المعجزة الاقتصادية لكوريا الجنوبية، هي واحدة من قصص النجاح الفريدة التي شهدها العالم خلال القرن الماضي، فعندما انتهت الحرب الكورية في عام 1953، كانت هذه الأمة التي دمرها الصراع أفقر من معظم دول أمريكا اللاتينية.
ولكنها اليوم تمتلك واحداً من الاقتصادات الأكثر تطوراً في العالم، وهي موطن للكثير من الشركات متعددة الجنسيات التي تنافس أفضل المؤسسات والكيانات التجارية على سطح الكوكب، وهو ما أهل البلاد لأن يكون لها تأثير كبير على الأسواق العالمية.
ولكن تصبح هذه الإنجازات أكثر وضوحاً عندما يُنظر إليها في ضوء التاريخ الاقتصادي الكوري، فمنذ خمسة عقود، كانت كوريا الجنوبية واحدة من أفقر البلدان في العالم، فلم يكن هناك مجال للانتعاش الاقتصادي.
وفي هذا التقرير يتتبع موقع "مانجمنت ساتدي جايد" قصة تحول كوريا الجنوبية من دولة تنتمي إلى العالم الثالث، إلى واحدة من القوى الاقتصاية العظمى اليوم.
من البداية.. شتات الحرب
- في عام 1945حصلت كوريا الجنوبية على استقلالها بعد سنوات من الاحتلال الياباني، وفي ذلك الوقت كان الغموض يسيطر على مستقبل البلاد.
- لم يمر وقت طويل حتى قامت كوريا الشمالية بغزو جارتها الجنوبية، متجاوزة خط العرض 38 الفاصل بينهما لتبدأ الحرب الكورية 1950-1953.
- بعد أن خلفت وراءها ملايين القتلى والجرحى والمفقودين، انتهت الحرب الكورية في 27 يوليو/تموز عام 1953 بعد اتفاق بين الصين والأمم المتحدة.
- بالإضافة إلى الخسائر البشرية، خسرت كوريا الجنوبية الكثير من مواردها الاقتصادية أثناء المعارك، لتخرج من الحرب منكسرة تماماً.
- اعتمدت البلاد في ذلك الوقت على المساعدات الخارجية، والتي شكلت نسبتها 90% من ميزانيتها العامة، وكان على رأس السلطة حكومة عسكرية جارت على حقوق المواطنين.
بداية متواضعة
- عرفت كوريا الجنوبية أنها لن تستطيع الاعتماد على المساعدات الخارجية إذا أرادت تحقيق الرخاء الاقتصادي، وأدركت أن عليها كسر تلك الأغلال والانطلاق إلى الأمام.
- حاول الكوريون جذب رؤوس الأموال من عدة بلدان، ولكن في ظل أن أساسيات اقتصاد البلاد كانت لا تزال هشة، لم يرغب أحد في الاستثمار هناك، لذلك لم يكن لديها غير أموال منحتها لها ألمانيا الغربية.
- استخدمت كوريا الجنوبية هذه الأموال للبدء في الصناعات الصغيرة، مثل الملابس والأحذية وصناعة النسيج، وطورت قدراتها التنافسية بها، حتى اكتسبت ريادة عالمية في بعض منها.
- كانت استفادة كوريا الجنوبية من هذه الصناعات مضاعفة، فبالإضافة إلى عائدها الاقتصادي، أسهمت تلك الصناعات في خفض معدل البطالة في البلاد إلى حد كبير، وذلك لأنها تحتاج إلى عمالة أكثر من أي صناعات أخرى.
- خلال نفس الفترة، استثمرت كوريا الجنوبية بكثافة في التعليم، محاولة صناعة الجيل القادم، الذي أملت أن يدفع اقتصاد البلاد نحو المزيد من الازدهار.
الانطلاقة الحقيقية
- أراد الكوريون فجأة إعادة هيكلة اقتصادهم والانتقال من الصناعات الصغيرة إلى الصناعات الضخمة المتكاملة، لذلك ظهر اقتراح بإنشاء أول مصنع كوري للصلب.
- كان من الصعب الحصول على التمويل اللازم للمشروع، وظن الجميع أنه سيكون استثماراً سيئاً، ورفض البنك الدولي إقراض الحكومة الكورية لأنه اعتقد أن فشل المشروع مسألة وقت.
- مع ذلك، تجاهل الكوريون الجميع وبدأوا في المشروع، وحقق نجاحاً منقطعاً النظير، وفي خلال سنوات أصبحت كوريا الجنوبية رابع أكبر منتج للصلب في العالم.
- أذهل ذلك الإنجاز الجميع، لأن كوريا الجنوبية دخلت في الحقيقة إلى مشهد صناعة الصلب العالمية متأخرة ستة عقود، وتمكنت خلال فترة قصير تجاوز العديد من المنافسين.
- بمجرد أن اكتسبت كوريا مكانة بارزة في مجال الصلب، بدأت تتجه إلى صناعات أخرى، حيث بدأت الشركات الكورية في بناء السفن وتصنيع السيارات والإلكترونيات.
درس في التنمية
- في أوائل سبعينيات القرن الماضي، كان الريف في كوريا الجنوبية فقيرا، إلى أن جاءت مبادرة قادتها الحكومة اسمها "حركة المجتمع الجديد"، وهي عبارة منظومة من السياسات التنموية.
- حاولت الحكومة من خلال هذه المبادرة سد الفجوة الموجودة بين سكان الحضر وسكان الريف، ففي الوقت الذي ارتفعت فيه الأجور ومستويات المعيشة في المراكز الحضرية، كان الريف الكوري يعاني من المجاعات.
- كان نحو 80% من كل بيوت القرى الكورية مبنية من القش وكانت الكهرباء تصل إلى بيتين فقط من بين كل عشرة بيوت، كما كانت كل الطرق داخل المناطق الريفية ضيقة ومتعرجة وغير ممهدة.
- في إطار هذه المبادرة وفرت الحكومة كمية ثابتة من المواد الخام إلى جميع القرى، تشمل الطوب والإسمنت والصلب وغيرها من الضروريات الأخرى.
- في المقابل يتعين على القرويين استخدام هذه المواد والعمل بأنفسهم على إنشاء مشاريع البنية التحتية حيث يعيشون، مع وعد بتوفير المزيد للقرى التي تستخدم حصتها من المواد الخام على أفضل وجه.
- حققت هذه التجربة نجاحاً كبيراً وأدت إلى تحسين البنية التحتية في ريف كوريا الجنوبية، وصارت درسا ونموذجا تاريخيا لكيفية تنمية وتطوير المجتمعات الريفية، ومثالاً يحتذى للتعاون بين سكان الريف والحضر.
- اقترح الرئيس الأمريكي السابق "باراك أوباما" على الأمم المتحدة اتباع نفس النهج في الدول الأفريقية لمساعدتها على التغلب على الفقر، تماماً مثلما فعل الكوريون.
الأزمة الآسيوية
- في عام 1997 عصفت أزمة بالأسواق المالية الآسيوية، حيث بدأت في أول الأمر في تايلاند في أعقاب انهيار عملة البات التايلاندي، ثم امتدت إلى كوريا الجنوبية وماليزيا وبلدان أخرى.
- ألحقت الأزمة أضراراً جسيمة بالاقتصاد الكوري الجنوبي، حيث ارتفعت نسبة الديون الأجنبية إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 40%، ونتيجة لذلك اضطرت سول إلى اقتراض مبالغ ضخمة من صندوق النقد الدولي.
- لكن حتى في ظل الأزمة لم يغب عن الكوريين تفانيهم وصلابتهم، حيث قاموا بدفع كل قرش من تلك القروض في عام 2004، أي قبل ثلاث سنوات من الموعد المحدد.
- أخيراً، أظهرت كوريا الجنوبية قدرة ورغبة قوية في النمو خلال فترة تزيد قليلاً على ستة عقود، ونجحت في تجاوز دول أخرى ربما رفضت إقراضها يوماً ما لأنها كانت أفقر من أن يكون لديها جدارة ائتمانية، لتصبح اليوم قوة اقتصادية عظمى.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}