نبض أرقام
07:17 م
توقيت مكة المكرمة

2024/11/22
2024/11/21

لماذا تفشل الأمم؟ .. أصول السلطة والازدهار والفقر

2017/09/30 أرقام - خاص

إن السور الذي يقسم مدينة نوغاليس إلى نصفين هو حزء من تجربة واقعية في تنظيم المجتمعات. فعلى شمال السور حيث الجزء الأمريكي من المدينة، متوسط الدخل والعمر أعلى والجريمة والفساد أقل والصحة والطرق أفضل، والانتخابات أكثر ديمقراطية مقارنة مع الجزء المكسيكي من المدينة.
 

كيف يمكن لهذين النصفين بنفس المدينة في الأصل أن يكونا مختلفين بهذه الدرجة، رغم أن البيئة الجغرافية متطابقة على جانبي السور، كما تتشابه التركيبة العرقية للسكان. كل ما في الأمر هو أن هذا التباين مجرد انعكاس للاختلافات الموجودة بين المؤسسات السياسية في الولايات المتحدة والمكسيك.



 

هذا المثال ساقه "دارون أسيموجلو" و"جيمس روبنسون" في مقدمة كتابهما "لماذا تفشل الأمم... أصول السلطة والازدهار والفقر" والذي يحاول الإجابة عن السؤال الذي حير الخبراء لقرون، وهو لماذا بعض الدول غنية وبعضها فقير؟ وهذا هو السؤال المركزي في علم الاقتصاد.
 

وأثناء محاولتيهما تفسير تفاوت الثروات والنمو الاقتصادي بين الدول، يختلف الاقتصاديون حول الأهمية النسبية للظروف والعوامل التي تجعل البلدان أكثر ثراءً أو فقراً، فالعوامل متعددة واختلاف التأويلات وارد.

 

لماذا تفشل الأمم؟ .. أصول السلطة والازدهار والفقر

النقطة

 

الإيضاح

أين يكمن السر؟


- من وجهة نظر مؤلفي هذا الكتاب، السر لا يكمن في الثقافة أو الطقس أو الجغرافيا؟ وإنما في "المؤسسات الجيدة"، والتي يمكن تعريفها بأنها القوانين والممارسات التي تحفز المواطنين على العمل الجاد، وتساعدهم على أن يصبحوا أكثر إنتاجية، وبالتالي يفيدون أنفسهم وبلدانهم.


​- البلدان غير الأوروبية التي استعمرها الأوروبيون خلال الخمسمائة سنة الماضية كانت في البداية أكثر ثراءً وتقدماً، ولكنها تميل اليوم إلى أن تكون أكثر فقراً. ويرجع ذلك إلى أن الأوروبيين أسسوا ما تسمى بالمؤسسات الاستخراجية، التي أجبرت المواطنين الأصليين على العمل قسراً ومصادرة ممتلكاتهم، وهذا ما حدث في بلدان مثل بيرو وإندونيسيا والهند.


​- يشير الكتاب إلى مفارقة أطلق عليها "لعنة الموارد الطبيعية"، فيمكن أن نتوقع بسذاجة أن البلدان التي تتمتع بكم هائل من الموارد الطبيعية هي أغنى من تلك التي لا تمتلك الكثير منها. في أغلب الحالات، ما يحدث هو عكس ذلك، ففي البلاد التي تميل إلى الاعتماد على أنواع معينة من الموارد الطبيعية غالباً ما تنشأ مؤسسات معطوبة تساهم بقصد أو دون قصد في الفساد والتضخم وإهمال التعليم.


​- من الأمثلة على هذه الظاهرة، هي تلك التي تم ذكرها في الفصل الثاني عشر من الكتاب، حيث ساهم ازدهار الماس في سيراليون ببساطة في إفقار تلك الأمة، وهذا تماماً ما حدث في نيجيريا والكونغو الغنيتين بالنفط والمعادن على الترتيب.


​- المشترك بين هذه الدول الثلاث، هو وجود نخب أنانية، حرصت فقط على أن تصبح أكثر ثراءً من خلال الاستئثار بعوائد الموارد الطبيعية لتحقيق مكاسب شخصية، بدلاً من استثمار الأرباح لصالح شعوبهم.


​- على النقيض من ذلك، توجد بلدان غنية بالموارد الطبيعية، ولكنها نجحت في تجنب لعنتها، عن طريق استثمار عوائدها في التنمية الاقتصادية والتعليم، مثل النرويج الغنية بالنفط، التي تعتبر ثامن أغنى بلد في العالم حالياً، وترينداد وتوباجو المنتجة للنفط التي يتمتع مواطنها بدخل يقترب من دخل نظيره المقيم في بريطانيا، حاكمها الاستعماري السابق.


​- العالم أجمع بلا استثناء يعتمد على الموارد الطبيعية، ولكن بدرجات متفاوتة. فالبلدان التي تستنزف مواردها بشكل مفرط – سواء بقصد أو دون قصد – تقوم حرفياً بإفقار نفسها، والخطير هو أن صعوبة تقدير تكاليف حرق أي بلد لمواردها الطبيعية بوتيرة متسارعة، يجعل ذلك الاقتصاديين يميلون إلى تجاهل وجودها أصلاً.

لماذا لا توجد إجابة واحدة بسيطة؟


- في الحقيقة يدرك الجميع من خلال تجربته الشخصية على الأقل، أنه ليست هناك إجابة واحدة بسيطة على سؤال: ما الذي يجعل بعضنا أغنى من الآخر؟ فالأمر يعتمد على مزيج من الميراث والتعليم والطموح والموهبة والصحة والاتصالات الشخصية والفرص والحظ، وهذ فقط على سبيل المثال لا الحصر، ومن ثم لا يجب أن يندهش أحد من أن سؤال "لماذا بعض الدول أغنى من أخرى" ليست له إجابة واحدة بسيطة.


​- ضمن هذا الإطار يشير الكتاب إلى العوامل الرئيسية التي تساهم في الاختلاف بين أوضاع الدول: أولاً، المؤسسات الاقتصادية الشاملة، وهي من العوامل الحاسمة التي تحدد ما إذا كان هذا البلد فقيراً أو مزدهراً، ولكن المؤسسات الاقتصادية تخلقها المؤسسات السياسية.


​- المؤسسات الاقتصادية الشاملة، هي تلك التي تسمح وتشجع مجموعة كبيرة من الناس على المشاركة في الأنشطة الاقتصادية التي تستفيد من مواهبهم ومهاراتهم على أفضل وجه، وتمكنهم من اتخاذ القرارات التي يرغبون بها.


​- على سبيل المثال، في كوريا الجنوبية وليس في جارتها الشمالية، يمكن للمواطنين الحصول على تعليم جيد، واقتناء ممتلكات خاصة وتأسيس مشاريع تجارية وبيع منتجات أو خدمات، وتكوين ثروات شخصية، وإنفاق أموالهم في أسواق مفتوحة، وهو ما يساعد على ترسيخ فكرة في ذهن المواطن مفادها: أنه يمكنه توقع أنه من خلال العمل بجد سيتمكن من تأمين حياة جيدة لنفسه.


​- إجمالاً، يعتبر هذا الكتاب خياراً ممتازاً لأي مهتم بالاقتصاد السياسي، لأنه على خلاف معظم الكتب التي خطت بأيدي اقتصاديين أكاديميين والتي عادة ما يصعب على الجمهور العادي استيعابها، كتب "أسيموجلو" و"روبنسون" هذا الكتاب بطريقة سلسة تجعله مفهوماً وممتعاً لأي شخص لا يتمتع بخلفية اقتصادية أكاديمية.


​- "لماذا لا تفشل الأمم" ربما يجب على صناع القرار السياسي وأي شخص معني بالتنمية الاقتصادية قراءته، لأن مؤلفيه يستعرضان ما يمكن وما لا يمكن القيام به لكي تتحسن ظروف البلدان الفقيرة، بطريقة تحفز على النقاش والتفكير.
 

 

 

 
 

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.