دعا اقتصاديون إلى تحرُّك جدي وسريع لمعالجة تعثُّر إنجاز منظومة مشاريع المدن الاقتصادية في السعودية من خلال تبني فكرة إنشاء كيانات حكومية قوية تُدار بأسلوب تجاري متخصصة لإدارة تلك المشاريع بكافة مراحلها مع إمكانية طرح جزء من أسهمها للاكتتاب العام، على أن تشرف شركة أرامكو السعودية على عملية تأسيسها للتأكد من تبنيها أعلى المعايير العالمية.. لافتين إلى أن مثل هذا التوجه يسهم في تعميق السوق المحلية ويدعم ويثري القطاع الخاص الذي يفترض أن يقود عربة التنمية في هذه المرحلة النوعية التي يمر بها الاقتصاد السعودي، إلى جانب أنها ستكون مجالاً لاستيعاب الاستثمارات الخاصة وخلق فرص وظيفية حقيقية للشباب السعودي.
وتأتي هذه الدعوة، عقب صدور الأمر السامي الكريم، لوزارة البترول والثروة المعدنية بتعميد شركة أرامكو السعودية لتنفيذ أعمال البُنية التحتية التي تحتاجها مدينة جازان الاقتصادية في المرحلة الأولى، والذي جاء بعد النظر في توصية اللجنة الدائمة للمجلس الاقتصادي الأعلى المبنية على التقرير المرفوع لمقام خادم الحرمين الشريفين، من هيئة المدن الاقتصادية المتضمن تشخيصاً لواقع المدن الاقتصادية الأربع الحالي ومقترحات وفق معطيات وطبيعة كل مدينة من هذه المدن، في خطوة تستهدف تصحيح مسار المدن الاقتصادية في المستقبل المنظور.
أمام ذلك، أكد الدكتور عبد العزيز داغستاني رئيس دار الدراسات الاقتصادية أن منظومة مشاريع المدن الاقتصادية واجهت عدة عقبات أدت إلى تعثرها والتي يأتي في مقدمتها غياب الرؤية الإستراتيجية منذ البداية في تطبيقها وتطويرها لتحقق الأهداف المرجوة منها في الوقت المناسب، ولعل هذا هو الذي استدعى تدخلاً مباشراً من الحكومة لانتشال هذه المنظومة من التعثر، خصوصاً أن الكثير راهن عليها باعتبارها مجالاً لتوسيع رقعة الاستثمار وجذب الاستثمارات الأجنبية، وما يعنيه ذلك في المقام الأول من استقطاب للتقنية الحديثة وتوطينها.
وأشار داغستاني، إلى أنه من ضمن الحلول لتصحيح مسار المدن الاقتصادية اللجوء إلى شركة أرامكو السعودية لما تملكه من إمكانات وتنظيم وخبرة واسعة تحققت لها عبر السنوات وبفضل الإدارة الجيدة وابتعادها عن البيروقراطية الحكومية، وهذا ما حصل في مشروعات ضخمة مماثلة مثل جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية ومشروع المدن الرياضية الجديدة في محافظة جدة، عادّاً إسناد المهمة الأولية لتنفيذ أعمال البُنية التحتية التي تحتاجها مدينة جازان الاقتصادية لـ «أرامكو» الحل المتاح الأمثل في الوقت الراهن في ظل غياب الخيار الأفضل وهو إسناد هذه المشروعات إلى شركة أو شركات متخصصة.. وتابع: طالما أن هذا الخيار لم يتوفر فإن اللجوء إلى «أرامكو» يبدو مقبولاً لأن البديل في المقابل للأسف هو الاستمرار في تعثُّر إنجاز منظومة المدن الاقتصادية.
ودعا داغستاني في ظل الوضع الحالي إلى أنه من المناسب الآن التفكير بشكل جدي في إنشاء شركة مساهمة عامة أو ربما أكثر من شركة لتنفيذ باقي مشاريع المدن الاقتصادية، لافتاً إلى أن مثل هذا التوجه يسهم بلا شك في خلق كيانات قوية تدعم القطاع الخاص، وتكون مجالاً لاستيعاب الاستثمارات الخاصة وخلق فرص وظيفية حقيقية للشباب السعودي، إلى جانب كونها ستكون شركات مساهمة ستسهم أيضاً في تعميق السوق المحلية وإثراء القطاع الخاص الذي يفترض أن يقود عربة التنمية في هذه المرحلة النوعية التي يمر بها الاقتصاد السعودي.
من جانبه، قال رئيس اللجنة الصناعية بغرفة الرياض سعد المعجل إن إسناد المرحلة الأولى لمشاريع المدينة الاقتصادية في جازان إلى «أرامكو» خطوة من شأنها أن تعزز من وجود بيئة استثمارية صالحة للعمل الاقتصادي في المرحلة المقبلة، وهو الجزء الذي كانت تفتقده هذه المدينة رغم أهمية موقعها الجغرافي ووجود ميناء جازان الذي يجب الاهتمام به ليصبح رافداً قوياً لخدمة المنطقة بأكملها، كما أنه يؤكد أن هذه المدينة ستشهد تحولاً اقتصادياً داخلها سينعكس إيجابياً على اقتصاد المملكة الذي تسعى من خلاله حكومة خادم الحرمين الملك عبد الله بن عبد العزيز لتعزيز النشاط الاقتصادي وعمل المشاريع الضخمة لاستفادة البلاد منها.
وأشار المعجل إلى أنه من الطبيعي أن تستلم «أرامكو» إدارة هذا المشروع لأن تركيز التجار في العمل لا يكون في غير المناطق الرئيسة مثل المنطقة الوسطى والمنطقة الغربية والمنطقة الشرقية، وقال «إن الشركة تملك خبرة كبيرة في إدارة مثل هذه المشاريع وإن أنظمتها المالية والإدارية تساعدها في هذا الشأن»، لافتاً إلى أن مدينة وعد الشمال بحاجة كبيرة لدخول «أرامكو» كمدير إدارة مشروع، وذلك بسبب وجود التعدين وتوفر الغاز.
من جهته، اعتبر الاقتصادي المهندس خالد العلكمي أن القرار خطوة إيجابية ويصب في مصلحة المشروع باعتبار أن «أرامكو» هي الشركة الوحيدة في هذه الفترة الحالية التي تستطيع إدارة مثل هذه المشاريع الكبيرة، متمنياً أن تُوجد الدولة حلولاً جذرية لمشكلة تعثُّر وفساد بعض المشاريع رغم تشجيعنا لكل خطوة تُسرِّع في إنجاز المشاريع الخدمية، وبالتالي تدفع بعجلة التنمية للأمام.
وقال العلكمي: إنه بلا شك أن الوزارات الخدمية ليست هي المكان المناسب لإدارة المشاريع التنموية الضخمة فهي يجب أن تركز جهودها في خدمة المواطن، في المقابل فإن «أرامكو» قد لا تمتلك الإمكانيات والقدرة الاستيعابية اللازمة على إدارة كل تلك المشاريع، مقترحاً في هذا الصدد فكرة أن تكون هناك شركة مساهمة متخصصة لإدارة المشاريع، على أن تشرف «أرامكو» على إنشائها للتأكد من تبنيها أعلى المعايير العالمية بحيث تسند لها جميع المشاريع بكافة مراحلها، وكذلك إنشاء شركة مساهمة لمراقبة الجودة بعد تسليم المشاريع وأثناء تشغيلها، وبناء قاعدة معلومات للمقاولين توضح أدائهم ومطابقة عملهم لأعلى المعايير، وأيضاً للتأكد من أن مشاريع الصيانة تسير على أتم وجه.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}