الفكرية بعشرات الأعوام في غالبية الأحوال لمجالات تطور خلال أيام لا خلال أشهر؛ أمر مجحف؛ لأنه يجعل بداية الشركات لأعمالها ولا سيما في مجال التكنولوجيا والمجالات الكثيفة الاستثمار في الأبحاث، مثل الدواء؛ أمرًا مستحيلًا، بما يجعل السوق غير قابل للتمدد، والعرض ثابتًا، بل وقد يتقلص بخروج شركات من السوق لسبب أو آخر، ويقوض ركنًا أساسيًّا في الفكر الرأسمالي القائم على الفرص المتساوية، في الفكر النظري على الأقل.
للتمويل دور
وتأتي استراتيجية التمويل في قمة جبل "غياب المساواة"؛ حيث يقسم الكتاب مؤسسات التمويل إلى أنواع ثلاثة: الأول- شركات تمويل الأفراد. والثاني- تمويل المشاريع والشركات. والثالث يجمع بين الاثنين.
وتتباين النسب التي تقرها كل من تلك الشركات لمنح القروض بشكل كبير، حيث تزداد الفوائد على القروض الشخصية عن القروض الممنوحة للشركات، وتزيد نسبة الفائدة للشركات الصغيرة على تلك القروض الممنوحة للشركات العملاقة.
وعلى الرغم من أن التحليل المالي للمخاطر، من شأنه أن ينحاز منطقيًّا للشركات الكبيرة ذات المراكز المالية القوية، التي من المرجح أن تقدر على السداد، ومن ثم يمكن منحها القروض بأسعار فائدة أقل؛ فإن تنويع القروض وتوسيع قاعدتها -في الوقت نفسه- من شأنه أن يوفر الأمان أيضًا لمؤسسات التمويل؛ لصعوبة خسارتها قطاعًا كبيرًا من أموالها دفعة واحدة.
ويؤكد الكتاب أن امتزاج الثروة والسلطة في غالبية دول العالم، منح أصحاب الثروات فرصة تشكيل القوانين بما يلائم مصالحهم الاقتصادية، في الوقت الذي تعمل فيه آلة إعلامية وبحثية عملاقة على تأكيد ملاءمة ذلك لـ"الصالح العام"، لا لمصلحة القلة الغنية فحسب؛ لذا يبقى "تقنين" توسيع فجوة الثروة مستمرًّا.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}