عندما تذكر الدولة الأكثر نموًا في العالم كثيرًا ما نتخيل الصين، الهند، إحدى دول أوروبا أو حتى البرازيل.
لذا فقد يكون مثيرًا للدهشة أن تكون الدولة الأصغر في العالم (من حيث عدد السكان) "ناورو" أو الجزيرة السعيدة كما كان يطلق عليها سابقا هي الأعلى تحقيقًا للنمو بمتوسط نمو بلغ 16% خلال العقد الأخير.
وتبلغ مساحة ناورو حوالي 21 ألف كيلو متر، وعدد سكانها 11.5 ألف نسمة فقط لا غير، وتقع بالقرب من أستراليا في المحيط الهادي.
مصدران للدخل!!
ويكفي لتبيان صغر حجم الجزيرة (اقتصاديًا) أن ميزانيتها الحكومية لا تتعد الـ100 مليون دولار.
ولا تعتمد ناورو في ارتفاع معدلات دخلها على صناعة أو حتى زراعة، بل على مصدرين فحسب للدخل، وهما التعدين والتحويلات البنكية.
فالجزيرة الصغيرة كانت محتلة من قبل المستعمرين بشكل مستمر قبل حقبة الاستقلال بسبب مخزون الفوسفات الكبير للغاية فيها.
وبعد الاستقلال استمر سكان الجزيرة في التعدين والاستفادة من الفوسفات المتواجد في الجزيرة بوفرة، حيث إن 70% من قوة العمل تقوم على استخراجه.
واللافت هنا أن صغر مساحة الجزيرة وعمليات التنقيب المستمرة أدت إلى تحول حوالي 80% من الجزيرة إلى أراض غير قابلة للسكن فيها.
ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل ظهرت بعض التصدعات في القشرة الأرضية في عدد من الأماكن في الجزيرة بما يهدد سلامة سكانها.
وعلى الرغم من أن الجزيرة الصغيرة عانت بشدة في بداية الألفية الجديدة بسبب تصنيفها كملاذ لغسيل الأموال بما حد كثيرًا من قدرتها على الاستفادة بالتحويلات الخارجية إلا أنها عادت للانتعاش في هذا المجال مؤخرًا.
لا عملة وطنية!!
فحكومة الجزيرة قررت اتخاذ مجموعة من الإجراءات التي حولتها من إحدى البقاع السوداء لغسيل الأموال إلى "جنة ضريبية" للكثير من الأثرياء.
ولا توجد أرقام واضحة لحجم التحويلات القادمة إلى الجزيرة الدولة، ولكن التقديرات تشير إلى زيادتها بنسبة 50% خلال العقد الأخير فحسب.
وعلى الرغم من ذلك تتخذ إجراءات متغيرة في مجال التحويلات البنكية من عام لآخر تؤدي لتذبذب كبير في قدراتها على اجتذابها.
ولعل ذلك هو ما يبرر تحقيقها لمعدلات نمو تتجاوز 34% في بعض الأعوام وبتحقيقها لمعدلات نمو لا تتجاوز 1% في أعوام أخرى.
والغريب أن الدولة التي تحقق معدلات النمو هذه لا يوجد بها تعاملات بنكية، ويقتصر دور البنك هناك على استقبال أموال القادمين من الخارج، حيث قررت حكومتها أن تكون كافة التعاملات نقدية.
بل لا تملك ناورو عملة محلية أيضًا، فمع إعلان البنك المركزي إفلاسه عام 2004 قررت الحكومة الاعتماد على الدولار الأسترالي وألغت عملتها المحلية.
وتقوم الحكومة بتسيير طائرة تحمل نقودًا كل فترة إلى أستراليا لكي تقوم بتجديدها وتغيير التالف لاعتمادها على عملة أستراليا.
وعلى الرغم من تحقيقها لمعدلات نمو مرتفعة إلا أن ناورو الصغيرة لا تزال تعتمد على مساعدات أستراليا في كافة المجالات.
نمو وفقر!!
فالجزيرة لا تنتج أية أغذية تقريبًا حيث كانت تعتمد على الصيد قديمًا غير أن غالبية سكانها تركوا العمل بالصيد بما جعلهم بحاجة ماسة للأغذية –بكل أنواعها- من الخارج.
بل وأقرت الدولة الصغيرة قيام أستراليا بعمل مركز احتجاز على أراضيها للمهاجرين غير القانونيين الذي يأتون إلى أستراليا بهدف الحصول على الأموال.
وتحصل "ناورو" على 20 مليون دولار أسترالي سنويًا مقابل وجود مركز الاحتجاز، كما تراه الحكومة مجالًا جيدًا لتشغيل سكانها في العمل فيه، رغم الاعتراضات الحقوقية على وجوده.
واضطرت الدولة إلى فرض ضرائب للمرة الأولى في تاريخها عام 2014، حيث فرضت ضريبة موحدة بنسبة 10% على جميع المقيمين، بهدف تعظيم قدرة الحكومة على الإنفاق.
كما أقرت الدولة جمارك على "سلع الرفاهية" بما في ذلك بعض أنواع الطعام وعلى السجائر وبعض الأجهزة الكهربائية لزيادة موارد الدولة.
وتعاني الجزيرة الصغيرة من معدلات بطالة مرتفعة للغاية، وتشير التقديرات الأسترالية إلى أنها كانت تقترب من الـ90% في بداية الألفية الحالية قبل أن تنحصر إلى حوالي 50% خلال الأعوام الأخيرة.
ويبدو كل ما سبق مثيرًا للسخرية، فالدولة المتصدرة لمعدلات النمو في العالم، تعاني الفقر وتدهور حقوق الإنسان وأمراضًا وتعتمد على المساعدات بكثافة.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}