نبض أرقام
10:06 ص
توقيت مكة المكرمة

2024/12/18
2024/12/17

القفز فوق المناخ .. كيف أصبحت دول الشمال الأوروبي نموذجًا اقتصاديًا يحتذى به؟

2017/11/04 أرقام - خاص

السياسي البريطاني "سيسل رودس" (1853 - 1902م) قال ذات مرة "إن تولد إنجليزياً، يعني فوزك بجائزة اليانصيب الأولى في الحياة". اليوم، يبدو أن نفس الشيء يمكن أن يقال على مواطني دول الشمال الأوروبي.
 

لم تنج بلدان الشمال الأوروبي (الدنمارك والنرويج والسويد) من المشاكل الاقتصادية التي تعصف بالعالم في العقد الأخير فحسب، بل تمكنت أيضاً من تجنب الكثير من العلل الاجتماعية المنتشرة في البلدان المتقدمة والنامية على حد سواء.
 

 

بالنظر إلى أي مقياس لصحة المجتمع، سواء كانت مؤشرات اقتصادية مثل الإنتاجية والابتكار أو اجتماعية مثل عدم المساواة والجريمة، نجد بلدان الشمال الأوروبي بالقرب من القمة في أغلب الأحيان.
 

لكن، كيف تمكنت هذه المنطقة ذات الكثافة السكانية المنخفضة والشتاء المتجمد من تحقيق هذا النجاح الاقتصادي والاجتماعي الكبير؟
 

إذا تم توجيه هذا السؤال إلى مواطني الشمال الأوروبي فسيشيدون بلا تردد بحكوماتهم التي وفرت للشعب خدمات الرعاية الاجتماعية من المهد إلى اللحد، وأنقذتهم من الحياة البرية التي عاشوها في القرن التاسع عشر، وساعدها موقفها المالي القوي على التدخل من أجل إنقاذ الاقتصادات الرأسمالية خلال أزماتها المالية المتتالية.
 

مشكلة المناخ .. العمل بجد أو الموت
 

- تتميز المجتمعات الإسكندنافية بمستويات معيشية مرتفعة، وانخفاض معدل الجريمة وارتفاع متوسط العمر المتوقع، ودرجة عالية من التماسك الاجتماعي، وتوزيع أفضل للدخل. وبدراسة تاريخ تلك المنطقة نجد أن هذا النجاح الكبير سببه ثقافي أكثر منه أي شيء آخر.

 

- لدى الدول الإسكندنافية مناخ لا يرحم، على خلاف دولة مثل اليونان وشواطئها المشمسة، ففي فترة من الفترات كان مواطنو هذه الدول يواجهون خطر الموت جوعاً إذا لم يعملوا بجد، وخصوصاً مع عدم وجود مصادر قوية للدخل يمكن الاعتماد عليها في ذلك الوقت، حيث إن النرويج مثلاً لم تكن قد اكتشفت النفط بعد.

 

 

- بسبب صعوبة البقاء على قيد الحياة في المناخ الإسكندنافي شديد البرودة، ركز السكان على فكرة المسؤولية الفردية. وقد أظهرت البحوث أن مجتمعات الشمال الأوروبي لديها تماسك اجتماعي قوي ومستويات عالية من الثقة في الآخر، وأخلاقيات عمل متوازنة، وهي الصفات التي أسهمت في وصول تلك البلدان إلى ما هي عليه اليوم.

 

- في دراسة أجرتها منظمة "مسح القيم العالمي" بين عامي 1981 و1984، قال 82% من السويديين إن مطالبة الفرد بمنافع أو إعانات حكومية لا يحق له الحصول عليها هو خطأ لا يمكن تبريره أبداً.
 

كيف اكتسبت الحكومة ولاء الشعب؟
 

- تعتز بلدان الشمال الأوروبي بأمانة وشفافية حكوماتها، والتي تخضع لرقابة دقيقة. ففي السويد على سبيل المثال، لدى المواطنين إمكانية الوصول إلى جميع السجلات الرسمية. ويخشى السياسيون الترجل من على ظهر دراجاتهم إلى سيارات الليموزين الرسمية.

 

- مع ذلك، من الصعب أن نرى هذا النموذج من الحكومات ينتشر بسرعة في مناطق أخرى بالعالم، وذلك لأن حكومات الشمال فريدة في تكوينها بسبب نشأتها في مزيج غير مألوف من الجغرافيا والتاريخ.
 


- جميع بلدان الشمال الأوروبي لديها عدد صغير من السكان، مما يعني أن أعضاء النخب الحاكمة يجب أن يتعاونوا مع بعضهم البعض، وفي نفس الوقت عاش ملوكهم في أماكن متواضعة نسبياً، وكان على باروناتهم أن يعقدوا صفقات مع الفلاحين المستقلين والبحارة، وليس إرغامهم.

 

- اعتمدت الليبرالية في وقت مبكر جداً. فقد كفلت السويد حرية الصحافة في عام 1766، وبداية من عام 1840 ألغت الأفضلية التي يحظى بها الأرستقراطيون في التقديم للوظائف الحكومية العليا، وأسست لخدمة مدنية ذات كفاءة وخالية من الفساد.

 

- أتاح هذا الجمع بين الجغرافيا والتاريخ لحكومات الشمال الأوروبي موارد غير مادية قوية أهمها: الثقة في الغرباء والإيمان بالحقوق الفردية، والتزام المواطنين بدفع الضرائب واللعب وفق القواعد، والقبول الواسع للقرارات الحكومية.
 

قطاعات عامة ضخمة.. ولكن
 

- كثيراً ما يعبر الاقتصاديون عن حيرتهم إزاء النجاح الاقتصادي الذي حققته بلدان الشمال الأوروبي خلال العقود الأخيرة رغم كبر حجم قطاعاتها العامة. فوفقاً للقاعدة المتعارف عليها في علم الاقتصاد، غالباً ما يرتبط ارتفاع عائدات الضرائب كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 10% بتراجع معدل النمو الاقتصادي بنصف نقطة مئوية.

 

- لكن هذه الأرقام ربما في حاجة إلى تعديل لكي تعكس فوائد الصدق والكفاءة. فالحكومة الإيطالية على سبيل المثال تفرض أعباء ضريبية ثقيلة على المجتمع لأن السياسيين الذين يديرونها يهتمون في المقام الأول بالحصول على الأموال بدلاً من تقديم الخدمات العامة.
 


- ربما أبلغ وصف للنجاح الاقتصادي الذي حققته الدول الإسكندنافية رغم ضخامة قطاعاتها العامة، هو تشبيه رئيس الوزراء السويدي السابق "جوران بيرسون" لاقتصاد بلاده بأنه أشبه بالنحلة التي يفترض أنها لا تستطيع الطيران بسبب جسمها الثقيل وأجنحتها الصغيرة لكنها تفعل في النهاية.

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.