أصبح عامل المناجم الروسي "إفجيني كوسمين" أسطورة بعد تمكنه من استخراج أكثر من 1.5 مليون طن من الفحم في يوليو/تموز من منطقة "كوزباس" السيبيرية التي تمثل 60% من إنتاج الفحم في روسيا، وتعتبر هذه أكثر كمية استخرجت في أي وقت مضى من منجم واحد في شهر.
ولكن الأمر يتطور الآن بشكل مذهل مع الاعتماد على الآلات الحديثة والمتقدمة، فأصبح منجم "كوسمين" واحداً من أكثر المناجم تقدماً من الناحية التكنولوجية في روسيا، واستُبدلت الأدوات اليدوية بآلات أخرى شبه أوتوماتيكية، من خلال أجهزة ألمانية تستخرج الفحم عبر الأنفاق.
ووفقاً لتقرير لـ "فاينانشيال تايمز"، تقوم نظم البيانات الضخمة بضخ المعلومات من عمق 200 متر تحت سطح الأرض عبر الإنترنت، في حين أن مجموعة من أجهزة الاستشعار المركبة في خوذات العمال تسمح للمهندسين على السطح بتتبع كل خطوة على طول الأنفاق الضيقة والمنحدرة.
ثورة تكنولوجية جديدة في روسيا
- بفضل الثورة الصناعية الرابعة تمكنت الشركات في جميع أنحاء العالم من تحقيق قفزات في النمو من خلال الأتمتة وكفاءة تكنولوجيا إمداد البيانات، ولكن على الجانب الآخر أسهم هذا التحول في الاستغناء عن أعداد هائلة من العمال.
- لكن في روسيا التي عانت من سنوات من نقص الاستثمار فإن حجم تطور المعدات أقل كثيراً من الغرب، فإن القفزة الكبيرة المطلوبة يمكن أن تدمر مناطق بأكملها، والتي لم يتغير الكثير منها منذ انهيار الاتحاد السوفييتي منذ أكثر من ربع قرن مضى.
- "كيميروفو" هي المنطقة الإدارية حول المنجم حيث يعمل "كوسمين" مساحتها تقارب المجر على بعد 3.6 ألف كيلو متر من "موسكو"، فإنها مثال واضح على مدى توغل السوفيتية في الاقتصاد الروسي.
- يعيش معظم سكانها البالغ عددهم 2.7 مليون نسمة في مدن مبنية بموجب مرسوم حكومي لغرض وحيد هو توفير قوة عمالية لآلاف مناجم الفحم المحلية، ويوجد في روسيا أكثر من 300 من هذه المناطق التي تسيطر فيها صناعة محددة أو صاحب عمل واحد على الاقتصاد.
تهديد التطور التكنولوجي لهذه المناطق
- تتحول "سويك" شركة التعدين التي تدير منجم "كوسمين" حالياً لاستخدام أدوات البيانات الكبرى والأتمتة في بعض عمليات التعدين مع اختبارها لاستبدال العمال بالكامل بالآلات عبر 26 منجماً في "كيميروفو" وأماكن أخرى في "سيبيريا".
- تدعم الحكومة الروسية هذا التوجه بقوة في الوقت الذي تحاول فيه الدولة الخروج من حالة الركود التي دامت لنحو عامين، فحذر المستشارون الاقتصاديون للرئيس "فلاديمير بوتين" من أن روسيا سوف تفشل في اللحاق بمتوسط النمو العالمي ما لم تغير "موسكو" طريقتها.
- يتمحور التحدي الرئيسي في كيفية مشاركتها في هذا التوجه العالمي نحو الثورة التكنولوجية، التي يمكنها أن توفر مستويات جديدة من الإنتاجية التي تفتقر إليها "موسكو".
- يرى عمدة "بيريوزوفسكي" الذي عمل في المناجم سابقاً "ديمتري تيتوف" أن الاقتصاد المحلي لهذه المناطق يعتمد على الفحم بنسبة 82% ويعتمد ثلثا المواطنين عليه للعمل، وإذا حدثت مشكلة في صناعة الفحم بزيادة الاعتماد على الآلات فهذا يعني دمار المدينة بأكملها.
- في نهاية الثمانينيات وصل عدد عمال صناعة الفحم في "كيميروفو أوبلاست" إلى 330 ألف شخص ولكن الآن يبلغون نحو 91 ألفاً فقط.
- أُغلق أحد عشر منجماً بسبب وعورة طبيعته الجيولوجية في السنوات الثلاث الماضية، مما اضطر العديد من العمال للبحث عن وظائف في مناطق أخرى.
- إلا أنه لا تزال هناك حاجة ضرورية لوجود العمال البشر في المناجم وعلى الرغم من صعوبة الوضع في منطقة "كيميروفو" إلا أنها لا تزال مستقرة اقتصادياً بفضل دعم شركات التعدين الكبرى لها، لكن الخبراء يحذرون من أن هذا على وشك التغيير بسبب دفع هذه الشركات بقوة نحو الأتمتة.
- على مدى العامين الماضيين، قامت "سويك" باختبار أول منجم مؤتمت بالكامل في روسيا في منطقة "بوليسايفو" في محاولة لاستخراج الفحم من تحت الأرض دون وجود عامل واحد في الموقع.
- على الرغم من أن المديرين التنفيذيين في الشركة قالوا إن المشروع قد أظهر أن المناجم ليست مستعدة بعد لأن تصبح أوتوماتيكية بالكامل إلا أن الذعر أصاب السكان المحليين.
الشركات تتأهب لأتمتة المناجم
- أجرت شركة "سيفرستال" مؤخراً دراسة داخلية تقارن أداءها على مدى السنوات العشرين الماضية مع نظيراتها الدولية، لتكشف عن تأخرها تكنولوجياً بشكل هائل.
- لذا تستهدف بحلول نهاية عام 2018 تنفيذ جميع عمليات مراقبة الجودة دون تدخل بشري، وهناك برنامج آخر لرصد استخدام المعدات في الوقت الحقيقي نجح في خفض معدل تعطل الآلات من حوالي مرتين إلى ثلاث مرات شهرياً إلى عطل واحد خلال الستة أشهر الماضية.
- لسنوات عدة كان هناك حافز ضئيل لشركات الموارد الروسية للاستثمار في آلات جديدة، ففي السنوات الأولى بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، كان كبار المستثمرين مشغولين بتأمين السيطرة على أصول الدولة السابقة واستخراج أرباح سريعة من آبار النفط والمناجم.
- لكن ذلك تغير حالياً فوفقاً لدراسة للاتحاد الدولي وجدت أن روسيا تحسب اليوم ثلاث روبوتات صناعية لكل عشرة آلاف عامل، مقارنة بمتوسط عالمي يبلغ 69 عاملاً وأكثر من مائة عامل في الاقتصادات المتقدمة.
- يعني ذلك أن الاقتراب من الاتجاهات العالمية له تداعيات هائلة على المجتمع الروسي، فيعتبر التعامل مع التأثير الاجتماعي لهذه الثورة الصناعية الجديدة أكثر صعوبة من نشر التكنولوجيا الحديثة في المصانع القديمة.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}