نبض أرقام
05:49 م
توقيت مكة المكرمة

2024/11/22
2024/11/21

العناد لا يفيد في سوق الأسهم .. توقف عن خداع نفسك ولا تكن مثل "حسن"

2019/03/06 أرقام - خاص

صديقنا "حسن" يطالع الصحف والمواقع والبرامج التلفزيونية الاقتصادية كل يوم ليتتبع أحوال سوق الأسهم. وكل ما يقرأه ويسمعه يدور حول ازدهار الاقتصاد وصعود سوق الأسهم. وانطلاقاً من اعتقاده بأن السوق يأخذ اتجاها تصاعديا، بدأ "حسن" في الاستثمار بسهم الشركة "س".

 

في ذات الوقت، يبدأ "حسن" في مطالعة تقارير شركات الوساطة التي قدمت توصيات "شراء" لسهم الشركة "س" شاعراً بالثقة والاستمتاع. وعندما يصادف بعض الأخبار والتقارير التي تشير إلى أن السهم "س" مبالغ في تقييمه، يلوي عنق الحقائق ويفسر السعر المبالغ فيه للسهم على أنه انعكاس للأداء الجيد لإدارة الشركة.

 

 

يسأل "حسن" الآخرين عن رأيهم في الشركة "س"، فإن وافقوه الرأي وتحدثوا بإيجابية عن الشركة استفاض معهم في الحديث وتحدث إليهم بتفاصيل أكثر، ولكن إذا كانوا يخالفونه في الرأي ولديهم نظرة سلبية حول الشركة يقطع معهم المحادثة بسرعة، وينطلق بعيداً باحثاً عن شخص آخر يشاركه آراءه حول "س".

 

يتجاهل "حسن" جميع الإشارات التحذيرية التي تشير إلى اتجاه السهم "س" إلى الانخفاض، ولكن الأكثر غرابة هو أنه حينما يحدث ويستمر سعر السهم في التراجع بشكل مطرد، يميل ذهن "حسن" إلى التقوقع في تلك الفترة التي كان سعر السهم فيها مزدهراً ويعتقد أن السهم وصل بالفعل إلى القاع ويستعد الآن لاستعادة مجده السابق.

 

السهم خسر 5%، أصبحت 10% في غضون أيام قبل أن تصل خسارته إلى 25% بنهاية الشهر، و"حسن" متمسك به ولا يرغب في التخلي عنه، وبعد عدة أشهر خسر كل أمواله تقريباً لأنه كان ضحية فخ يقع فيه أغلب المستثمرين، وهو "الانحياز التأكيدي". "حسن" كان يلتفت فقط إلى الآراء والأدلة التي تدعم قراراه بالاستثمار في "س" وتجاهل كل الأدلة التي تشكك في صحة قراره أو في جدوى استثماره.

 

"الانحياز التأكيدي" أو (confirmation bias) هي ظاهرة نفسية تفسر سبب ميلنا كبشر إلى البحث عن المعلومات التي تؤكد آراءنا ومعتقداتنا الحالية في حين نتجاهل تلك التي قد تدحض هذه الآراء والمعتقدات.

 

ببساطة، الكثير منا يميل لتفضيل المعلومات التي تؤكد أفكاره أو افتراضاته المسبقة، بغض النظر عن مدى صحة هذه المعلومات.

 

 

على سبيل المثال، إذا افترضنا أن لديك فكرة مسبقة عن سهم شركة "آبل" مفادها أنه سهم ممتاز وجدير بالاقتناء، فأنت غالباً ستسعى إلى الحصول بشكل انتقائي على الأخبار والتقارير والتحاليل التي تدعم هذا الاعتقاد. ولذلك عندما تطالع تقارير تتحدث عن تراجع كبير شهدته مبيعات "آيفون" أو أي خبر سلبي آخر، ستقوم بتجاهلها لأنها تشكك في صحة قرارك وهو ما يشعرك بعدم الراحة.

 

تجاهلك لتلك الحقائق يدفعك للتمسك بالسهم حتى في ظل وجود الكثير من العلامات التي تشير إلى أن أداء الشركة وبالتبعية سعر سهمها في طريقهما للانخفاض. (من فضلك، انتبه إلى حقيقة أن هذا مجرد مثال وليس رأيا في سهم "آبل").

 

كيف يفعلها "وارن بافيت"؟

 

- من الصعب جداً على أغلبنا مواجهة ظاهرة "الانحياز التأكيدي" وهذا ربما لأنه يجب علينا أن نواجه أنفسنا بحقائق غير مريحة ونعترف بأننا من الممكن جداً أن نكون مخطئين. ولكن المستثمرين الكبار يعرفون جيداً هذه الظاهرة النفسية، ويحاولون تجنبها بقدر الإمكان. وهذا ما اعتاد المستثمر الأمريكي الشهير "وارن بافيت" فعله.

 

- تغلب "بافيت" على هذه الظاهرة ولم ينهزم لها حينما وجه الدعوة لأحد أهم منتقديه – "دوج كاس" – لحضور الاجتماع السنوي لمساهمي شركته "بيركشاير هاثاواي" في عام 2013.

 

- "دوج كاس" هو أحد مديري صناديق التحوط، واشتهر في الأوساط المالية عقب انتقاده لصفقة اندماج شركة "تايم وارنر" مع شركة "إيه أو إل" في يناير/كانون الثاني 2001 البالغة قيمتها 112 مليار دولار، ووصفها بأنها صفقة سيئة، وهو ما أثبتت الأيام صحته. ففي العام 2009، انخفضت قيمة "إي أو إل" إلى 3 مليارات دولار فقط.

 

- معظمنا سيفضل تجنب الإحراج أمام المساهمين الحاضرين في المؤتمر والذين يزيد تعدادهم عن 35 ألف شخص، فضلاً عن ملايين المستثمرين المتابعين للحدث من جميع أنحاء العالم. ولكن "بافيت" دعا "دوج" متعمداً، لكي يستمع لرأيه حول نقاط الضعف التي قد يرى أنها موجودة في خطط الإدارة والاستثمار في "بيركشاير هاثاواي".

 


- أراد "بافيت" أن يستمع إلى الانتقادات والآراء المخالفة لكي يتمكن من التصرف بسرعة ويتراجع عن أي خطة سيئة أو قرار غير موفق. بعبارة أخرى، لم يكن "بافيت" يسعى للحصول على آراء شخص يؤكد صحة قراراته أو يمدح نظرته الثاقبة، بل كان يريد شخصا يمتلك قدرة تحدي قراراته وتفنيدها وتوضيح مواطن الخلل فيها، ولهذا دعا "كاس" إلى الاجتماع الذي عقد في مايو/أيار 2013.

 

- حضر "كاس" المؤتمر ولم يخيب آمال المستثمرين الحاضرين والذين كانوا يتوقعون أسئلة صعبة منه. تحدث مع "بافيت" علانية حول مجموعة من الموضوعات الشائكة، من بينها مدى تأثير الحجم الكبير والمتنامي لـ"بيركشاير هاثاواي" على قدرتها على الاستمرار في التغلب على السوق.

 

- تحدث معه أيضاً حول خططه للشكل الذي ستكون عليه إدارة الشركة بعد تقاعده بالنظر إلى تقدمه بالسن، وحول التخفيض المتوقع لحجم برنامج التيسير الكمي الذي يقوده مجلس الاحتياطي الفيدرالي.

 

- رداً على هذه الأسئلة، أجاب "بافيت" بأن "بيركشاير هاثاواي" لا تزال منضبطة في مشترياتها، وأنها ستستخدم سيولتها النقدية الكبيرة في إجراء صفقات جيدة للمساهمين. في الوقت نفسه، لم يعط "بافيت" إجابة واضحة حول خططه لمستقبل الشركة في فترة ما بعد التقاعد. وأخيراً، أعرب "بافيت" عن ثقته في قدرة الفيدرالي على إدارة السياسة النقدية.

 

- الشاهد هو أن "بافيت" سواء وافق على أي من آراء "كاس" أو لا، فهو أظهر حرصه على تحدي واختبار صحة قراراته والإفلات من "الانحياز التأكيدي" مهما كلفه ذلك.

 

- "تشارلي مونجر" نائب رئيس "بيركشاير هاثاواي"، اليد اليمنى لـ"وارن بافيت" لديه أيضاً موقف صارم تجاه ظاهرة الانحياز التأكيدي، والتي تعلم كيف يواجهها من العالم الشهير "تشارلز داروين".

 


- يقول "مونجر": "إن تشارلز داروين اعتاد أن يقول إنه كلما توصل إلى استنتاج يناقض استنتاجا آخر كان يعتز به، كان يقوم بإرغام نفسه على كتابة النتيجة الجديدة في غضون 30 دقيقة، وإلا فإن عقله سيعمل على رفض المعلومات المتضاربة، مثلما يرفض الجسم عمليات زرع الأعضاء. إن الإنسان يميل بشكل طبيعي إلى التمسك بمعتقداته، خاصة إذا كانت معززة بالتجربة."

 

- كما نعلم جميعاً، "بيركشاير هاثاواي" بقيادة كل من "بافيت" و"مونجر" هي واحدة من أنجح شركات الاستثمار القابضة في العالم. إذا كنت قد استثمرت ألف دولار في أسهم الشركة في مايو/أيار 1980، فإن قيمة هذه الأسهم كانت ستساوي 614 ألف دولار في أكتوبر/تشرين الأول 2015. هذا عائد سنوي قدره 120% لمدة 35 عاماً.

 

عباقرة ولكن...

 

- تأسست شركة "لونج تيرم كابيتال مانجمنت" في عام 1994 من قبل "جون ميريويثر". عمل "ميريويثر" رئيساً لمكتب مراجحة السندات لدى بنك "سالمون برازرز" حتى عام 1991، وكان مسؤولاً عن ما يقرب من 80% من إجمالي الأرباح العالمية للشركة بداية من أواخر الثمانينيات وحتى أوائل التسعينيات.

 

- في بداية العقد الأخير من القرن الماضي، غادر "ميريويثر" الشركة، ونجح في إقناع الفائزين بجائزة نوبل في الاقتصاد "مايرون سكولز" و"روبرت ميرتون" بالانضمام إليه كشركاء في شركته "لونج تيرم كابيتال مانجمنت".

 

- حققت الشركة الجديدة نجاحاً فورياً، وبلغ حجم العائد على حيازاتها من السندات 21% في عام 1995، قبل أن ترتفع النسبة إلى 43% و41% في عامي 1996 و1997 على الترتيب.

 

- ما حدث هو أن الأستاذين الفائزين بـ"نوبل" قاما ببناء نموذج رياضي معقد للتنبؤ بالأسعار، وبدا للجميع أن هذين الرجلين لا يمكنهما ارتكاب أي خطأ. ولكن منتقدي هذا النموذج أشاروا إلى أنه لن يعمل بكفاءة إلا في سوق عقلانية تماماً، وإذا ما انتشر الذعر في الأسواق، ستخسر الشركة مليارات الدولارات.

 


- لم تلتفت الشركة إلى الآراء المشككة في قدرة النموذج على التعامل مع حالات الذعر بالأسواق، ولكن لم يمض الكثير قبل أن تتعثر روسيا في سداد سنداتها الحكومية في 17 أغسطس/آب 1998، لتبدأ حالة من الهلع في السيطرة على الأسواق العالمية، وهو ما تسبب في خسارة الشركة لمليارات الدولارات.

 

- بحلول نهاية سبتمبر/أيلول، انخفضت القيمة السوقية للشركة من 2.3 مليار دولار إلى 400 مليون دولار فقط، وأصبحت على حافة الانهيار. في ذلك الوقت عرض تحالف ثلاثي يضم "إيه آي جي" و"جولدمان ساكس" و"بيركشاير هاثاواي" شراء الشركة مقابل 250 مليون دولار وضخ 3.75 مليار دولار فيها.

 

- كان العرض المقدم ضعيفا جداً، وقيل إن "بافيت" أعطى "ميريويثر" مهلة قدرها ساعة واحدة لقبول العرض. ولكن انقضى الوقت دون التوصل إلى اتفاق، وفي النهاية تدخل الفيدرالي من أجل إنقاذ الشركة لتجنب حدوث انهيار في الأسواق المالية العالمية في عام 1998.

 

- على الرغم من أن الشركة نجحت في بناء نموذج عبقري، إلا أن انهزامها لظاهرة الانحياز التأكيدي جعلها تتجاهل ضرورة تعديل النموذج وإدراج احتمال تخلف روسيا عن سداد التزاماتها في أغسطس 1998. هذا الخطأ قضى على الشركة في لحظة.

 

لا تتذاكى!

 

- يتم قتل أحدهم، فتبدأ الشرطة في التحقيق بالجريمة، وبمجرد أن تشكل سلطات التحقيق رأياً وقصة متماسكة حول الملابسات، فإنها تميل للبحث عن أي أدلة تدعم نظريتها حول كيفية وقوع الجريمة، وتتجاهل أي أدلة أخرى – مهما بلغت درجة وضوحها – قد تنسف التصور الذي بذلوا الكثير من الوقت في بنائه. وهذا بالضبط ما يحدث مع المستثمر في سوق الأسهم.

 

- لكي تتجنب كمستثمر الوقوع في هذا الفخ، يجب عليك النظر بصورة نقدية في المعلومات والأدلة التي تدعم خياراتك الاستثمارية، ولا تحاول أن تتجاهل الأدلة التي تدعم استنتاجات مخالفة لتلك التي توصلت إليها.

 

- لا تبحث عن من يوافقك لتتحدث إليه حول قراراتك الاستثمارية، وبدلاً من ذلك ابحث عن شخص تثق فيه يمكنه أن يلعب دور ما يسمونه "محامي الشيطان". وهو شخص يستطيع أن يبني حججا مضادة لقراراتك، أو يقدم لك أدلة تدعم خيارات استثمارية أخرى من الممكن أن تكون أفضل.

 

- فكرة "محامي الشيطان" تشير إلى مفهوم "المجادل الشكلي" وهو محام كانت تعينه الكنيسة الكاثوليكية الرومانية قديماً لكي يجادل ضد القوانين التي يضعها المشرعون أو أعضاء المجلس الكنسي، ويقوم بعرض رأي تشكيكي بحثا عن أخطاء ظاهرية أو اصطياداً للثَّغرات في القوانين.

 


- تجنب الأسئلة التوكيدية والموجهة. فأحد أكبر الأخطاء التي يقع فيها المستثمر هو أن يطرح الأسئلة بصيغة تجعله يحصل على الإجابة التي يريدها، وليس الإجابة التي يحتاجها. بعضنا يتذاكى – وهو في الحقيقة لا يخدع أحداً سوى نفسه – ويقوم بتضمين تلميحات وإشارات في السؤال تهدف إلى توجيه الشخص الموجه إليه السؤال نحو إجابة معينة. وحصولنا على تلك الإجابة يؤدي إلى شعور زائف بأننا على الطريق الصحيح.

 

- ليس من الخطأ أن يقوم المستثمر بالنظر في الأدلة التي تدعم قراراته وفلسفته الاستثمارية، ولكن في نفس الوقت يجب عليه أن يخصص جزءا كبيرا من وقته للنظر في تلك التي تتعارض مع رؤيته وقراراته.

 

- أخيراً، أتريد أن تكون مستثمراً ناجحاً في سوق الأسهم؟ إذن توقف عن خداع نفسك، وحاول السيطرة على غرائزك وانحيازاتك. وتذكر كلمة "وارن بافيت": لست بحاجة لأن تكون عالما في الصواريخ. الاستثمار ليس لعبة يتفوق فيها من حصل في اختبار الذكاء على 160 درجة على ذلك الذي حصل على 130 درجة."

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.