"أمازون" و"آبل" و"فيسبوك" و"جوجل" .. هذه هي الشركات الأربع الأكثر تأثيرًا على سطح الكوكب. الكثير منا يعد شاهدًا على تطور وصعود هذه الكيانات على مدار العقدين الماضيين إلى أن أصبحت على ما هي عليه اليوم، غير أن قلة قليلة جدًا من تفهم وتستوعب كيفية وصول الأربعة إلى تلك المكانة، وتداعيات سيطرتها على القمة.
هناك الكثير من الدراسات والأبحاث التي تناولت ظروف وآثار صعود الأربعة خلال العشرين عامًا الأخيرة، لكن ربما لم يستطع أحد أن يوضح مدى سيطرة وقدرة تلك الشركات كما فعل "سكوت جالواي" أستاذ التسويق بجامعة نيويورك في كتابه الصادر في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول الماضي "الأربعة: الحمض النووي الخفي لـ"أمازون" و"آبل" و"فيسبوك" و"جوجل" المتصدر قائمة "نويويورك تايمز" للكتب الأكثر مبيعًا.
فبدلًا من شراء الأساطير التي تبيعها تلك الشركات للجميع حول أسباب نجاحها، يطرح "جالواي" أسئلة أساسية تغافل عنها الكثيرون، محاولًا توضيح كيف تمكن الأربعة من التغلغل في حياتنا تمامًا بحيث أصبح من المستحيل تقريبًا تجنب التعامل معها أو مقاطعتها.
كيف يفعلونها؟
- لماذا يغفر سوق الأسهم لتلك الشركات خطايا كان من شأنها أن تدمر شركات أخرى؟ وبما أن الأربعة في سباق محموم نحو لقب "أول شركة في العالم تتجاوز قيمتها السوقية التريليون دولار" هل يمكن لأي شخص منا تحديها؟
- هل ندرك أن أحد الأسباب الأسياسية التي تقف خلف نجاح تلك الشركات هو فهمها العميق واستغلالها للرغبات البشرية؟ فكل واحدة من الأربعة تستهدف جزءا معينا، فـ"جوجل" مثلًا، تستهدف الدماغ وعطشنا للمعرفة، أما "فيسبوك" فتركز على القلب وحاجتنا لتطوير علاقات عاطفية.
- "أمازون" تستهدف الشجاعة وحس الصياد بداخلنا، فهناك دائمًا العرض الذي لا تستطيع تفويته، ومحصلة ذلك "استهلاك أكثر"، وأخيرًا "آبل" بمنتجاتها الفاخرة والأنيقة فتركز بقوة على رغبتنا الدائمة في التميز عن الآخرين.
- أثارت الثروة المركزة لدى تلك الشركات وقوتها اهتمام المراقبين الذين يعتقدون أن استمرار نمو وتوسع الأربعة يشكل تهديدًا ليس فقط للمستهلكين وللشركات الأخرى بل للمجتمع العالمي بشكل عام والأمريكي بشكل خاص.
- أضاف عمالقة التكنولوجيا الأربعة حوالي تريليوني دولار إلى قيمتهم السوقية المجمعة منذ أزمة 2008، وهو المبلغ الذي يقترب من حجم الناتج المحلي الإجمالي للهند. وخلال الفترة ما بين عامي 2013 و2017، ارتفعت القيمة السوقية للأربعة بنحو 1.3 تريليون دولار، وهو ما يعادل الناتج المحلي الإجمالي لروسيا.
نحن لم نر أبدًا هذا النوع من خلق الثروة، كيف تمكنت من ذلك؟
- 52 % من الأمريكيين مشتركون بخدمة "أمازون برايم" في حين لا يذهب سوى 51% منهم إلى الكنيسة، بينما لا يمتلك سوى 44% منهم أسلحة (النسب توضح تغلغل الشركة في حياة المواطنين، وتجاوز الاهتمام بها الحد).
- تمتلك "أمازون" شبكة لوجيستية عالمية لا تمتلك مثلها معظم دول العالم، تشمل أسطول طائرات من طراز "بوينج 767" وطائرات دون طيار والآلاف من المقطورات والشاحنات، وسفن شحن بالمحيط الهادئ.
- أما "جوجل" فتمتلك شبكة من مزارع الخوادم، وتقوم بإطلاق المناطيد في الغلاف الجوي بهدف توصيل الإنترنت عريض النطاق، في حين أعلنت "فيسبوك" مد كابل بحري فائق السرعة عبر المحيط الهادئ. باختصار، ترغب هذه الشركات في أن تصبح ركيزة المستقبل وأن يدور كل شيء في فلكها.
"أمازون".. أخطرهم
- بعد أن قضى "جالواي" معظم العقد الماضي يدرس تلك الشركات، توصل إلى استنتاج مفاده أن مخاوف أغلبنا في غير محلها، وأنه بدلًا من التركيز على الأربعة، علينا أن نكون قلقين بشأن شركة واحدة. شركة في طريقها لإحكام السيطرة على محركات البحث والأجهزة والحوسبة السحابية، ستتحكم في شبكة واسعة من الشركات، وبإمكانها تدمير قطاعات اقتصادية بالكامل بمجرد إعلانها اهتمامها بها.
- تلك الشركة هي "أمازون". من اللحظة الأولى ومؤسسها "جيف بيزوس" محدد وواضح في رؤيته حول الاستثمار في الحاجات الأسياسية للمستهلك (السعر والراحة والاختيار). هذه الرؤية إلى جانب التنفيذ الصارم لها، جعلت "أمازون" هي الشركة الأكثر إثارة للإعجاب والخوف معًا في عالم الأعمال.
- بالنسبة للثلاثة الآخرين، لا نقلل من نجاحاتها الحالية، وما تمثله من خطورة، غير أنها جميعًا تأتي خلف "أمازون" وبمسافة بعيدة.
- تحتل "جوجل" المقدمة في السوق عندما يتعلق الأمر بمحركات البحث. فكما أشارت الهيئات التنظيمية بالاتحاد الأوروبي في تقريرها الأخير حول مكافحة الاحتكار، تستحوذ "جوجل" على حصة سوقية مذهلة تبلغ 90% في أوروبا، 64% في الولايات المتحدة.
- لكن الوضع ليس كذلك حين يتم تضييق نطاق البحث، فعلى سبيل المثال، في عام 2015، استحوذت "أمازون" على 44% من عمليات البحث عن المنتجات مقابل 34% لـ"جوجل" وفقًا لشركة "بلومريتش". وبعد عام، نمت حصة "أمازون" لتصل إلى 55% مقابل 28% لـ"جوجل".
- منذ سنوات وتحافظ "آبل" على صدارة مجال ابتكار الأجهزة. لكن جائزة أكثر الأجهزة الحديثة انتشارًا تذهب إلى مكبرات الصوت الذكية "أمازون إيكو" ومساعدها الصوتي الافتراضي "أليكسا".
- حتى الآن، تحافظ "آبل" على الصدارة في سوق الأجهزة الصوتية بفارق كبير عن منافسيها، فبفضل حوالي 700 مليون مستخدم حول العالم لجهازها "آيفون" ويستحوذ مساعدها الصوتي الذكي "سيري" على أكبر حصة في السوق، لكن حصة "أمازون" في سوق الأجهزة الصوتية المنزلية تقترب من 70%.
- البعض قد يسأل، لماذا قد يشكل الصعود السريع لـ"أمازون" مشكلة؟ أليس انخفاض الأسعار وزيادة الكفاءة هو شيء جيد بالنسبة للجميع؟ في الحقيقة هذا صحيح، ولكن هذه ليست الصورة الكاملة. حيث إن نمو "أمازون" الذي يبدو بلا حدود يجبرنا على أن نتصارع مع أسئلة صعبة حول أسباب هيمنتها ولا إجابة واضحة حتى الآن.
- منذ عام 2008، دفعت "وول مارت" 64 مليار دولار كضريبة دخل إلى السلطات الأمريكية، في حين أن "أمازون" لم تدفع سوى 1.4 مليار دولار فقط. وذلك على الرغم من أن قيمتها السوقية ارتفعت خلال الأشهر الأربعة والعشرين الماضية فقط، بنحو 220 مليار دولار، أي ما يعادل القيمة السوقية كاملة لـ"وول مارت".
- كيف يمكن أن ترتفع قيمة شركة إلى ما يقرب من نصف تريليون دولار لتصبح خامس أكبر شركة في العالم من حيث القيمة السوقية دون أن تدفع أي ضريبة تذكر؟ إذا كانت شركة عملاقة مثل "أمازون" تدفع أقل من متوسط ما تدفعه الشركات المدرجة بقائمة "فورتشن 500" كضريبة دخل (24%) هل هذا يعني أن الشركات الأقل نجاحًا تدفع أكثر؟ أسئلة كثيرة حول "أمازون" تبقى دون إجابات مقعنة.
فعلت ما لم تفعله الدبابات
- التكتلات الاقتصادية الكبيرة خلال القرن العشرين مثل "جنرال موتورز" و"يونيليفر" نجحت في رفع قيمتها السوقية بما يتراوح بين 100 ألف و250 ألف دولار عن كل موظف لديها، وهذا ما أسهم في توسعة رقعة الطبقة المتوسطة، وعيش مئات الآلاف من الموظفين لديهم في جميع أنحاء العالم حياة كريمة.
- في حالة "فيسبوك" نجحت الشركة في رفع قيمتها السوقية بما يعادل 23 مليون دولار عن كل موظف لديها. لذلك، قد يكون من الرائع أن تعمل لدى "فيسبوك" وتمتلك "فيراري" وعقارات في سان فرانسيسكو، ولكن السؤال، هل هذا جيد بالنسبة للمجتمع بشكل عام، أن يستفيد عدد قليل جدًا من الأسر من أكوام المال التي كانت تتوزع في السابق بين شرائح أوسع؟
- نجاح شركة واحدة مثل "آبل" يمكنه أن يشل أسواق بأكملها، وتدمير مناطق اقتصادية. "آيفون" طرح لأول مرة في عام 2007، ومع دخوله إلى الساحة اختفت شركتا "موتورولا" و"نوكيا" ومعهما 100 ألف وظيفة.
- "نوكيا" في ذروتها كانت تشكل 30% من الناتج المحلي الإجمالي لفنلندا، وكانت تدفع ما يعادل ربع ضريبة الشركات في ذلك البلد.
- روسيا اجتاحت فنلندا في حرب الشتاء عام 1939 بآلاف الطائرات والدبابات، ولكن ذلك الغزو العسكري لم يضر باقتصاد البلاد كما فعل الغزو التجاري الذي شنته "آبل" على "نوكيا" في عام 2007.
- سقوط "نوكيا" هز أركان الاقتصاد الفنلندي بأكمله، فالشركة التي كانت تشكل قيمتها نحو 70% من قيمة سوق الأسهم المحلي تراجعت إلى 13% فقط، خلال سنوات.
- أخيرًا، في المستقبل المنظور، يبدو أن الأربع شركات سوف تستمر في الهيمنة، هذا طبعًا إذا لم يهاجم بعضهم بعضًا. فالتاريخ يخبرنا أن الملوك لا يتقاسمون السلطة والنفوذ.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}