قبل ما يقرب من نصف قرن، وتحديدًا في عام 1962، أثبت أستاذ الاقتصاد "آرثر أوكون"، المستشار الاقتصادي للرئيسين الأمريكيين "جون كيندي" وليندون جونسون علاقة فريدة بين معدل البطالة ومعدل نمو الناتج المحلي الإجمالي، أصبحت تعرف باسم "قانون أوكون".
ما هو قانون "أوكون"
- في أبسط أشكاله، يوضح "قانون أوكون" العلاقة الإحصائية بين معدل البطالة في البلاد ومعدل نمو اقتصادها. وكإجراء تقريبي أولي، افترض الاقتصاديون أن انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1% يرافقه انخفاض معدل التوظيف بنسبة 1%، وارتفاع معدل البطالة بذات النسبة.
- ولكن أبحاث "أوكون" في الستينيات، أظهرت أن هذه التقديرات غير دقيقة، وفيما أصبح يعرف باسم "قانون أوكون" أشار الاقتصادي الأمريكي إلى أن ارتفاع معدل البطالة بنسبة 1% لا بد أن يلازمه انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3%، والعكس صحيح.
- الذراع البحثية التابعة لبنك الاحتياطي الفيدرالي بسانت لويس توضح "قانون أوكون" كالتالي: "هذا القانون يمكنه أن يخبرنا بالنسبة التي قد يخسرها الناتج المحلي الإجمالي لبلد ما، عندما يكون معدل البطالة فوق المعدل الطبيعي. ويمكنه أيضًا أن يكون دليلًا مفيدًا للسياسة النقدية، ولكن فقط إذا تم قياس المعدل الطبيعي للبطالة بشكل صحيح".
- وتتابع شرحها: "المنطق الكامن وراء هذا القانون بسيط جدًا، حيث إن الناتج المحلي الإجمالي يعتمد على مقدار الأيدي العاملة المستخدمة في العملية الإنتاجية، وبالتالي هناك علاقة إيجابية بين الناتج ومستوى التوظيف، وأخرى عكسية بين الناتج والبطالة."
- على مدار عقود، ثبت أن المنطق الأساسي الذي يقوم عليه قانون "أوكون" قوي، غير أن انخفاض حصة الصناعات التحويلية من مجموع العمالة، والتغيرات الأخرى التي حدثت في هياكل الكثير من الاقتصادات، وتحديدًا الأمريكي، ساهمت في أن تصبح النسبة 2% مقابل 1%، بدلًا من 3% إلى 1% كما أشار الاقتراح الأصلي لـ"أوكون".
- بالإضافة لذلك، لاحظ الاقتصاديون أن العلاقة بين تغيرات الناتج المحلي الإجمالي والبطالة ليست مثالية، وينبغي عمومًا أن يتم التعامل مع قانون "أوكون" كقاعدة عامة، وليس كمبدأ مطلق، لأن القانون في الأساس نتيجة لنمذجة بيانات خاصة بالاقتصاد الأمريكي، وليس استنتاجا مستمدا من تنبؤ نظري.
ما هي فائدته؟
- يعتبر العديد من الاقتصاديين قانون "أوكون" أداة لا تقدر بثمن يمكنها التنبؤ بتأثير التغيرات في معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي على معدل البطالة في البلاد. وعلى الرغم من أنه ليس دقيقًا بنسبة 100%، إلا أن معظم الاقتصاديين خلصوا إلى أن المعلومات التي أثبتها قانون "أوكون" مقبولة بدرجة معينة.
- لكن يبدو أن تقديرات قانون "أوكون" تكون أكثر دقة بالنسبة للتنبؤات قصيرة الأجل، مقارنة مع تلك طويلة الأجل، وذلك بسبب ظروف السوق غير المتوقعة التي ربما تؤثر على ما يسمى بمعامل "أوكون".
- وبناء على ذلك، فإن القانون مقبول بشكل عام من قبل الخبراء الاقتصاديين كأداة لتحليل العلاقة بين البطالة ومعدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي على المدى القصير، وتتراجع درجة دقته في التحليلات طويلة الأجل، فضلًا عن الحسابات العددية الدقيقة.
- بعد بضع سنوات من أزمة 2008، نشر الاحتياطي الفيدرالي بأتلانتا مقالًا لـ"باتريك هيجينز" تحت عنوان "نمو الناتج المحلي الإجمالي ومعدل البطالة وقانون أوكون" قال فيه:
- "إن هناك نقاشًا وخلافًا واسعًا حول مدى قرب وثبات العلاقة بين هذه العوامل وفق قانون أوكون. لكن على مدى العامين الماضيين، ظل القانون قادرًا على التنبؤ بشكل جيد، وكانت نتائجه قريبة من العديد من التقديرات المحتملة".
- في دراسة أجراها باحثون بصندوق النقد الدولي تحت عنوان "هل يؤمن الخبراء الاقتصاديون بقانون أوكون؟ تم اختبار القانون في 9 بلدان مختلفة، ووجد الباحثون أن العلاقة بين التنبؤات بتغيرات معدل البطالة ومعدل نمو الناتج المحلي الإجمالي سلبية، وهو ما يتسق مع قانون أوكون.
- خلصت دراسة أجراها بنك الاحتياطي الفيدرالي في كانساس سيتي إلى أن قانون أوكون يتوقع أن تباطؤ النمو متزامن عادة مع ارتفاع معدل البطالة. وحول حقيقة أن هذا لم يكن هو الوضع خلال الأزمة المالية العالمية الأخيرة، أشار الرئيس السابق للفيدرالي "بن برناكي" (2006 -2014) إلى أن الفشل الواضح للقانون خلال الأزمة "يعكس جزئيًا وجود ضجيج أو انحراف إحصائي".
العلاقة بين البطالة والنمو الاقتصادي في بريطانيا بعد أزمة 2008
- بشكل عام، لا يوجد جدال يذكر حول حقيقة أن قانون أوكون يمثل واحدا من أكثر الأساليب المباشرة والملائمة للتحقيق في العلاقة بين النمو الاقتصادي ومستوى التوظيف، وربما أهم ما يميزه هو بساطته. وعلى الرغم من كونه أداة تنبؤ أكثر من أي شيء آخر، إلا أنه يمكنه وضع إطار للنقاش حول النمو الاقتصادي وكيفية تأثر معدل التوظيف به، والعكس صحيح.
- في كتابهما الصادر في عام 2011 تحت عنوان " كل ما تحتاج إلى معرفته عن علم الاقتصاد" أشار الكاتبان "سوميت ديساي" و"جورج باكلي" إلى أن الطريقة التي يتفاعل بها كل من النمو الاقتصادي والبطالة يمكن أن تتباين كثيرًا من دولة إلى أخرى.
- خلال فترة الركود الاقتصادي التي أعقبت أزمة الائتمان 2008/2009، لم تهبط العمالة في المملكة المتحدة على أي مستوى من الحدة كما يمكن أن يصور لنا التاريخ في الماضي.
- ففي حين هبط إجمالي الناتج المحلي من القمة إلى الحضيض لمستوى لم يصل إليه أي كساد عقب الحرب، كان هبوط العمالة أقل مما كان عليه خلال فترات الكساد في بدايات التسعينيات والثمانينيات والسبعينيات.
- لماذا كان الحال هكذا؟ ربما كان الناس لديهم النية للعمل مقابل أجور أقل أو للعمل بدوام جزئي، وهذا كان يقلل حسابات الأجور بالشركات، بما يشجعها على الاحتفاظ بالعاملين لديها أثناء فترة الركود.
- أضف إلى ذلك، أن الحكومة واصلت التوظيف أو التعاقد خلال فترة التراجع الاقتصادي في محاولة للتعويض عن شيء من الهبوط المرتبط بفترة الركود في وظائف القطاع الخاص. وربما أيضًا تكون التغيرات التي طرأت على السياسة الاقتصادية (مثل أسعارالفائدة التي وصلت إلى أدنى مستوى لها) قد ساعدت الشركات على تجاوز الركود بسهولة أكبر.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}