يبدو أن الوضع السياسي غير المستقر لتركيا أدى لانعكاسات اقتصادية سلبية على أنقرة التي أصبحت تعاني ظاهرة مغادرة الأثرياء للبلاد.
فالتقارير الاقتصادية الحديثة تشير إلى أن 12 ألف مليونير تركوا تركيا خلال العامين الماضيين، بواقع 6 آلاف مليونير في كل عام.
توترات سياسية تنعكس اقتصاديًا
وتعكس تلك الظاهرة أكثر من حقيقة منها ما هو ذو طابع سياسي، فمع محاولة الانقلاب الفاشلة على رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان في 15 يوليو 2016 ازدادت التوترات السياسية في البلاد.
فعشرات الآلاف من موظفي الحكومة تمت إقالتهم وآلاف العسكريين أيضًا، كما تمت محاكمة الآلاف أيضًا بتهم تتعلق بالتعاون مع محاولة الانقلاب الفاشل.
وهرب الكثيرون من حملات ملاحقة السلطات التركية للمعارضين المتهمين بالتعاطف مع الانقلاب، ولا شك أن عددًا منهم كان من أصحاب الثروات.
وتتباين تقديرات حجم ثروات المغادرين، ففي الوقت الذي تؤكد مصادر حكومية أنها لا تتجاوز 20 مليار دولار تقدرها المعارضة بحوالي 100 مليار دولار.
وتنقل وكالة "بلومبرج" عن أحد المليونيرات المغادرين لتركيا قوله "كيف أبقى في بلد أعرف جيدًا أنني قد يتم اعتقالي ومصادرة أموالي فيه بشكل مفاجئ ودون سابق إنذار".
ويشير تقرير وكالة الأخبار إلى أن الأزمة التي تواجه تركيا أنها لا تملك بيانات واضحة عن عدد المليونيرات المهاجرين خارج أراضيها.
كما أن المغادرين لبلاد الأناضول لا يقتصرون على المليونيرات فقط ولكن على الكثير من الكفاءات العلمية والتقنية ولا سيما في قطاع التكنولوجيا.
فالعديد من الأتراك لم يعودوا يجدون من يقبل بتوظيفهم بسبب وضعهم في "قوائم الحكومة السوداء"، لذا تتجنب الشركات توظيفهم حرصًا على علاقتها الجيدة بالحكومة.
سياسات اقتصادية مرفوضة
وعلى الرغم من آلاف المليونيرات المغادرين إلا أنه في المقابل فضل الكثيرون منهم البقاء في بلادهم أملًا في "غد أفضل".
فالمليونيرة التركية الشهيرة "أيسي كولين" تقول إنها قررت البقاء و"المقاومة" وترى أن مغادرة بلادها في هذا التوقيت ليس أمرًا صحيا ولا صحيحًا.
ولا تتوافر بيانات موثقة حول عدد المليونيرات التي استقبلتهم تركيا في الفترة نفسها ولكن من المرجح أن عددهم قليل وفقًا لأغلب التقارير.
وهناك سبب اقتصادي خلافا للسبب السياسي، ويتمثل في أن أردوغان بنى شعبيته على إقرار سياسات تساعد الفقراء أكثر منها سياسات محببة من جانب أصحاب الثروات، لذا فإن الكثير منهم لا يفضلون البقاء تحت حكمه.
فعلى الرغم من تضاعف دخل المواطن التركي 3 مرات في المتوسط خلال حكمه، إلا أن أصحاب الثروات –المنتمين في غالبيتهم للمعارضة- ظلوا يشكون من سوء السياسات الاقتصادية لإدارته.
فأردوغان ضاعف الضرائب المفروضة على الشرائح الأكثر تحقيقًا للدخل، ولا شك أن هذا الأمر دفع الكثير منهم لمغادرة البلاد.
وتأتي بلدان الاتحاد الأوروبي (وتحديدًا ألمانيا) في مقدمة البلدان المستقبلة لأثرياء تركيا المهاجرين تليها دولة الإمارات العربية المتحدة.
وعلى الرغم من أن "بلدان العالم الجديد" بالتحديد أستراليا وأمريكا وكندا تأتي في مقدمة الأقطار المستقبلة للمليونيرات بشكل عام إلا أن مليوينرات تركيا لا يقصدونها.
نمو قوي رغم هجرة الأثرياء
الاتحاد الأوروبي يعد الجهة الأكثر جذبًا بالنسبة لهم بسبب القرب الجغرافي أولًا، ثم لمعرفتهم بقواعد عالم الأعمال في بلدان أوروبا بشكل كبير.
واللافت أنه على الرغم من مغادرة كل هؤلاء المليونيرات للبلاد إلا أن تركيا تدرج بوصفها من أعلى البلاد تحقيقًا للنمو في 2017.
فالبلد حقق معدلات نمو تقترب من 11% خلال 2017، إلا أن الكثيرين يقولون إن تأثيرها غير محسوس بسبب معدلات التضخم العالية خلال العامين الأخيرين.
وترجع غالبية التقارير الاقتصادية عودة ارتفاع معدلات النمو إلى "زوال حالة الضباب السياسي" التي واكبت البلاد بعد محاولة انقلاب 2016.
فبعدها لم يكن من الواضح ما إذا كان أردوغان سيبقى في السلطة أم لا، أما مع عودة الاستقرار (النسبي) إلى البلاد فإن الكثير من الاستثمارات واصلت أعمالها في البلاد.
وبغض النظر عن مدى تأثر تركيا الآني بظاهرة مغادرة أثريائها للبلاد، إلا أن استمرار ظاهرة "نزيف الثروات" من شأنه التأثير سلبا في المنظور البعيد وهذا ما سيتضح بالنفي أو الإثبات مع قادم الأيام.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}