"بعض الأفكار سخيفة جدًا حتى أنه لا يؤمن بها سوى المفكرين"، عبارة يُعتقد أن الكاتب "جورج أورويل" هو من أطلقها في الأربعينيات، لكنها أيضًا تنسب إلى الفيلسوف البريطاني "برتراند راسل"، وبغض النظر عن مصدرها تظل المقولة جديرة بالاهتمام.
هناك بعض الأفكار التي يُروج لها باعتبارها قوية وحسنة النية، لكنها في الحقيقة غير قابلة للتطبيق وخطرة أيضًا، وعلى مر العصور أطلقت أفكار سيئة مشابهة، وتم الترويج لها من قبل المثقفين وأصحاب العلاقات السياسية، بيد أنها لم تحقق نتيجة ملموسة في نهاية المطاف.
هذه الأفكار عرضت المؤسسات والأنظمة للإيذاء والتطرف والانهيار، فالمثقفون الذين لا يتحلون بالحس السليم والإدراك الواقعي يمكنهم إلحاق الضرار الجسيم بالإنسان، بحسب تقرير لـ"التلغراف".
أمثلة من الماضي والحاضر
- بالنسبة للشيوعية السوفيتية التي انطلقت منذ قرن من الزمان معتمدة على الفكر الماركسي بعد اشتعال الثورات في روسيا وغيرها من البلدان، لم تجلب هذه الأيديولوجيا سوى الاضطهاد والكلِبتوقراطية (الحكومات الناهبة) وعقود من الركود الاقتصادي، ومع ذلك ظل هذا المنهج محل إعجاب أجيال من المثقفين، بما في ذلك المفكرون في المملكة المتحدة.
- فكرة أخرى غير معقولة من الحاضر، هي الاتحاد النقدي الأوروبي، فحتى مع تحذير البعض من تقييد مجموعة كبيرة من الديمقراطيات بسعر صرف واحد، لا يهتم أحد، ويكأن وصول معدل البطالة بين الشباب في فرنسا وإسبانيا واليونان إلى 25% و30% و40% على التوالي بسبب سعر العملة المرتفع لا يشكل خطرًا.
- صرخ الاقتصاديون البريطانيون في أواخر التسعينيات مدعين بأن الاتحاد النقدي يعمل على نحو سليم، فيما تعرض أولئك الذين قاوموا عضوية المملكة المتحدة في اليورو للإساءة.
فكرة أخرى مدمرة
- إن أحدث الأفكار من هذا القبيل، هي الدخل الأساسي الشامل، وللأسف يتسم دعم هذه الفكرة بغياب الفهم العملي للكيفية التي يعمل بها البشر حقًا، رغم حقيقة المخاوف المتعلقة بالخسائر المحتملة في الوظائف نتيجة الثورة الهائلة للذكاء الاصطناعي والروبوتات.
- تسعى أعداد متزايدة من الأكاديميين والسياسيين الليبراليين وعمالقة التكنولوجيا إلى إعلان تأييد فكرة دفع دخل أساسي غير مشروط للجميع، بغض النظر عن إمكانياتهم، وسواء كانوا يبحثون عن عمل أم لا.
- ستغطي هذه المدفوعات تكاليف المعيشة الأساسية، مع استبدال جميع مدفوعات الرعاية الاجتماعية الأخرى، ما يترك الأفراد أحرارًا في تقرير ما إذا كانوا يرغبون في كسب المزيد، وهي فكرة تحظى بدعم السيناتور الديمقراطي الأمريكي "بيرني ساندرز" ورائدي الأعمال "إيلون ماسك" و"مارك زوكربيرج".
- رغم أنها تبدو جيدة في ظاهرها، لكنها تختلف عند الفحص الدقيق، فإذا تم استبدال مدفوعات الرعاية الاجتماعية التي تستهدف المحتاجين بتحويل معمم لصالح الجميع، فإن الملايين سيحصلون على أموال الدولة دون داع، في حين سيكون إجمالي دخل الفئات الدنيا أقل، كما أنها ستكبد البلدان نفقات ضخمة.
- لتغطية تكاليف المعيشة الأساسية (في المملكة المتحدة على سبيل المثال)، يجب أن يحصل كل شخص بالغ على 323 جنيهًا إسترلينيًا (433 دولارًا) في الأسبوع، وهي التكلفة المناسبة للحياة الكريمة وفقًا لمؤسسة "ليفينج ويج فوندشن" التي تسعى لضمان حصول العاملين على أجور عادلة للعيش، ويعني ذلك أن على البلاد دفع 850 مليار إسترليني سنويًا (1.14 تريليون دولار).
- حتى لو تم طرح تكلفة المعاشات الحكومية ونفقات الرعاية الاجتماعية، التي من المفترض استبدالها من خلال الدخل الأساسي الشامل، ستظل هناك فاتورة بحوالي 560 مليار جنيه إسترليني (750 مليار دولار) على الدولة سدادها، وهو ما يعادل 70% زيادة في الإنفاق العام.
مخاطر اجتماعية
- بعيدًا عن التكلفة المادية، سوف يضر الدخل الأساسي الشامل بالتماسك الاجتماعي، فالناس لا يعملون فقط من أجل الدخل، لكن للبحث عن معان أخرى مثل احترام الذات والشبكات الاجتماعية والأصدقاء.
- إن دفع كامل القوة العاملة للبقاء في المنزل إذا اختاروا ذلك، من شأنه إشعال حالة من الكسل العام المنتشر على نطاق واسع وتدهور الصحة وانتشار الحقد والجريمة وتعاطي المخدرات وغيرها من النتائج المدمرة اجتماعيًا.
- أما عن تهديد الذكاء الاصطناعي والربوتات، فمن الأفضل مواجهته وليس دفع الناس للبقاء خاملين، وربما يساعد رواد وادي السيليكون المدافعون عن منح الدخل الأساسي الشامل بدفع نصيبهم العادل من الضرائب، وستكون هناك حاجة أيضًا لدعم مفاهيم العمل الجزئي ووظائف اقتصاد العربة وتحسين إعداد خريجي المدارس والجامعات للتعامل مع التكنولوجيا الفائقة.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}