نبض أرقام
07:39 ص
توقيت مكة المكرمة

2024/11/23
2024/11/22

نائب رئيس «أرامكو» سابقاً: 95% من حقول النفط التقليدي.. في مرحلة «ما بعد الذروة»

2014/08/24 جريدة الرياض

انطلق في ستينيات القرن الماضي "مهندس تحت التدريب" في كنف أعرق وأكبر شركات الطاقة بالعالم "أرامكو السعودية"، حملته همته العالية ورؤيته الثاقبة لصعود سلّم المراتب الوظيفية، فكان مديراً للإنتاج في نفس الشركة ثم مديراً عاماً للإنتاج، وأخيراً تم انتخابه في العام 1994 ليشغل منصب نائب الرئيس.

عثمان الخويطر.. نائب رئيس شركة أرامكو السعودية سابقاً، وكاتبٌ متخصص في شؤون الطاقة في حوارٍ خاص ل"الرياض":

* عندما نتحدث عن النفط التقليدي، ما نسبة إسهامه حالياً في سد حاجة الطلب العالمي على الطاقة؟ وما مستقبله برأيك في هذا المجال؟

- إن النفط التقليدي يغطي حاليًّا ما يقارب سبعين إلى خمس وسبعين في المئة من الاستهلاك العالمي، وذلك من مجموع السوائل النفطية التي يبلغ الطلب عليها ما يزيد قليلاً عن تسعين مليون برميل يوميًّا، والباقي يتكون من السوائل الغازية والنفوط غير التقليدية، ومن الطبيعي أن هذه النسبة سوف تتراجع مع مرور الوقت، بسبب النضوب التدريجي الذي تمر به الحقول المنتِجة، فما نسبته أكثر من خمس وتسعين في المئة من حقول النفط التقليدي هي الآن في مراحل ما بعد الذروة، ولعله من نافلة القول أن نذكر أن تكلفة الإنتاج خلال هذه المرحلة تتضاعف عدة مرات وهو أمر طبيعي، ومما يجدر ذكره أن النفوط غير التقليدية من الصخري والرملي والثقيل لن تستطيع تعويض كامل ما نفقده من النفط التقليدي نظرًا لقلة عطائها، والنتيجة الحتمية هي حدوث نقص حاد في مصادر الطاقة خلال العقود القليلة القادمة، وهذا ما يستدعي اتخاذ إجراءات سريعة من الآن نحو التوجه إلى مصادر الطاقة المتجددة، وخصوصًا الطاقة الشمسية وهذا هو ما نتوقع حصوله خلال زمن قصير، ربما نرمز إليه بثورة الطاقة الشمسية.

أسرفنا في إنتاج ثروتنا.. ونعلم أنها «ناضبة» وهؤلاء عبء ثقيل على اقتصادنا

إنتاج النفط التقليدي

* ذكرتم في إحدى مقالاتكم أن إنتاج النفط التقليدي - بحسب المتخصصين - قد بلغ ذروته منتصف العقد الماضي، كيف تقرأون المراحل القادمة على ضوء ما سبق؟

- لا شك في أن بلوغ إنتاج النفط التقليدي الذروة قبل ما يقارب الثمانية أعوام كما أقرت بذلك وكالة الطاقة الدولية، قد غيَّر الكثير من المفاهيم التي كانت تستبعد حصول مثل هذا الحدث في هذا الوقت، وأول ردة فعل لذلك ارتفاع مستوى الأسعار الذي تضاعف ثلاث مرات خلال العشر سنوات الماضية، وهذا أيضا استدعى اللجوء إلى المصادر غير التقليدية، مثل النفط الصخري في أمريكا والرملي في كندا رغم ارتفاع التكلفة، وفي الواقع لو لم يصل سعر البرميل إلى ما فوق المئة دولار لما أمكن إنتاج النفط غير التقليدي بتكلفة تزيد عن ثمانين دولارًا للبرميل، وفي اعتقادنا أن الأسعار سوف تقفز إلى مستويات قياسية بعد عقد أو عقدين من الزمان؛ نتيجةً لشح الموارد المتوقع بسبب استمرار نضوب النفط التقليدي الرخيص وسوف يستدعي ذلك أمرين: الأول يصبح بالإمكان اقتصادياً إنتاج المزيد من النفط الصخري من دول خارج أمريكا عندما يصل سعر البرميل حدود مائة وخمسين دولارًا، الأمر الثاني أن بلوغ الأسعار فوق مائة وخمسين دولارًا سيسمح لمحاولة إنتاج النفط من المصادر الأكثر كلفة مثل الصخر النفطي، وهو غير النفط الصخري والرملي والثقيل، وهذا كله يتطلب سعرًا يفوق مئة وخمسين دولارًا للبرميل الواحد.

الاستثمار في مصادر الطاقة الأخرى

* على المستوى المحلي.. هل ترى وجود توجه حقيقي في المملكة للاستثمار في مصادر الطاقة الأخرى؟ وكم هو – برأيك – حجم هذه الاستثمارات؟

- نعم، التوجه موجود والحديث عن الحاجة إلى ضرورة سرعة الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة وعلى وجه الخصوص الطاقة الشمسية يتكرر على لسان المسؤولين، ولكن الذي ينقصنا هو الإرادة وتفعيل القرارات ومن أهم العوائق في هذا المجال، غياب أو شبه غياب للتعاون المطلوب بين الأجهزة المختلفة في الدولة، ولو تتبعنا التصريحات التي سمعناها أو قرأنا عن مضمونها من بعض المسئولين، لاستنتجنا منها أننا سوف نصبح مصدرين لفائض توليد الطاقة الشمسية، وهذا طموح يتعدى بكثير إمكاناتنا وما هو في استطاعتنا خلال العقود القليلة القادمة، فنحن لم ننجز حتى الآن ولا خطوة واحدة في مسافة الألف ميل، على الرغم من أننا نملك المال ونعلم علم اليقين أننا بحاجة لتوفير كميات كبيرة من المشتقات النفطية التي تذهب هدرًا لتوليد الطاقة الكهربائية، ولذلك فنحن نسير بسرعة السلحفاة نحو إنشاء مرافق توليد الطاقة الشمسية، ولا عذر لنا اليوم لأن تكلفة الطاقة الشمسية تنافس المواد النفطية عند الأسعار العالمية فضلا عن تكلفتها التي تنخفض سنويًّا بنسبة كبيرة، بعكس جميع مصادر الطاقة الأخرى التي تتجه دائمًا إلى الارتفاع، أما ما يتعلق بالاستثمارات المطلوبة فلا يجب أن يكون لها سقف أعلى، وقد سمعنا عن مئة مليار دولار كاستثمار مبدئي، وفي رأينا أن لا نهتم كثيرًا في هذه المرحلة بمجمل ما سوف نصرفه أو نستثمره في إقامة صناعة متكاملة للطاقة الشمسية.

الخطط الخمسية والاعتماد على النفط

* ( خطط المملكة الخمسية ) طوال السنوات الماضية لم تحقق المأمول منها في تقليل الاعتماد على النفط كمصدر دخل رئيس، ما الأسباب؟ وما الواجب عمله؟

- لا خلاف على أن محاولاتنا خلال أكثر من أربعين عامًا لتنويع الدخل من خلال الخطط الخمسية الثماني قد باءت بفشل ذريع، رغم حسن النية والاتفاق على ضرورة التنويع وأسباب الفشل كثيرة، وربما تختلف باختلاف زوايا الرؤية، ولكن الجميع يتحملون المسؤولية، خصوصًا منْ كانوا شركاء في مسؤولية اتخاذ القرارات المطلوبة لبلوغ الهدف، وتعود أسباب عدم نجاح الخطط الخمسية السابقة كما هو مأمولٌ منها إلى اختيارنا أن نعتمد في جميع شؤون حياتنا على المداخيل النفطية الكبيرة وأسرفنا في إنتاج ثروتنا ونحن نعلم أنها ناضبة غداً أو بعد غد، وتبدل حالنا من العمل والكد والإنتاج إلى حياة الرفاه والاستمتاع بكل ما نستطيع الحصول عليه بأموالنا وجاهنا، واستقدمنا الملايين من الأيدي العاملة الأجنبية من أجل راحتنا وخدمتنا، وفتحنا المجال لهم للاستحواذ على جزء كبير من تجارة التجزئة وأعمال الورش المهنية لحسابهم الخاص مقابل مبالغ زهيدة يدفعها الوافد لكفيله وهي مخالفة صريحة للنظام، يرافقها غياب تام للرقابة ومعاقبة المتحايلين، وأصبح هؤلاء عبئا ثقيلاً على اقتصادنا، فهم يستهلكون الكثير من المواد المخفضة ويستفيدون من الإعفاءات التي تتحمل تكاليفها خزينة الدولة، بالإضافة إلى إنهاكهم البنى التحتية، بينما شبابنا عاطل عن العمل بسبب وجود هذا الكم الهائل من العمالة الرخيصة التي تضر ولا تنفع الاقتصاد، وقبل أن نسترسل في موضوع تنويع الدخل، يجدر بنا تعريف هذا المصطلح، فنحن اليوم لدينا دخل النفط ولا شيء غير النفط، وإذا استمرت الحال على وضعها الحالي فسنجد أنفسنا في يوم ما بدون دخل، في الوقت الذي يكون فيه عددنا قد تضاعف عدة مرات، لذا يتوجب علينا البحث عن طرق بديلة تدرّ دخلا موازيًا للدخل النفطي ويحل محله عند نضوبه، وهو أمر ليس بالسهل ولا الميسور؛ كونه يتطلب قدرة على الإبداع وبذل جهدٍ جبار من أجل صناعة وإنتاج بضائع وسلعًا قابلة للتصدير ومنافسة من حيث التكلفة للمصادر الخارجية، ومن الأفضل أن تكون أكثرية الأيدي العاملة وطنية لمضاعفة القيمة المضافة، وربما أنها مفاجأة للكثيرين لو قلنا أن من أسباب عدم نجاح خططنا الخمسية هو دخلنا الكبير من النفط، الذي يفيض عن حاجتنا، أي أننا نسرف في الإنتاج من مخزون قابل للنفاد دون أن نحسب لمستقبل أجيالنا، وهو الأمر الذي رفع من مستوى الرفاه الذي يعيشه معظم أفراد المجتمع، بحيث إننا افتقدنا لحوافز العمل الشاق والإنتاج المثمر، ويتضح ذلك عبر التوجه العام لنسبة كبيرة من الشباب إلى الدراسات النظرية والحرص على البحث عن الوظائف المريحة تاركين الأعمال الخشنة للعمالة الوافدة، كما أن تنويع الدخل يتطلب استثمارات كبيرة لإنشاء صناعات متعددة ذات مردود اقتصادي متين ومثل هذه المشاريع تحتاج إلى سنوات وربما عقود حتى تؤتي ثمارها ورجال الأعمال في المملكة يفضلون الاستثمار قصير الأجل والأرباح السريعة، وعلى الرغم من وجود الفوائض المالية الهائلة، إلا أن هنالك عزوفاً عن الاستثمارات المحلية في صناعات طويلة الأجل، وفي جميع الأحوال فإننا نفتقد الأيدي الوطنية العاملة المدربة والكفاءات الإدارية وبإمكاننا أن نبدأ من اليوم في إعداد الكفاءات وإنشاء المرافق الصناعية النموذجية.

ولكن ذلك أيضا يتطلب إرادة وتخطيط ورؤية بعيدة من قِبَل مؤسسات جديدة، على هيئة شركات وطنية، تحت إدارة القطاع الخاص وإشراف من الحكومة، ولا بد أن يسبق ذلك تخفيض لإنتاجنا النفطي بصرف النظر عن متطلبات السوق العالمية، وأن نتحكم بالدخل النفطي بحيث يكون أقل قليلاً من حاجة اقتصادنا، كي يكون هناك دافع إلى العمل لتكملة الدخل.

وواضح مما تقدم أننا بحاجة إلى تطوير اليد العاملة الوطنية وتحويلها من متفرج على عمل وإنجازات العامل الأجنبي إلى يد فاعلة ومنتِجة، تشارك في بناء اقتصاد وطني مربح، ومن أجل ذلك يتحتم إحلال العمالة الوطنية مكان العامل الأجنبي بالتدريج وفق استراتيجيات معينة تأخذ في عين الاعتبار مستوى المعيشة عند تحديد الرواتب والمكافآت، وهذا ما لا نشاهده اليوم مما قلل من فاعلية المواطن، ونقترح بأن يكون من ضمن شروط الموافقة على إقامة المشاريع الجديدة للقطاع الخاص إدراج رواتب مجزية للمواطنين كجزء من تحديد الجدوى الاقتصادية للمشروع وهذا ينفي العذر بأن توظيف المواطن مكلف، ومن البديهي أن المواطن بحاجة إلى تطوير وتدريب قبل وبعد استلامه العمل، ومن الممكن أن يكون هذا المجهود مشترك بين الدولة والقطاع الخاص.

صمام الأمان

* غالباً ما تكون المملكة هي " صمام الأمان " للأسواق النفطية والمتعهد الأول لتغطية نقص الإمدادات في الأزمات، ما أثر ذلك على ثروة المملكة النفطية؟

- لا أعتقد بأن المملكة كانت تتمنى أن تظل صمام الأمان إلى نهاية الدهر فذلك حتمًا لا يخدم مصالحنا الاستراتيجية، ونحن نتحدث عن مصير ثروة ناضبة، وهناك توجه واضح الآن لمحاولة التخلي عن تحمل هذه المسئولية المكلفة، فقد أصبح واضحًا أننا لا ننوي رفع سقف إنتاجنا إلى ما فوق اثني عشر مليوناً ونصف المليون برميل كما كان متوقعًا، وقد سمعنا تصريحات توحي بأنه حتى الحفاظ على هذا المستوى سيكون مكلفًا للغاية مما قد يعني أننا ربما لن نتجشم صعوبة إبقاء مستوى الإنتاج عند اثني عشر مليون برميل في اليوم، ومهما كان الأمر فإن تكاليف الإنتاج تتضاعف مع مرور الوقت ويقللّ من عطاء الحقول القديمة، وهذه سنة الله في أرضه، وسيأتي اليوم الذي ينخفض فيه الإنتاج إلى أقل من نصف المستوى الحالي، وعلى العالم أن يجد الحلول المناسبة فلسنا مسؤولين عن النقص المتوقع في مصادر الطاقة.

التوقعات للانتاج النفطي التقليدي

* ما توقعاتكم لواقع الإنتاج النفطي (التقليدي) على المديين المتوسط والبعيد؟

- كما ذكرنا سابقا النفط التقليدي ينضب مع مرور الوقت، بل هو الأسرع نضوبًا بين جميع المصادر الأخرى؛ لأنه يُنتج بكميات كبيرة ويمثل نسبة عالية من الإنتاج العالمي البالغ اثنين وتسعين مليون برميل، فمن الطبيعي أن يكون هناك نقص مخيف في إمدادات الطاقة، وفي نظرنا أن العالم يتجاهل هذه الحقيقة ويتحرجون من الحديث عنها خوفا من إثارة الرعب والقلاقل لدى الشعوب، وهذا خطأ كبير وغير مقبول ؛ لأن الأمور قد تزداد سوءاً وتكون النتائج كارثية.

* مخرجات المراكز والوكالات المتخصصة في دراسة أسواق الطاقة كيف تقيمون هذه المخرجات أو الدراسات؟ وما مدى قربها من واقع الأسواق؟
- مع الأسف إن الدراسات والبحوث التي تشرف عليها أغلب الهيئات والمؤسسات والوكالات الدولية تكون في الغالب مسيسة، وتخدم مصالح خاصة، لذلك فهي عديمة الفائدة بالنسبة للشعوب التي تنتظر نتائج صادقة وتعبر عن الواقع، بصرف النظر عن النتائج سلبًا أو إيجابًا، ومن ملاحظاتي أن بعض الدراسات تكون مبنية على معلومات مغلوطة أو غير دقيقة، وعلى وجه الخصوص ما يتعلق باحتياطيات الدول المنتجة للنفط، والتي تنقصها الشفافية ويغلب عليها التضخيم المتعمَّد.

* على مستوى أسعار النفط في المديين المتوسط والبعيد، إلى أين تتجه؟
- موضوع مستقبل الأسعار ربما أنه الأكثر تعقيداً من حيث الجزم أو الحكم باتجاهها، فعلى الرغم من أن النفط سلعة استراتيجية، إلا أنه بوجه عام يخضع لقاعدة العرض والطلب، ومن المنطقي أن نقول بأن مآل الأسعار إلى الصعود إذا أخذنا في الاعتبار أننا نتحدث عن مصدر ناضب فكلما انخفض المخزون وتقلص الإنتاج وليس كميات الاحتياطي، كلما استدعى ذلك ارتفاع الثمن، ولكن هناك حالات نادرة قد تغير هذه النظرية، ومنها - لا قدر الله - الكوارث الاقتصادية أو الركود الفاحش في حركة الاقتصاد، وما خلا ذلك فالأحرى أن أسعار النفط سوف تتصاعد إلى مستويات قياسية خلال العقود القليلة القادمة.

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.