"يتراجع عدد المستهلكين وتزداد القيود على الصناعة وتظهر دلائل تقلص المبيعات، ويعاني المنتجون من تنامي الوعي بخطورة ما يبيعون غير أنهم ينجحون في زيادة أرباحهم".. ربما يبدو هذا سيناريو خيالي وغير قابل للتطبيق في عالم الواقع، غير أنه ينطبق تمامًا على صناعة السجائر والتبغ.
كلفة إنسانية وأخرى مادية
ويقول "نيل شورجر" العالم في مركز "فايتل ستراتيجيز" إنه وفقًا للتقديرات المحافظة فإن هناك 7 ملايين حالة وفاة على الأقل سنويًا حول العالم بسبب أمراض متعلقة بالتدخين، وهناك بعض التقديرات التي ترتفع بهذا الرقم كثيرًا، هذا بالإضافة إلى صعوبة تقدير عدد الوفيات نتيجة للتدخين السلبي، والذي يرى "شورجر" أنها تقترب من مليون حالة وفاة.
هذا عن التكلفة الإنسانية، أما عن التكلفة المادية فإنها تربو على تريليوني دولار سنويًا، ووفقًا لمركز دراسات أبحاث مرض السرطان الأمريكي فإن هذا لا يتضمن أيضًا التكلفة البيئية لزرع التبغ مقارنة بزرع محاصيل أخرى غذائية أو مفيدة للبيئة.
ويشير التقرير إلى أنه مقابل كل حالة وفاة بسبب أمراض التدخين فإن شركات التبغ تحصد 9730 دولارا كأرباح، حيث إن عائدات الشركات بلغت 93 مليار دولار عام 2015 في رقم قياسي على الرغم من تراجع المبيعات بشكل عام إلا أن الشركات عوضت ذلك برفع السعر.
وفي الولايات المتحدة شهدت الشركات المنتجة للسجائر حربًا ضروسا لأضرارها على الصحة العامة، من خلال تقييد الإعلانات عن التبغ، والحملات التي شنتها عدة مراكز غير حكومية مهتمة بالصحة العامة ضدها، بما أدى لتراجع الاستهلاك بنسبة 37% بين عامي 2001 و2016، غير أن الأرباح استمرت في النمو ولم تشهد تراجعًا بسبب الارتفاع الكبير في سعر بيع علبة السجائر (حوالي 75%).
تراجع ولكن
وبسبب تراجع المبيعات في دول العالم المتقدم بشدة للعديد من الأسباب لعل من بينها ظهور بدائل مثل السجائر الإلكترونية والشيشة الإلكترونية (vape) لجأت شركات السجائر إلى استهداف تلك الدول التي لا تحتوي على تشريعات منظمة للتدخين ولا لإعلاناته لاسيما في إفريقيا التي تعد القارة الوحيدة التي نمت فيها أعداد المدخنين بنسبة تربو على النصف بين عامي 1980-2016.
وأدى ذلك إلى ارتفاع نسبة المدخنين في الدول الأفقر إلى 80% من نسبة المدخنين في العالم، حيث تشير صحيفة "وول ستريت جورنال" إلى أن شركات التدخين العالمية لاحظت تراجع "عادة" التدخين بين أبناء الجيل الجديد في الدول المتقدمة خلال العقدين الماضيين بما دفعها لتغيير استراتيجيتها تمامًا بتصدير العادة الضارة إلى الدول الأقل نموًا.
والملاحظ هنا أن الكثير من الحكومات تستثمر في "اعتمادية" الناس على التبغ وتدخينه من خلال احتكار العديد من الشركات الحكومية لإنتاج التبغ في بلادها، وهو ما يجعل الصين مثلًا تحقق نسبة أرباح قياسية من بيع السجائر المحلية التي تحتكر إنتاجها، وترفض مرارًا إخضاع شركة السجائر للخصخصة حرصًا على استمرار التدفقات المالية الاستثنائية من بيع السجائر "الضارة" لمواطنيها، وهو ما تفعله حكومات كثيرة.
وتشير دراسة نشرتها "وول ستريت جورنال" إلى أن مبيعات السجائر هي الأكبر من بين كافة السلع الضارة مثل المشروبات الروحية بل وحتى المخدرات السامة، وذلك بسبب تقنينها من قبل الحكومات التي تستفيد إما من العائدات الاستثنائية التي تحصل عليها بشكل مباشر إذا كانت مالكة للشركات أو إذا كانت تحصد الضرائب من مبيعاتها.
عميل راض
وحتى في الدول المتقدمة يقول تقرير لهيئة الإذاعة الوطنية الأمريكية فإن المصنعين الأمريكيين الرئيسيين للتبغ تمكنوا من زيادة أرباحهم بنسبة 77% خلال السنوات العشر الأخيرة في الولايات المتحدة فحسب، حيث إنهم يواجهون أية ضرائب جديدة تفرض عليهم بالمزيد من الارتفاع في أسعار السجائر في ظل علمهم أن المستهلك سيواصل الشراء مع ارتفاع السعر.
وتقول دراسة نشرتها شبكة "فوكس" أن هناك ما يعرف باستمرار في عالم التسويق بـ"العميل الراضي" أي الذي يشتري السلعة لرضائه عن جودتها دون البحث عن بدائل، وأن مستهلك السجائر عادة ما يكون من هذا النوع باستمرار لأنه يؤسس عادة نفسية يصعب عليه التخلص منها، خلافًا بالطبع للاعتمادية على مادة النيكوتين وغيرها من المواد الموجودة في السجائر.
ويقول "مارتي بارينجتون" الرئيس التنفيذي لشركة "مارلبورو" لإنتاج السجائر لصحيفة "وول ستريت جورنال" حول ما مرت به الشركات المنتجة للتبغ "لقد تجاوزنا فترة صعبة، وكانت هناك العديد من الضوضاء حول الصناعة ولكننا تمكنا من تجاوزها ونرغب الآن في إعادة الثقة إلى المستهلكين مجددًا".
ويشير "بارينجتون" إلى الفترة التي لاحقت فيها الدعاوى القضائية الشخصية والعامة الشركات المنتجة للسجائر وأجبرتها على دفع تعويضات قياسية لمن عانوا أمراضًا من التدخين، لتلجأ إلى البديل وهو الكتابة على منتجات التبغ "التدخين يؤدي إلى الوفاة" لتحصد هي المكاسب دون أن تخشى دفع تعويضات لمن يتضرروا من منتجاتها.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}