نبض أرقام
09:56 ص
توقيت مكة المكرمة

2025/04/13
2025/04/12

لماذا لا يمكن لأمريكا تصنيع سيارة واحدة بمفردها؟

2025/04/12 أرقام - خاص

في أوائل القرن العشرين، حيث كانت الثورة الصناعية الثانية في أوجها، والاعتماد على السيارات ينذر بطفرة تقنية جديدة، راود رجل الأعمال والمبتكر الأمريكي "هنري فورد" حلم كبير؛ وهو تصنيع المركبات من الألف إلى الياء داخل الولايات المتحدة.

ولتحقيق حلمه أطلق في عام 1917 مشروع "ريفر روج"، الذي أصبح لاحقًا أكبر مجمع صناعي متكامل في العالم بمجرد اكتماله عام 1928، حيث ضم أكثر من 90 مبنى وشبكة داخلية طويلة من السكك الحديدية، وعمل به أكثر من 100 ألف عامل.

 

 
ونجح المشروع في تحقيق التكامل الرأسي في صناعة السيارات، وصُنعت جميع مكونات السيارة داخله، حيث كان يستقبل المواد الخام (مثل الحديد والمطاط والفحم) من الموانئ ومناجم "فورد" مباشرة، ويبدأ تشكيلها داخل المصاهر والمنشآت الخاصة بكل مكون.

 

للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام


وسرعان ما أصبح مشروع "ريفر روج" نموذجًا للابتكار والتصنيع المتكامل عالميًا، لكن ذلك كان ممكنًا فقط بفضل طبيعية الاقتصاد وظروف صناعة السيارات قبل 100 عام من الآن.


واجه المشروع تحديات كبيرة وتغيرات جوهرية بمرور الوقت، ولم يستمر النموذج المتكامل الذي وضعه "فورد" على المدى الطويل، بسبب تغير نموذج الإنتاج العالمي، الذي جعل الاعتماد على شبكة الموردين المتخصصين أكثر كفاءة اقتصاديًا من النموذج المتكامل رأسيًا.


وأيضًا كانت تكلفة تشغيل وصيانة منشأة بهذا الحجم مرتفعة للغاية، خاصة مع ظهور منافسين عالميين أقوياء، كما تغيرت طبيعة سوق العمل وارتفعت تكاليف العمالة في أمريكا مقارنة بالأسواق الناشئة، علاوة على التطورات التكنولوجية التي استدعت استيراد مكونات متخصصة من الخارج.


في حين تمكن المشروع من التكيف والتطور ليستمر قيد التشغيل لعقود تالية حتى الآن، لكن الفكرة الأصلية سقطت أمام واقع الاقتصاد العالمي المتغير، وأجبرت "فورد" على تشغيله بما يتناسب مع الواقع الجديد من خلال تجميع السيارات مع الاعتماد على شبكة موردين عالميين.


ورغم ذلك، فإن الدرس الذي استوعبته "فورد" سريعًا من أجل التكيف والبقاء، يبدو أن البعض في الولايات المتحدة لم يتعلمه بعد، بما فيهم "دونالد ترامب" الذي يرغب في إعادة إنتاج نموذج عفا عليه الزمن.

 


 

أضغاث أحلام

- في عصرنا الحالي، أصبحت السيارات نتاج سلاسل توريد عالمية واسعة ومترابطة، لا تستطيع أي شركة سيارات مهما كانت كبرى، تأمين جميع مكوناتها محليًا؛ حتى السيارات الأمريكية تعتمد على آلاف القطع والمواد المستوردة.


- على سبيل المثال، تحتوي السيارة النموذجية في وقتنا هذا، على حوالي 30 ألف قطعة منفصلة، ​​بدءًا من الأجزاء الكبيرة مثل المحركات وصولًا إلى أجهزة الاستشعار والمسامير الصغيرة، وتأتي هذه القطع من موردين متخصصين حول العالم، بعد عقود من تحسين كفاءة التكلفة في شبكة التوريد.


- يمكن القول إن "هذا النوع من العولمة" ليس اختياريًا، بل ضرورة لوجستية واقتصادية لمصنعين مثل "جي إم سي"، الذين يعتمدون على قاعدة موردين متنوعة للحفاظ على قدرتهم التنافسية.


- أي محاولة للإخلال بهذا التكامل من أجل سيارة كاملة داخل الولايات المتحدة، لن يكون حلمًا مشجعًا كما كان قبل قرن من الزمان، وعلى الأرجح لن يتخطى كونه "أضغاث أحلام"، نظرًا للتحديات على مستوى التكلفة وقابلية التوسع والخبرة التقنية.


- هناك تركيز كبير لصناعات المكونات الأساسية (أشباه الموصلات، والمواد المتخصصة، إلخ) بشكل كبير في الخارج، لذا يُعدّ التوريد العالمي أمرًا بالغ الأهمية لجميع فئات المكونات الرئيسية.


- غالبًا ما تمتلك شركات صناعة السيارات مصانع محركات في المكسيك أو تحصل على ناقلات الحركة وأنظمة الإلكترونيات من شركاء خارجيين (الألمان أو اليابانيين)، كما تُصنع أشباه الموصلات غالبًا في آسيا.


- حتى الإطارات والزجاج وبعض المكونات الداخلية والنوافذ والطلاء ومعدات التصنيع نفسها، يوفرها موردون عالميون في كندا والمكسيك وأوروبا وآسيا، والولايات المتحدة على رأس المستوردون منهم.

 

 
دراسة حالة

- بالنظر إلى سيارة "جي إم سي يوكون" طراز 2024 على سبيل المثال، والتي تجمع في أرلينغتون، تكساس، فهي تُجسّد الطابع العالمي لتصنيع السيارات، إذ تحتوى على مكونات أمريكية أو كندية (من حيث القيمة) بنسبة 37%، ومكونات مكسيكية بنفس النسبة، فيما تأتي باقي المكونات من الخارج.


- بعبارة أخرى، فإنه حتى سيارة الدفع الرباعي الرائدة من "جنرال موتورز"، والمُصنّعة على الأراضي الأمريكية تحتوي على مكونات أغلبها مستورد من خارج الولايات المتحدة.
 

 

المكونات الرئيسية لسيارة "يوكون" وبلد منشأها

المكون

بلد المنشأ

مستوى الأهمية

محرك

الولايات المتحدة

مرتفع

ناقل حركة

الولايات المتحدة

مرتفع

نظام المعلومات والترفيه

الصين

منخفض

وحدة التحكم بالمحرك

ألمانيا

مرتفع

الإطارات

المكسيك

مرتفع

الزجاج

الصين

متوسط

البطارية

المكسيك

مرتفع

مجموعة الأسلاك

المكسيك

مرتفع

أجهزة الاستشعار

اليابان

متوسط

هيكل صلب- الألومنيوم

كندا

مرتفع


- كما هو موضح أعلاه، ترتبط جميع الأجزاء الأساسية تقريبًا في سيارة "يوكون" بمصدر خارجي أو سلسلة توريد دولية، ويُعدّ المحرك وناقل الحركة من بين القطع القليلة المُصنّعة في الولايات المتحدة، مما يعكس استثمار "جنرال موتورز في مصانع المحركات المحلية.


- مع ذلك، لا تزال هذه المحركات الأمريكية الصنع تعتمد على أنظمة الوقود والأجزاء الداخلية المستوردة من الخارج، ويحتوي ناقل الحركة الأمريكي الصنع على مكونات دقيقة (مثل التروس ووحدات الميكاترونيكس) من موردين عالميين.


- في الوقت نفسه، يأتي جزء كبير من مكونات "يوكون" المتبقية من المكسيك، التي تُعدّ قاعدة تصنيع لعناصر مثل ضفائر الأسلاك والبطاريات والعديد من التجميعات الفرعية الأصغر حجمًا، ويُعد دور المكسيك بالغ الأهمية لدرجة أنها تُمثّل ما يقرب من ثلث مكونات السيارة من حيث القيمة.


- هذا أمر شائع في جميع أنحاء الصناعة، فقد أصبحت المكسيك رائدة عالميًا في إنتاج قطع غيار السيارات كثيفة العمالة (ضفائر الأسلاك الكهربائية، المقاعد، إلخ)، وهي الآن ثاني أكبر مصدر لإطارات سيارات الركاب إلى الولايات المتحدة.


هل تنجح خطة ترامب؟

- عندما فرض "ترامب" تعريفات جمركية على الصلب والألمنيوم خلال ولايته الأولى، أدى ذلك إلى رفع التكاليف وتعطيل سلاسل التوريد لشركات صناعة السيارات الأمريكية، دون أن يُلغي الاعتماد على الموردين العالميين.


- جاء ذلك في صورة نفقات مرتفعة على الشركات الأمريكية، وعلى سبيل المثال، أفادت شركة "فورد موتور" بأن الرسوم الجمركية على المعادن وحدها تسببت في انخفاض أرباحها بمقدار مليار دولار في عام واحد.
 


 
- ارتفع متوسط ​​سعر السيارة الجديدة في الولايات المتحدة بما يُقدر بـ 200 إلى 300 دولار بسبب التعريفات الجمركية على المعادن، علمًا بأن الرسوم المفروضة آنذاك كانت منخفضة ومحدودة النطاق بخلاف خطة "ترامب" الصارمة الحالية.


- الأهم من ذلك، أن التعريفات الجمركية لم تُفضِ إلى زيادة ملحوظة في الطاقة الإنتاجية المحلية من المعادن على المدى القصير، بل أجبرت شركات صناعة السيارات على دفع المزيد أو البحث عن موردين أجانب بديلين غير مشمولين بالتعريفة.


- حاولت شركات صناعة السيارات والموردون إعادة هيكلة سلاسل التوريد، حيث أعاد البعض توجيه عمليات تصنيع المكونات إلى دول آسيوية أخرى مثل فيتنام أو كوريا لتجاوز الرسوم الجمركية، بينما تقدم آخرون بطلبات إعفاء.


- يقول "جيسون ميلر"، خبير سلسلة التوريد في جامعة ولاية ميشيغان: "إذا فُرضت رسوم جمركية باهظة فجأة، فسيكون ذلك مُسببًا للاضطراب الشديد، ومن غير المرجح أن يدفع إلى نقل الصناعات إلى الداخل فورًا، لأن تحولات سلسلة التوريد معقدة وتستغرق وقتًا طويلاً، مع مخاوف بشأن الجودة والسلامة.


التجربة الثانية ستكون أسوأ

- وجدت دراسة لمنظمة "Center for Automotive Research" أن الرسوم الجمركية التي فرضها "ترامب" في أوائل أبريل بنسبة 25% على قطع غيار السيارات، سترفع تكلفة المصنّعين الأمريكيين بنحو 4900 دولار لكل مركبة مُجمّعة محليًا، وإجمالًا سترتفع تكاليف الشركات بنحو 108 مليارات دولار في 2025.


- هذا يعني تقليص هوامش الربح، أو تمرير التكاليف إلى المستهلكين عبر رفع الأسعار، دون أن يساهم ذلك في توسيع سلاسل التوريد المحلية بشكل كبير بالكامل، وكما حدث في ولاية "ترامب" الأولى، تهدد الرسوم الجمركية "بجعل التجميع النهائي في الولايات المتحدة باهظ التكلفة للغاية"، ما يقوض هدف إعادة الوظائف إلى الوطن.
 



- لذلك، يكاد يكون من المستحيل في الاقتصاد الحديث تصنيع سيارة كاملة داخل حدود دولة واحدة فقط، وتُجسّد حالة "جي إم سي يوكون" كيف تعتمد حتى سيارة رياضية متعددة الاستخدامات تحمل علامة "أمريكية الصنع بفخر" على شبكة معقدة من خطوط التوريد العابرة للحدود.


- مع تقبل حقيقة أن سيارات اليوم هي منتجات عالمية، يتمثل النهج الأكثر فاعلية في تبنِّي سياسات تجارية واستراتيجيات تُوازن بين الأمن والانفتاح، وإدارة فعّالة لسلسلة التوريد، فهذا أفضل من محاولة إعادة عقارب الساعة إلى الوراء فيما يتعلق بعولمة السيارات.


المصادر: أرقام- شات جي بي تي- كلود

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.