نبض أرقام
05:26 م
توقيت مكة المكرمة

2024/11/23
2024/11/22

"كش ملك".. ما الذي قد نتعلمه من الشطرنج في رسم إستراتيجيات إدارة الأعمال؟

2017/12/30 أرقام - خاص

في عام 1972، أصبحت لعبة الشطرنج مسرحًا للمنافسة السياسية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. ففي ذروة الحرب الباردة، ذهب الأمريكي "بوب فيشر" إلى آيسلندا لملاقاة بطل العالم للشطرنج، الروسي "بوريس سباسكي".
 

كان السوفيت يبسطون سيطرتهم على اللعبة منذ عقود، ولكن بسبب سمعة "فيشر" وتصاعد التوتر بين البلدين، أصبح هذا اللقاء الذي سمي بـ"مباراة القرن" بمثابة ساحة المعركة الفكرية بين القوى العظمى.



 

بدأ "فيشر" بداية بطيئة، وخسر مباراته الأولى عندما حرك الفيل بطريقة أدت إلى أسره، ولكنه تمكن في النهاية من الفوز بسبع مباريات من أصل 19 خاضها ضد "سباسكي" ولم يخسر سوى مرة واحدة وتعادل بـ11 مبارة، وأصبح بطلاً للعالم في الشطرنج.
 

لعبة الملوك
 

- في الحقيقة، من الصعب العثور على نموذج للمنافسة أفضل من الشطرنج. فالمحامي في قاعة المحكمة والجنرال في ساحة المعركة والسياسي في حملته الانتخابية، يديرون مناوشاتهم ومعاركهم بطريقة مشابهة للمناورات في هذه اللعبة بمربعاتها الـ 64 وقطعها الـ 32.

 

- قد أصبح الشطرنج جزءًا من اللغة اليومية للعديد من المديرين التنفيذيين: فهناك من يقول "كش ملك" لمنافسيه، وهناك أشخاص ليسوا سوى بيادق في اللعبة، وهناك أيضًا من يفكر ثلاث خطوات إلى الأمام.

 

- بلا شك، لعبة الشطرنج ليست هي اللعبة الوحيدة التي تلهم رجال الأعمال، فهناك الكثير من القادة يستلهمون أفكارهم من رياضات جماعية مثل البيسبول وكرة القدم. لكن رغم ذلك، يوجد هناك شيء ما مميز حول الشطرنج، فهي لعبة ترتبط في ذهن الكثيرين بوجود اثنين من العقول في مواجهة أمام بعضهما البعض بمعركة من المهارة والإرادة، دور الحظ فيها ضئيل جدًا أو غير موجود من الأساس.



 

- حتى بالنسبة لأولئك الذين ليس لديهم احتكاك شخصي قوي باللعبة، يستطيعون إدراك حقيقة أن الشطرنج لعبة غير عادية من حيث تعقيدها الفكري، والتحركات والخطط الإستراتيجية التي يقوم بها اللاعبان.

 

- السؤال الآن: إذا كان الشطرنج، يمثل هذا الشكل القوي من أشكال المنافسة، هل هناك أي شيء يمكن أن يتعلمه الإستراتيجيون ورجال الأعمال من لاعبي الشطرنج حول ما يتطلبه الأمر للفوز؟
 

ساحة معركة وليست مباراة تنس
 

- في لقاء أجرته معه مجلة "هارفارد بيزنس ريفيو" في عام 2005، أشار بطل العالم الـثالث عشر في الشطرنج "جاري كاسباروف" الذي يعتبره بعض الخبراء أعظم لاعب في التاريخ إلى اعتقاده بأن النجاح في كل من الشطرنج والأعمال التجارية إلى حد كبير ميزة نفسية أكثر من أي شيء آخر، حيث يتطلب تعقيد اللعبة اعتماد لاعبيها بشكل كبير على غرائزهم وقدرتهم على المناورة.
 

- هناك قدر هائل من عدم اليقين وعدد غير محدود تقريبًا من التحركات التي يمكنك القيام بها في مباراة الشطرنج أو الأعمال التجارية. هل تستطيع تخيل التالي: بعد التحركات الثلاثة الأولى التي يقوم بها لاعب الشطرنج هناك أكثر من 9 ملايين حركة ممكنة.

 

- هذا هو الحال في لعبة لا يوجد فيها سوى لاعبين. الآن تخيل كم الاحتمالات التي تواجهها الشركات في سوق يوجد به آلاف المنافسين الذين يطورون إستراتيجيات مضادة لبعضهم البعض فيما يتعلق بالتسعير وتطوير المنتجات. هذه مساحة من عدم اليقين لا يمكن تخيلها تقريبًا.

 

- يعتقد "كاسبروف" أن الخطأ الأبرز الذي يقع فيه الكثير من رجال الأعمال حين يحاولون استلهام إستراتيجياتهم من الشطرنج، هو ميلهم أحيانًا إلى اعتبار الشطرنج كنوع من المشاركة الفكرية النظيفة. وللأسف ليس هذا هو الحال على الإطلاق.



 

- لا يوجد شيء ساحر أو لطيف حول الشطرنج، بل هو في الواقع رياضة عنيفة، عندما تواجه فيها خصمك، يكون همك الوحيد هو سحق كبريائه. يقول كسباروف : "إن كل من تنافست معهم من أستاذة اللعبة على مر السنين يشاركونني الاعتقاد بأن الشطرنج ما هو إلا ساحة معركة يجب أن يهزم فيها العدو. هذا ما يعنيه أن تكون لاعب شطرنج، ولا أستطيع أن أتخيل كيف يمكن أن يختلف الأمر بالنسبة لمن يرغب في أن يكون من بين أفضل المديرين التنفيذيين".

 

- اجعلها قاعدة: احذر، احذر، مرة أخرى احذر من الاستهانة بمنافسيك. يقول "كاسباروف"، في كل المباريات التي لعبتها ببطولة الأساتذة، دائمًا أفترض أن منافسي يرى ويتوقع كل تحركاتي، حتى عندما أخطط للقيام بحركة غير متوقعة من أجل إرباكه.

 

- الشطرنج يذكرنا مراراً وتكراراً، بأن الملك الضعيف يمكنه أن يصبح سلاحًا قويًا، والبيدق الذي لا يكاد يمتلك أي قوة بإمكانه أن يحاصر الوزير، بل حتى يمكنه أن يصبح وزيرًا. خلال اللعبة، قد تشعر بأن هزيمتك مؤكدة، ولكن فجأة تتاح لك فرصة القيام بحركة تقلب الطاولة ويصبح انتصارك مؤكدًا، ويكون أكثر ما تخشاه هو أن يؤول الأمر إلى التعادل.

 

- في عالم الـ64 مربعًا، القليل كثير، والبعيد قريب والسابق لاحق، وجانبا اللعبة على قدم المساوة حتى الحركة الأخيرة. لاعبو الشطرنج، لا يفكرون خارج الصندوق فقط، وإنما يفكرون كذلك أميالًا إلى الأمام.

 

- يحتاج لاعبو الشطرنج إلى تطوير قدرتهم على التمييز بين ما هو واضح وما هو غامض. ويجب عليهم أن يتوقعوا دائمًا أن الحركة الغامضة يمكن أن تكون واضحة مثل الشمس، والحركة التي تبدو واضحة قد تكون غامضة كالطين.
 

العصفور الذي بيدك مقابل العشرة الواقفين على الشجرة
 

- هناك ظاهرة في الاقتصاد السلوكي تسمى "تأثير التملك"، وتعني أننا كبشر لا نرغب عادة في التخلي عما نملكه حتى لو كان قيامنا بذلك سيؤدي إلى نتائج أفضل.

 

- في الشطرنج، كثيرًا ما يقوم أحد اللاعبين بالتضحية بقطع مهمة مثل الحصان والفيل على أمل الحصول على ميزة نسبية على المنافس. فقد تفقد حصانًا أو طابية، ولكن هذا قد يمكنك من فتح خط جديد للهجوم على قطع الخصم التي أصبحت تتمركز بشكل مختلف.

 

- مثال: خلال اجتماع جمعه مع نظيره لدى "مايكروسوفت" تم إبلاغ لاعب الشطرنج "بوب رايس" بصفته رئيس قسم تطوير الأعمال بإحدى شركات برمجيات الرسومات أن أمامه خيارين لا ثالث لهما: إما أن يسلم البرنامج المطور من قبل شركته إلى "مايكروسوفت" مجانًا دون مقابل أو أن يمضي به إلى حال سبيله.



 

- قبل "رايس" عرض "مايكروسوفت". وكاد ذلك أن يكلفه خسارة وظيفته. لأنه بالنسبة لزملائه، هو قد تخلى عن المصدر الوحيد للدخل بالنسبة للشركة دون مقابل. لكن "رايس" كان ينظر إلى الأمر بطريقة مختلفة، فقد كان يفكر في العوائد الكبيرة المحتملة من امتلاك "مايكروسوفت" لبرنامج طورته شركته، وأصبح متاحًا لعشرات الملايين من أجهزة الكمبيوتر، وآمن أنه بإمكان شركته الاستفادة من تواجد هذا البرنامج في السوق.

 

- يقول رايس: "كان يجب علينا الموافقة على هذا العرض. هذا ما يسميه لاعبو الشطرنج "التضحية التبادلية"، بمعنى أن تقوم بالتخلي عن بعض المزايا للحصول على أخرى، حتى إن لم تكن مؤكدة." لحسن الحظ، وقف رئيس مجلس إدارة الشركة المستنير إلى جانب "رايس".

 

- بالفعل، نجحت الخطة على المدى الطويل، وتم الاستحواذ على شركة "رايس" بعد أن توسعت أعمالها وارتفعت ربحيتها من قبل إحدى الشركات العامة، التي قامت بدورها بتعينه رئيسًا تنفيذيًا لها.
 

مركز الملعب.. لا يسبقك إليه الخصم
 

- من الناحية الإستراتيجية، يعتبر المركز هو أهم جزء من رقعة الشطرنج، لأنه يتيح معظم الفرص، كما أنه المركز الفعلي للعمليات، على الرغم من أنه يبدو مكشوفًا لخصمك.

 

- اللاعبون الساذجون أو عديمو الخبرة هم من يحجمون عن محاولة السيطرة على مركز رقعة الشطرنج لأنهم يخشون الهجوم أو أن يصبحوا هدفًا سهلاً لقطع الخصم. ولكن اللاعبين ذوي الخبرة، يدركون أن عليهم الانتقال إلى المركز والسيطرة عليه إذا أرادوا الفوز. وينطبق نفس المبدأ على الأعمال التجارية، فلا يوجد ربح دون مخاطر، يجب أن تدخل إلى المعركة لتفوز بها.
 

أهمية المبادرة بالهجوم
 

- في الشطرنج، يتحرك الأبيض أولاً، وهذا يعطيه ميزة القيام بتحرك ذكي، ولكنه يعطي الأسود ميزة أيَضا، وهي ميزة استغلال الخطأ الذي تصور الأبيض أنه تحرك بارع.

 

- طريقة الفوز في الشطرنج والأعمال التجارية والحياة عمومًا، هي أن تأخذ زمام المبادرة وتجعل الخصم يلعب اللعبة على طريقتك، بحيث تصبح كل تحركاته ما هي إلا استجابة لتلك الخاصة بك.

 

- اللاعب الذي يأخذ زمام المبادرة ويهاجم أولًا، يحد من خيارات الخصم ويجعل تفكيره منصبًا طوال الوقت على الدفاع بدلًا من الهجوم، وهو ما يمنح الأول ميزة نفسية إلى جانب القدرة على توجيه المبارة. تذكر دائمًا، المهاجمون يشعرون بقدر أكبر من الثقة.

 

- تشير بعض الإحصاءات إلى أن اللاعب ذا القطع البيضاء (الذي يبدأ المبارة دائمًا) يفوز في ما يقرب من 56% من المباريات. هذا ببساطة، لأنه تكتيكيًا يصبح أكثر قدرة من الخصم على ضبط وتيرة اللعبة (أو الصناعة إذا تحدثنا عن قطاع الأعمال) بدلًا أن يتخذ موقفًا دفاعيًا طوال الوقت.



 

- أخيرًا، بالنظر إلى الصورة الكبيرة، نجد أن الشطرنج مثله مثل الأعمال التجارية، الأمر كله يتعلق بالقدرة على استغلال الفرص والمزايا الصغيرة. واللاعب الذي يخطط للأمام ويستخدم موارده بكفاءة ويفكر جيدًا فيما يجب عليه فعله وما قد يحاول خصمه القيام به، هو من سيفوز. هذا بعض مما قد نتعلمه من الشطرنج.

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.