"هناك صاروخ باليستي يقترب.. عليكم أن تبحثوا عن ملجأ بشكل فوري.. هذا ليس تدريبًا".. 38 دقيقة كاملة من الرعب عاشها سكان ولاية هاواي الأمريكية بهذه الرسالة التي جاءتهم على جوالاتهم من هيئة الطوارئ الأمريكية.
وعلى الرغم من أن هيئة ولاية هاواي للطوارئ أعلنت بعد ما يربو على نصف ساعة أنه لا تهديد بسقوط صواريخ على الولاية الأمريكية وأن "ضغطة زر خاطئة" من أحد الموظفين تسببت في إرسال هذه الرسالة، إلا أن الأمر خلف حالة واسعة من الذعر.
وأثار هذا الحدث أسئلة عديدة حول كفاءة أنظمة حماية الصواريخ الأمريكية وما إذا كانت الرسالة الخاطئة قد تم إرسالها عمدًا في ظل حالة التوتر مع كوريا الشمالية وتهديد رئيسها للولايات المتحدة عبر تويتر بأن لديه "زرا نوويا" على مكتبه.
"ساقونا كقطيع من البقر"
تقول "جاكلين أزبيل" إحدى السياح في هاواي لقناة سي إن إن الأمريكية إنه فور أن جاءتها الرسالة أصيبت هي وصديقها بحالة من الذعر ورددتا جُملًا مثل "هل سنموت؟ هل هي النهاية حقًا؟ هل هذا تدريب ولكنهم يريدوننا أن نأخذه على محمل الجد؟
"تم اقتيادنا كقطيع من البقر" تضيف جاكلين، مضيفة أن العاملين في الفندق الذي تقيم فيه قادوهم إلى قبو الفندق، وأنها رأت الكثير من رواده يبكون بشدة وبدت ملامح الرعب والخوف الشديد عليهم، مشددة على عدم رغبتها في الموت في هاواي رغم جمالها.
وترصد قناة سي بي إن سي ملامح أخرى لحالة الرعب التي انتابت سكان الولاية حيث اختبأ كثير منهم تحت طاولات الطعام، بينما ظل الكثيرون يتنقلون بشكل هستيري بين قنوات التلفزيون سعيًا وراء رسالة تمطئنهم أو تشرح لهم ماذا يحدث تحديدًا.
"تولسي جابلد" ممثل ولاية هاواي في مجلس النواب الأمريكي نفسه قرر الاختباء في حمام السباحة في منزله مع أسرته هربًا من الصاروخ "الزائف"، قبل أن يعلن لمواطني ولايته بعد 18 دقيقة فقط من الإنذار أنه زائف، غير أن التصريح الرسمي جاء بعد 38 دقيقة كاملة.
وأخبر أحد السائحين شبكة بي بي سي البريطانية أنه أصيب بذعر شديد وأنه اضطر لنزول 36 دورًا كاملًا في فندقه على الدرج حاملًا ابنه ذا الشهرين فقط، بينما قال آخر إنه لم يأخذ الإنذار على محمل الجد غير أنه التزم بتعليمات هيئة الطوارئ بالابتعاد عن النوافذ والنزول إلى القبو.
ونقلت الشبكة البريطانية عن أحد سكان الولاية أن الولاية بأكملها كانت في حالة رعب وأنه سمع أصوات صراخ من منازل مجاورة، وأنه وأولاده وزوجته أحضروا أغذية وأدوية طوارئ إلى القبو وخلعوا باب إحدى الغرف ووضعوه على نافذته لتأمينها.
تداعيات خطرة وتساؤلات حول الأمن
أن يصحو الناس في أقوى دولة في العالم على إنذار بتعرض بلادهم لهجوم صاروخي ليس أمرًا هينًا لذا لم تقتصر الآثار فقط على حالة الذعر التي سيطرت على الناس في الجزيرة الأمريكية، ولكنها امتدت أيضًا لتثير التساؤلات حول مدى كفاءة أنظمة الحماية الأمريكية من الصواريخ الباليستية.
ففي تصريحات لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية قال حاكم ولاية أوهايو ديفيد أيجي إن ما حدث أمر غير مقبول بأي شكل، مشددًا على تأثيره على حياة الكثير من الأمريكيين واصابة السائحين بالذعر، وأكد على ضرورة إجراء تحقيقات موسعة في كيفية حدوث مثل هذا الخطأ.
أما النائب الديمقراطي عن الولاية "براين شاتز" فقال لشبكة سي إن إن الأمريكية إنه ينبغي العمل على مراجعة نظام "أمبر ألرت" الخاص بالإنذار المبكر ضد الصواريخ.
وتقوم فكرة نظام "أمبر ألرت" على وجود مجموعة من الأقمار الصناعية وقواعد الرادرات والطائرات دون طيار وهي قادرة على التقاط أي تهديد مبكرًا بحيث يتم تحذير الأمريكيين منه.
ولفتت صحيفة واشنطن بوست إلى أن الأزمة الحقيقية التي سببت في زيادة حجم الذعر لدى سكان الجزيرة أن كافة التقديرات العسكرية تؤكد أن كوريا الشمالية قادرة على استهداف أوهايو تحديدًا، وأن الزمن المقدر لبلوغ الصواريخ الباليستية من كوريا لتضرب الجزيرة لا يتجاوز الـ20 دقيقة.
وقال رئيس الهيئة الأمريكية القومية للاتصالات إن ما حدث ليس فقط غير مقبول من ناحية صدور إنذار خاطئ ولكن أيضًا في التأخر الكبير في إلغاء الإنذار بما أطال حالة الذعر كثيرا.
ولهذا سعت الحكومة الأمريكية إلى التأكيد عبر المتحدث باسم هيئة الطوارئ "ريتشارد رابوزا" إلى أن ما حدث كان خطأ بشريًا ولم يكن نتيجة لقرصنة أو هجوم من دولة معادية.
إلا أن تلك التطمينات لم تمنع موقع "ذا هيل" الأمريكي الشهير من التساؤل "إذا كان الإنذار قد انطلق خطأ في مرة بسبب خطأ بشري، فما الذي يمنع ألا ينطلق الإنذار حين يجب عليه الصراخ؟!"
انتقادات ونظرية مؤامرة تطل برأسها
وذكرت مجلة "تايم" بحادث إسقاط الطائرة الكورية عام 1983، حيث تسبب خطأ معلوماتي مع انحراف الطائرة الكورية عن مسارها الملاحي في إسقاط سلاح الجو السوفيتي لها بما سبب أزمة عنيفة مع واشنطن وسيول.
ونبهت المجلة إلى الدور الحيوي الذي تقوم به المعلومات والتي تسببت في فقدان 269 شخصًا لحياتهم حينها، وأنه إذا كان نظام المعلومات الأمريكي غير موثوق بهذا الشكل فإنه يمكن أن تنشب حرب بلا سبب يستحق.
ورأت المجلة أن تعليق الحكومة الفيدرالية بأن الأمر خطأ بشري وأن الموظف "يشعر بالسوء" يؤشر إلى غياب الوعي بخطورة ما حدث بغض النظر عن عدم سقوط ضحايا وراء هذا الحادث.
ونبهت "تايم" إلى أنه على الرغم من أن الحكومة الفيدرالية قررت إيقاف إجراء أية اختبارات على نظام الإنذار المبكر لحين التوصل لطريقة ضمان عدم تكرار مثل هذا الخطأ إلا أن (شرخًا حقيقيًا) في ثقة الأمريكيين في نظام الإنذار المبكر وقع بالفعل.
ودعت صحيفة واشنطن بوست في افتتاحيتها إلى ضرورة مراجعة كافة أنظمة الحماية الأمريكية في كافة الولايات وليس هاواي فحسب، مشيرة إلى أن هذا الأمر يبدو مسيئًا لسمعة الولايات المتحدة.
تدقيق نيويورك تايمز
أما صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية فلم تترك الأمر يمر مرور الكرام وخصصت افتتاحيتها لتناول ما حدث، مشيرة إلى أن توقيت الحادث يبدو لافتًا للانتباه بشدة.
وقالت الصحيفة إنه في الوقت الذي يتساءل فيه الكثيرون عما إذا كان الرئيس الأمريكي الحالي مؤهلا ليتحكم في سلاح واشنطن النووي، وفي الوقت الذي يهدد "ترامب" فيه بهذا السلاح، فإنه من الغريب أن تقع تلك الحادثة غير المسبوقة.
وأضافت الصحيفة أنه بينما كشفت كل من هوفنتجتون بوست وتايمز عن أن الرئيس الأمريكي يسعى لزيادة الاستثمار في الأسلحة النووية، على النقيض يسعى لمنعها عن كوريا الشمالية وإيران فإن توقيت الحادثة يزداد غرابة وإثارة للشكوك.
ورأت افتتاحية الصحيفة الشهيرة أن ترامب ربما يبدو عازمًا على استخدام الرؤوس النووية وأن حادثا مثل هذا، على الرغم من كذب الإنذار إلا أنه قد يعطيه الذريعة الكافية لذلك، رغم أن أمريكا لديها أسلحة تقليدية تكفي لمواجهة كل خصومها.
واختتمت "وفي الوقت الذي تبدو الإدارة الأمريكية مصرة على دعم ترسانتها من الأسلحة النووية فإنها تحرّض خصوم واشنطن على هذ أيضًا، وإنه ينبغي على المسؤولين أن يذهبوا لسكان هاواي ليسألوهم، وسيجيبون: هذه مخاطرة لا نريدها أبدًا".
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}