لنفترض الآتي.. أحد المديرين يوجد على مكتبه ملفان لمرشحين محتملين لشغل وظيفة معينة في شركته، يتمتعان بمستوى متماثل من المهارات، إلا أن أحدهما تربطه علاقة اجتماعية مع المدير، بينما الآخر مجرد واحد من عامة الشعب. ما هو المرشح الذي سيختاره هذا المدير لشغل الوظيفة؟ هل ستكون الإجابة هي نفسها إذا كان الشخص الذي تربطه به علاقة اجتماعية يتمتع بمستوى أقل من الكفاءة؟
إذا اختار المدير المرشح الذي تربطه به علاقة اجتماعية رغم كونه ليس الأجدر بالمنصب أو بالوظيفة، فإن هذا يعتبر محسوبية، وهي طريقة غير فعالة وعنصرية، ولكنها منتشرة على أي حال. ورغم عدم وجود قوانين تجرم هذا الفعل في أغلب البلدان إلا أن الكثير من الباحثين يشيرون إليها على أنها نوع من أنواع الفساد.
جغرافية انتشارها
- المحسوبية هي سلوك إداري شائع في كل مكان وكل منظمة تقريباً لكن تختلف درجة انتشارها من مكان لآخر، وغالباً ما يرتبط وجودها بظهور ما تسمى بدائرة النفوذ، وهي مجموعة من الأشخاص الذين تتم معاملتهم بطريقة خاصة من قبل الإدارة، بإمكانهم إثارة القلق في نفوس زملائهم بسبب روابطهم الاجتماعية مع الإدارة العليا والتي تمكنهم من التأثير على قراراتها.
- تعتبر المحسوبية في بعض البلدان فعلا شاذا غير منتشر على نطاق واسع، ولكن في بلدان أخرى يكون الأمر أشبه بالظاهرة الخطيرة، وذلك بسبب انتشارها في أغلب أروقة الاقتصاد، وربما أخطر صورها هي توظيف أشخاص يفتقرون إلى الكفاءة العملية والعلمية في مواقع حساسة ومهمة، وخاصة في مؤسسات القطاع العام.
- سبب انتشار هذه الظاهرة في القطاع العام بشكل أكبر مقارنة مع القطاع الخاص، هو أن الشركات الخاصة والمساهمة تحديداً يكون جل همها هو السطر الأخير في الميزانية (صافي الربح)، لذلك فهي تحرص في الغالب على اختيار الموظفين الذين يتمتعون بأكبر قدر من الفاعلية والكفاءة بغض النظر عن أي اعتبار آخر.
- سبب آخر يفسر انتشار هذه الظاهرة في القطاع العام، هو أن المواطن في الغالب – خاصة في البلدان النامية – يضطر للقبول بالخدمة المقدمة له بغض النظر عن جودتها. بمعنى، أنت مثلاً تريد أن تحصل على رخصة قيادة، هل هناك مكان آخر يمكنك الذهاب إليه غير هيئة المرور؟ بالطبع لا. هذا يفسر قليلاً مدى أهمية كفاءة الموظفين بالنسبة للقطاع العام.
- هناك جانب آخر للمحسوبية، وهو التمييز في المعاملة بين المستفيدين من الخدمات الحكومية على أساس درجة القرابة العائلية بين الموظف والمواطن أو المصالح المشتركة أو الانتماء القبلي أو السياسي.
- ظاهرة منتشرة لا تخطئها عين أي متابع في البلدان النامية، وهي أنه كثيراً ما يكون بإمكان أحد المواطنين الحصول على خدمة معينة أو قضاء مصلحة شخصية فوراً في حين أنه يجب على الآخرين الوقوف في الطابور أو الانتظار لأيام وأحياناً لأسابيع من أجل الحصول على نفس الخدمة.
اغتيال الإنتاجية
- أسهل طريقة لقتل إنتاجية الموظفين هي المحسوبية، فعندما تقوم الإدارة بتعينات أو ترقيات على أساس المحسوبية وليس الأداء، تخسر الشركة إمكانية الاستفادة من الأشخاص الأكثر كفاءة، ويؤدي ذلك إلى تثبيط همم الجميع، وتحول الموظفين الأكفاء إلى أشخاص يقومون بعملهم لأنهم مضطرون فقط، وذلك لأنهم لاحظوا أن العبرة ليست بالكفاءة.
- أبلغ تشبيه للمحسوبية هو أنها مثل السم القاتل للروح المعنوية للموظف ذي الكفاءة، وذلك لأنها تخلق مشاعر سلبية في نفس ذلك الموظف تجاه الإدارة وتجاه زملائه الذين تتم معاملتهم بطريقة خاصة. وبالتأكيد يؤثر هذا الوضع المزاجي والعاطفي السيئ على إنتاجية الموظفين.
- قد يكون ذلك الموظف على قدر عال من المهنية والكفاءة، ولكنه في نهاية الأمر بشر، والبشر عرضة للتأثر بأشياء مثل الخوف والغيرة والغضب والغرور، وهي المشاعر التي من الممكن أن تكون موجودة في أي بيئة عمل، ولكن وجود المحسوبية يؤدي إلى تفاقمها وخروجها عن نطاق السيطرة.
- لذلك يجب على الجالسين في مقاعد الإدارة في القطاعين الحكومي والخاص الحذر حين يحاولون بشكل غير عادل محاباة شخص على آخر. فقبل التورط في المحسوبية ينبغي عليهم الانتباه جيداً لتأثير ذلك السلوك على باقي الموظفين.
- هناك سؤال يطرح نفسه، وهو لماذا يفضل البعض وجود أقاربه أو أصدقائه في مكان عمله؟ بغض النظر عن محاولة خدمة أقاربهم، يشعر المديرون الذين يمارسون المحسوبية بأن مستوى الولاء والثقة والالتزام لدى أصدقائهم أو أقربائهم سيكون أعلى مقارنة مع أي موظف آخر لا تربطهم به صلات اجتماعية!
- هذا الاعتقاد أثبتت التجارب خطأه، بل إنه قد يتسبب أحياناً وجود قريب أو صديق في موقع غير جدير به في فقدان الإدارة للسيطرة على المرؤوس فقط لوجود صلة قرابة تجمعه به. يمكنك تخيل ما الذي سيحدث لحالة الانضباط في الشركة. تسمح المحسوبية بكسر القواعد ويمكنها أن تؤدي إلى خلق حالة من الفوضى بالنسبة للإدارة.
- لنأخذ مثالا يوضح كيف يمكن أن تؤدي المحاباة وأحياناً التدليل للأقارب والأصدقاء في الأعمال التجارية إلى الخسف بالشركة.
- "ساتيام كومبيوترز" واحدة من أكبر شركات تكنولوجيا المعلومات في الهند، قام مؤسسها "رامالينجا راجو" في منتصف عام 2000 على الرغم من المخاوف التي أثارها أعضاء مجلس إدارة الشركة بشراء شركات تعمل بمجال البنية التحتية يمتلكها أبناؤه.
- نتيجة لتلك الخطوة، انخفض سهم الشركة بنحو 55% وعانى المستثمرون من خسائر فادحة، وتأثرت سلباً معنويات الموظفين بالشركة التي استمرت في التراجع إلى أن تم الاستحواذ عليها من قبل منافستها "تيك ماهيندرا".
تجنب المحسوبية واجعل أقاربك سعداء
- لنفترض أن لديك ابن عم صاحب كفاءة وخبرة عالية، وتعتقد أنه الشخص المناسب لموقع مهم في مؤسستك كنت تبحث عن شخص كفؤ يشغله، وتؤمن أنه سوف يقوم بعمل رائع إذا قمت بتعيينه في ذلك المنصب. كيف يمكنك تجنب المحسوبية في سيناريو كهذا؟
- أولاً، اجعله يمر عبر القنوات الرسمية لعملية التوظيف في المؤسسة، واحرص على أن يفهم أنك لن تؤثر بأي شكل على عملية التوظيف، وعلى الرغم من أنه يمكنك مساعدته في التحضير للمقابلة، لا تقدم له أي ضمان بأنه سيتم توظيفه قبل المقابلة.
- تجنب الوجود كواحد من أعضاء اللجنة التي ستجري معه المقابلة، والنقطة الأهم، أخبره عن مدى أهمية احترام قواعد المؤسسة وأنك لن تقوم بحمايته إذا قام بخرقها. بهذه الطريقة يمكنك إفادة الشركة بترشيح شخص كفؤ وخدمة ابن عمك، وتجنب المشاكل المتعلقة بالمحسوبية.
- أخيراً القضاء على المحسوبية ليس صعباً إذا كان لدى الإدارة التصميم الكافي على تنظيف المؤسسة من الأنشطة غير الأخلاقية، وإذا كان لديها أيضاً ما يكفي من الشجاعة لإعفاء أي شخص وسّد إليه أمر هو ليس أهلاً له.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}