نبض أرقام
07:57 ص
توقيت مكة المكرمة

2024/12/18
2024/12/17

لعنة النفط .. 60 عاماً من الدمار البيئي والخراب المجتمعي

2018/05/26 أرقام - خاص

رغم كونها أحد أكبر منتجي النفط في العالم، إلا أنها لا تزال واحدة من أفقر الدول على وجه الأرض، حيث يعيش ما يقرب من 70% من سكانها البالغ عددهم 186 مليوناً تحت خط الفقر. نتحدث هنا عن نيجيريا، أكبر دول إفريقيا من حيث عدد السكان.
 

 

تم اكتشاف النفط على أراضيها لأول مرة في عام 1956 بمنطقة دلتا النيجر من قبل شركتي "رويال داتش شل" و"بريتش بتروليم"، ولكن الذهب الأسود الذي يتدفق منذ أكثر من 60 عاماً لم تستفد منه سوى قلة محظية، وكان في نفس الوقت بمثابة اللعنة لغالبية السكان الذين تغيرت أحوالهم للأسوأ منذ أن عرفت بلادهم طريق النفط.

 

قسمة العدل! .. النفط لـ"شل" والخراب لسكان المنطقة

 

- عندما اكتشفت "شل" النفط في منطقة دلتا النيجر في الخمسينيات، كان شعب "الأوجوني"  - أقلية عرقية تعيش في جنوب نيجيريا وموطنها الأصلي "أوجوني لاند" في دلتا النيجر -  يعيش على أراض خصبة كانت تنتج محاصيل وافرة من اليام والكسافا والخضراوات ويعملون  بالرعي والزراعة وصيد الأسماك.

 

- بعد أن بدأت "شل" استخراج النفط في عام 1958، بدأ سكان منطقة أوجوني البالغ عددهم حوالي 500 ألف نسمة يشاهدون بأعينهم تدمير أنشطة الشركة لمصادر رزقهم، بعد أن تسببت عمليات استخراجه في تلوث المياه وبوار آلاف الأفدنة من الأراضي الزراعية وموت الماشية على خلفية حوادث تسرب النفط والغاز المتكررة.

 

- مدت "شل" خطوط أنابيب النفط والغاز ذات الضغط العالي فوق الأراضي الزراعية في منطقة أوجوني، وعانت المنطقة من أكثر من 190 حادثة تسرب نفطي خلال الفترة ما بين عامي 1989 و1996، وبلغ متوسط حجم بقع النفط المتسربة في كل حادثة حوالي 319.2 ألف جالون.

 


- دُمر النظام البيئي الخاص بالمنطقة، ولوثت الأنهار والبحيرات بالزيت، وأصبح من المستحيل زراعة الكثير من الأراضي، كما تسبب تلوث مياه الشرب في وقوع الكثير من الوفيات، في حين أدى حرق الغاز وبناء محطات ضخ النفط بالقرب من التجمعات السكانية إلى حدوث مشاكل صحية للكثير من السكان.

 

- بحلول عام 2000، شكل النفط أكثر من 90% من عائدات التصدير في نيجيريا وحوالي 80% من إيرادات الحكومة، ولكن الملاحظة الأهم هي أن أكثر من 90% من النفط النيجيري كان يتم استخراجه من منطقة دلتا النيجر.

 

- خلال الأربعين سنة الأخيرة في القرن الماضي، تم استخراج ما قيمته 30 مليار دولار من النفط من منطقة أوجوني التي كانت موطناً لحوالي 100 بئر نفطية، ومصفاتين ومجمع للبتروكيماويات وآخر للأسمدة، وفي نفس الوقت لم يكن لدى معظم سكان المنطقة لا مياه نظيفة ولا كهرباء، والأسوأ من ذلك هو أن هذه المنطقة التي يقطنها ما يزيد على نصف مليون لا يخدمها سوى 5 أطباء.

 

القتل والتشريد مصير كل من يرفع رأسه

 

- بداية من عام 1990، انخرط سكان منطقة أوجوني في صراع مع الحكومة النيجيرية و"شل" أثناء سعيهم للحفاظ على حقوقهم كسكان أصليين للأرض، وتعرضت حركة "من أجل بقاء شعب الأوجوني" (MOSOP) إلى أعمال عنف واعتقالات من قبل الحكومة.

 

- في نفس العام أصدر زعيم الحركة " كين سارو ويوا" ما سماه "قانون حقوق أوجوني" والذي تم خلاله تسليط الضوء على افتقار سكان المنطقة إلى الخدمات الاجتماعية وتهميشهم السياسي وسوء المعاملة الذي يواجهونه من شركة "شل"، ولكن النقطة الأهم هي مطالبته بتخصيص نسبة عادلة من عائدات النفط المستخرج بالمنطقة لصالح سكانها.

 

- قوبلت احتجاجات سكان المنطقة بالقمع الوحشي من قبل الشرطة النيجيرية. على سبيل المثال، بعد أن احتج سكان قرية "أمويشيم" على التلوث النفطي لأراضيهم، اقتحمت القرية فرقة تابعة للشرطة تعرف محلياً باسم مجموعة "اقتل واذهب" مما أسفر عن مقتل أكثر من 100 شخص ونهب العديد من المنازل، واضطرار الناجين لمغادرة بيوتهم.

 


- رغم الحظر المفروض في ذلك الوقت على التجمعات العامة، نظمت (MOSOP) في الرابع من يناير/كانون الثاني 1993 احتجاجا سلمياً شارك فيه أكثر من 300 ألف من سكان منطقة أوجوني، طالبوا خلاله بحقوقهم.

 

- عقب تنظيم سلسلة أخرى من الاحتجاجات على مدار نفس الشهر، اضطرت "شل" إلى الانسحاب من المنطقة، وأدى ذلك إلى انخفاض كبير بحجم النفط المستخرج وتراجع أرباح شركات النفط العاملة بالمنطقة بنحو 200 مليون دولار خلال عام 1993.

 

- بعد انسحاب "شل" تدخلت الحكومة النيجيرية بالقوة في محاولة لردع مقاومة سكان المنطقة، وفي أبريل/نيسان 1993، أطلقت القوات النيجيرية الذخيرة الحية على المشاركين بتظاهرة قوامها 10 آلاف شخص، مما أدى إلى مقتل 10 متظاهرين.

 

- قامت الحكومة أيضاً بإغلاق جميع الطرق من وإلى منطقة أوجوني وبدأت في القضاء على قرى بأكملها، وبحلول منتصف يونيو/تموز 1994 تم تدمير حوالي 30 قرية من قرى المنطقة.

 

- في غضون ثماني سنوات لاحقة، تم قتل أكثر من 200 شخص وتدمير 37 قرية، مما تسبب في نزوح نحو 30 ألف شخص من منازلهم في منطقة أوجوني نحو الأدغال، بينما استقر جنود الشرطة النيجيرية في المنطقة من أجل حماية أصول شركة "شل".

 

- في 31 أكتوبر/تشرين الأول 1995 حكم القضاء النيجيري على "كين سارو ويوا" زعيم حركة "من أجل بقاء شعب الأوجوني" وثمانية آخرين من منطقة أوجوني بالإعدام، قبل أن يتم تنفيذ الحكم في العاشر من الشهر التالي.

 

- بعد نحو 14 عاماً، تم الكشف عن تآمر "شل" مع الحكومة النيجيرية في إعدام القادة التسعة، وفي عام 2009 اضطرت الشركة إلى دفع 15.5 مليون دولار إلى عائلات الضحايا من أجل تسوية دعاوى تم رفعها من قبلهم ضد الشركة.

 


- قامت "شل" أيضاً في عام 2015 بدفع 80 مليون دولار لصالح حوالي 15 ألف شخص دمرت حياتهم بسبب حوادث تسرب نفطي ضخمة بأنابيب الشركة بمنطقة دلتا النيجر وقعت خلال عامي 2008 و2009 من أجل تسوية دعاوى رفعها ممثلون عن هؤلاء أمام إحدى المحاكم البريطانية.

 

- رغم أن هذا المبلغ يعتبر الأكبر في تاريخ التسويات المتعلقة بحوادث التسرب النفطي في نيجيريا، إلا أنه لا يزال ضئيلاً جدا بالنظر إلى حجم الدمار والخراب الذي سببته مثل هذه الحوادث على مدار عقود. على سبيل المقارنة، نجد أن شركة "بي بي" تكبدت مليارات من الدولارات بسبب حادث تسرب النفط في خليج المكسيك الأمريكي عام 2010.

 

محاكمة "شل"

 

في الثامن والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني 2017، دعت منظمة العفو الدولية إلى إجراء تحقيق جنائي مع شركة "شل" حول التواطؤ مع قوات الأمن النيجيرية في شن هجمات وحشية في التسعينيات على السكان المعترضين على تواجد الشركة الأنجلوهولندية على أراضيهم لما يسببه ذلك من أضرار مادية وصحية لهم.

 

- أكدت المنظمة في تقريرها المكون من 89 صفحة على أن لديها أدلة تشير إلى أن "شل" شجعت الجيش النيجيري أكثر من مرة على مواجهة الاحتجاجات الشعبية ضدها، رغم معرفتها بالعواقب الذي قد يتسبب فيها مثل هذا التدخل، من قتل واغتصاب وتعذيب وحرق للقرى.

 

- تظهر المستندات التي اضطرت "شل" للكشف عنها بأمر من المحكمة، أنها قامت في 29 أكتوبر/تشرين الأول 1990 بطلب مساعدة قوات الأمن لوقف الاحتجاجات ضد الشركة. وخلال اليومين التاليين، هاجمت الشرطة منطقة أوجوني بالبنادق والقنابل اليدوية، مما أسفر عن مقتل 80 شخصاً على الأقل وحرق ما يقرب من 600 منزل.

 


- إلى جانب الدمار البيئي، أدى حرمان السكان المحليين من الاستفادة من عوائد الثروات النفطية الموجودة بأراضيهم إلى نشوب أعمال عنف وصراعات محلية على مدار العقدين الماضيين، وظهور جماعات مسلحة، وهو ما تسبب في مقتل الآلاف وزعزعة استقرار المنطقة، والحيلولة دون تنميتها.

 

- النموذج الذي تقدمه "شل" في نيجيريا غاية في السوء وانعدام الضمير، ولكنه يتسم في نفس الوقت بالبساطة. فلسفة الشركة هناك كالتالي: إنتاج أكبر قدر ممكن من النفط بأسرع وأرخص طريقة ممكنة، واستغلال ضعف الرقابة الحكومية فيما يخص إجراءات الأمن والسلامة والصيانة، وحين تسوء الأمور يتم إلقاء اللوم على الجماعات المسلحة (التي لم تكن موجودة قبل 3 عقود).

 

- بالإضافة إلى دفع الرشاوى للحكومة والجيش والشرطة عند الضرورة من أجل الاستمرار في تحقيق أرباح ضخمة لأطول فترة ممكنة. وبما أن الحكومة هي المالك الأكبر للمشاريع النفطية وتعتمد على النفط في تأمين معظم إيراداتها، فسوف تقوم – كما تفعل دائماً – بغض الطرف عما يحدث، لتظل الأزمة مستمرة لأن جميع الأطراف باستثناء الشعب النيجيري مستفيدة من بقاء الوضع كما هو عليه.

 


- قبل اكتشاف النفط، كانت منطقة دلتا النيجر التي تبلغ مساحتها 30 ألف ميل مربع – بجزرها ومستنقعاتها وغاباتها المطيرة – من أكثر الموائل البيئية إنتاجاً وتنوعاً على وجه الأرض. ولكن اليوم، وبعد مرور أكثر من 60 عاماً على استخراج النفط، دمرت المنطقة بيئياً ومجتمعياً وأصبحت مثالاً صارخا على "لعنة النفط".

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.