عشر سنوات قضتها الهند على أبواب أكبر مصنعي السلاح في العالم، من أجل تأمين صفقة طائرات هليكوبتر عسكرية تتجاوز قيمتها مليار دولار لتحل محل 200 طائرة من طائراتها المتقادمة.
لكن في أغسطس/آب 2014، فاجأت الحكومة الكثيرين بإعلانها التراجع عن شراء الطائرات من الخارج، والقيام بدلًا من ذلك بتصنيعها في الهند. وقبل ذلك التاريخ بعدة شهور كانت دلهي قد ألغت أيضًا صفقات محتملة لشراء طائرات نقل عسكرية وغواصات، بعد أن قررت تصنيعها محلياً.
جاءت تلك التحركات كجزء من مبادرة جديدة تبناها رئيس الوزراء الهندي "ناريندرا مودي" أطلق عليها "اصنع في الهند" رغب من خلالها أن يحذف اسم بلاده من صدارة قائمة أكبر مستوردي السلاح في العالم، وألا تصنع سلاحها فقط ولكن أيضًا أن تصبح مصدرا رئيسيا للسلاح.
الدولة والسلاح
- في القرن العشرين، بدأت الكثير من البلدان في الاستثمار بقوة في البحوث الدفاعية، بغرض ضمان جاهزية جيوشها. وفي الحقيقة نتج عن هذه المساعي بعض من أكبر اختراعات العصر الحديث، مثل الإنترنت والصواريخ.
- أسفرت هذه الجهود أيضًا عن إنشاء صناعات وطنية ضخمة، تزود الجيوش باحتياجاتها من السلاح من جهة، ومن جهة أخرى توظف الملايين من المواطنين وتولد المليارات للاقتصادات الوطنية.
- الإجراءات التي اتخذتها الهند تحاول من خلالها السير على خطى دول كانت في الماضي من بين أكبر مستوردي السلاح في العالم، مثل الصين وباكستان وتركيا، وهي الدول التي تستمر في تقليل حجم مشترياتها الدفاعية، وتمضي في تأسيس مجمعات صناعية عسكرية خاصة بها.
- إلى جانب أهميتها الإستراتيجية، تخلق الصناعات الدفاعية الوطنية شبكة عملاقة من المصانع الكبرى متكاملة النظم، يعمل من ورائها آلاف المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تقوم بتصنيع بعض الأجزاء، وهذا النشاط يدعم النمو الاقتصادي للبلاد، ويوفر عليها الكثير من النفقات، مثل عمولات صفقات السلاح التي يحصل عليها الوسطاء.
باكستان .. التفوق على الجارة
- أثناء الاستعمار البريطاني تم إنشاء 16 مصنعا للأسلحة والذخائر في شبه القارة الهندية. ولكن بعد تأسيس باكستان في عام 1947، وقعت المصانع الـ16 في الأراضي التابعة للحكومة الهندية، لأنه لم يتم بناء أي منها في المناطق ذات الأغلبية المسلمة التي شكلت باكستان.
- استقلت باكستان عن الهند، بجهاز إداري هش ودون أي بنية تحتية تقريبًا أو معدات أو منشآت من شأنها أن تساعد الدولة الوليدة على تصنيع الأسلحة والذخائر، لمواجهة التحديات الأمنية التي تهدد سيادتها وأمنها الوطني.
- بحلول أكتوبر/تشرين الأول 1947، أي بعد شهرين ونصف فقط من الاستقلال، واجهت باكستان أول تهديد أمني خارجي، حيث احتلت الهند ثلثي منطقة جامو إلى جانب ولاية كشمير.
- بعد الاستقلال، سلمت الهند إلى باكستان 6 آلاف طن فقط من الذخائر من أصل 1700 طن كانت في حوزتها، كما لم تتلق باكستان سوى 147 مليون جنيه إسترليني تمثل 17% فقط من مجموع الرصيد الذي كانت تحتفظ به الهند.
- على الفور، اضطرت باكستان إلى استخدام ما يقرب من 70% من هذا المبلغ لشراء الأسلحة لمعاجلة الضعف الذي يعاني منه الجيش الباكستاني.
- في عام 1951، أصدر أول رئيس وزراء لباكستان "لياقت علي خان" توجيهًا بإنشاء مصنع للأسلحة والذخائر. وفي وقت لاحق، تم تأسيس أربعة مصانع للأسلحة، كانت هي نواة صناعة الدفاع الباكستانية.
- مع مرور الوقت، ركزت باكستان بشكل أكبر على الاستثمار في التكنولوجيا العسكرية وطورت قدراتها التصنيعية، وأسست بنية تحتية قوية لصناعتي الدفاع والطيران، وأصبح بمقدور الشركات من القطاعين العام والخاص تلبية جزء كبير من احتياجات القوات المسلحة الباكستانية.
- اليوم، يوجد لدى باكستان أكثر من 20 منظمة حكومية وأكثر من 100 شركة خاصة تعمل في مجال الصناعات الدفاعية، وتعمل على إنتاج أنظمة وأسلحة بجودة معترف بها دوليًا وبأسعار تنافسية.
- في السنة المالية 2016-2017 بلغت الصادرات الدفاعية الباكستانية 98 مليون دولار بزيادة قدرها 55% عن العالم المالي 2006 – 2007، وذلك وفقًا لما صرح به "خواجا سهيل منصور" رئيس اللجنة الدائمة للإنتاج الدفاعي في مجلس الشيوخ الباكستاني.
- في الخامس والعشرين من يوليو/تموز 2017، قال نائب رئيس أركان الجيش الهندي، الجنرال "ساراث تشاند" إن باكستان تمتلك قاعدة صناعية عسكرية أفضل من تلك التي تمتلكها بلاده، وإنها تصدر معدات دفاعية أكثر.
- أضاف "تشاند" في تصريحاته خلال مؤتمر "أمايكون 2017" أن امتلاك الهند لقدرة صناعية عسكرية محلية أمر بالغ الأهمية، مشيرًا إلى أنه من الممكن جدا أن يتخلى الكثير من أصدقاء بلاده الحاليين عنها في حال نشوب حرب.
تركيا .. حلفاء ولكن
- تاريخيًا، اعتمدت تركيا بشكل رئيسي على الأسلحة المستوردة من شركائها الرئيسيين في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، ولا سيما الولايات المتحدة وألمانيا. وأكثر من مرة تم رفض طلباتها لشراء الأسلحة، كما حدث في ديسمبر/كانون الأول 2014، حين حظر الكونجرس الأمريكي بيع فرقاطتين للصواريخ الموجهة من طراز "أوليفر هازارد بيري" إلى تركيا.
- منذ مطلع الألفية الثالثة، قطعت تركيا شوطا طويلًا في تطوير صناعة دفاع محلية، كجزء أساسي من طموحها لزيادة كفاءة جيشها وتعزيز مصالحها الإقليمية، وهو ما نتج عنه ارتفاع نسبة مشتريات الجيش التركي من السوق المحلي من 24% في عام 2002 إلى 68% حاليًا.
- معارضة الكونجرس الأمريكي لبيع تكنولوجيا الطائرات دون طيار إلى تركيا، دفعت أنقرة في عام 2008 إلى التحرك بسرعة نحو تطوير تكنولوجيا مشابهة محليًا.
- وفقًا لوكالة الصناعات الدفاعية (SSM)، بلغ حجم دورة رأس مال قطاع الصناعات الدفاعية والفضائية التركي نحو 6 مليارات دولار في عام 2016، كما ارتفعت صادرات منتجات الصناعات الدفاعية التركية إلى 1.68 مليار دولار مقارنة مع 250 مليون دولار فقط في عام 2002.
- أضافت أكثر من 500 شركة محلية ما يقرب من 3 آلاف منتج عسكري إلى كتالوج المنتجات الدفاعية التركية حتى الآن. وبلغت قيمة المشاريع الدفاعية المتعاقد عليها في عام 2016 حوالي 122 مليار ليرة تركية.
- تعمل شركة الأسلحة الدفاعية التركية "أسلسان" – التي تصدر منتجاتها إلى أكثر من 60 دولة حول العالم – حاليًا على تطوير صواريخ مضادة للطائرات قصيرة ومتوسطة المدى، قادرة على ضرب أهداف على بعد 15 ميلا وعلى ارتفاع 30 ألف قدم فوق سطح الأرض، ومن المقرر أن تنتهي من عملية التطوير خلال العام الجاري.
- تركيز تركيا على تطوير صناعتها الدفاعية على مدى السنوات الـ15 الماضية أدى إلى زيادة الطلب الخارجي على أنظمة ومنتجات الشركات التركية التي استثمرت الكثير من الأموال في تطوير التكنولوجيا الخاصة بها، وذلك بالتعاون أحيانًا مع منتجين كبار من الولايات المتحدة وبريطانيا.
- في عام 2016، جاءت الصادرات الدفاعية التركية إلى الخارج كالآتي: الولايات المتحدة (587 مليون دولار)، ألمانيا (185 مليون دولار)، ماليزيا (99 مليون دولار)، أذربيجان (83 مليون دولار)، بريطانيا (64 مليون دولار)، السعودية (48 مليون دولار)، قطر( 52 مليون دولار)، الإمارات (62 مليون دولار)، تونس (37 مليون دولار).
أذربيجان .. على الطريق
- منذ أن حصلت أذربيجان على استقلالها في عام 1991، وضعت البلاد تطوير كفاءة قواتها المسلحة نصب أعينها. وباعتبارها دولة سوفيتية سابقة ذات صناعة عفى عليها الزمن، قامت البلاد بتطوير صناعتها الدفاعية، وبذلت الكثير من أجل اكتساب الخبرة الدولية في الصناعة العسكرية.
- في بداية العقد الأول من القرن الحالي، اعتمدت باكو سياسة عسكرية جديدة تسمح لها بتعزيز صناعتها العسكرية، واستخدمت البلاد جزءا كبيرا من عوائد صادراتها النفطية في تأسيس صناعة دفاع وطنية في عام 2005، تهدف إلى إنتاج أسلحة تحل محل القديمة التي تعود إلى الحقبة السوفيتية.
- منذ ذلك الحين، وتقوم البلاد تدريجيا ببناء قدراتها الصناعية العسكرية الخاصة. ووفقًا لبيانات وزارة الدفاع الأذربيجانية، تمكنت البلاد حتى اليوم من إنتاج 1100 نوع مختلف من الأسلحة محليًا، تشمل مركبات وبنادق وألغام وطائرات دون طيار، ومعدات عسكرية أخرى.
- في ديسمبر/كانون الأول من عام 2016، صرح وزير الصناعة الدفاعية الأذربيجاني "يافار جمالوف" بأن بلاده تعمل على إنتاج صواريخ بعيدة المدى ونظام سلاح كهرومغناطيسي قادر على تدمير المعدات العسكرية للعدو.
- وفقًا لـ"جمالوف" تصدر أذربيجان منتجاتها الدفاعية إلى أكثر من 10 دول.
- أخيرًا، اتجاه الصين والهند وباكستان وتركيا وأذربيجان وغيرها في السنوات الأخيرة ناحية تصنيع السلاح يمكن إرجاعه بشكل رئيسي إلى 3 أسباب: الأول، هو توفير المال وتحفيز النمو الاقتصادي، والثاني، هو تعزيز الاكتفاء الذاتي والحفاظ بشكل أكبر على الاستقلالية، أما الثالث والأهم، فهو تجنب تأثر القدرات العسكرية للبلاد بالحالة المزاجية لكبار منتجي السلاح في العالم.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}