مع ازدياد الاعتماد على الهواتف الذكية في الحياة اليومية، أصبح التتبع الخفي للمستخدمين قضية مقلقة تهدد خصوصيتهم دون علمهم.
في حين تزعم الشركات أنها تطور تقنيات لجمع البيانات بهدف تحسين الخدمات، يجد ملايين المستخدمين أنفسهم تحت مراقبة غير مرئية، حيث تُسجَّل تحركاتهم، وتُحلَّل عاداتهم، وتُستخدم بياناتهم في أغراض تجارية دون موافقة صريحة.
وفي الوقت الذي اتخذت شركة آبل خطوات حازمة للحد من هذه الممارسات، لا يزال مستخدمو أندرويد أكثر عرضة لتقنيات التتبع التي تستغل الانفتاح الكبير لهذا النظام.
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
وتشير التقارير إلى أن أكثر من 70% من تطبيقات أندرويد الشهيرة تحتوي على أدوات تتبع من جهات خارجية.
وهناك نحو 3.3 مليار مستخدم لنظام أندرويد حول العالم، مقابل 1.4 مليار مالك لأجهزة آيفون، وقد شهد كلا النظامين نموًا ملحوظًا.
وفي عام 2012، بلغ عدد مستخدمي أندرويد 0.5 مليار شخص، بينما بلغ عدد مستخدمي آيفون 0.2 مليار شخص.
تواصل جوجل جهودها لرفع مستوى الأمان والخصوصية في أندرويد، لتقارب معايير آبل الصارمة التي توفرها عبر نظام تشغيل آيفون (آي أو إس).
ويأمل العديد من مستخدمي نظام تشغيل جوجل والمهتمين بالحفاظ على خصوصيتهم أن يحمل الإصدار النهائي لنظام أندرويد 16 المزمع إطلاقه في الربع الثاني من العام الحالي أنباء سارة لهم في هذا الإطار.
وفي حال فشل هذا التحديث في تحقيق أهداف الخصوصية فإن ملايين المستخدمين سيصابون بخيبة أمل شديدة، فهل تنجح جوجل في استعادة ثقة مستخدمي أندرويد بقدرتها على حماية خصوصيتهم؟
التتبع الخفي على أندرويد
تجمع العديد من تطبيقات وخدمات أندرويد كميات هائلة من بيانات المستخدم دون الحصول على موافقة صريحة منه.
وكشف تحليل أجرته جامعة أكسفورد أن 90% من التطبيقات المجانية على متجر جوجل بلاي تشارك البيانات مع جهات خارجية.
وغالبًا ما تُجمع البيانات من خلال التطبيقات التي تحتوي في كثير من الأحيان على أكواد برمجية للتتبع من شبكات الإعلانات، وسماسرة البيانات، وشركات التحليلات، مما يسمح بجمع معلومات شخصية مثل الموقع، وسجل التصفح، ومعرفات الجهاز.
عدد التطبيقات المتاحة في متجر جوجل خلال 5 سنوات (حتى يونيو 2024) |
|
التاريخ |
عدد التطبيقات (بالمليون) |
يونيو 2020 |
2.96 |
يونيو 2021 |
2.88 |
يونيو 2022 |
2.65 |
يونيو 2023 |
2.59 |
يونيو 2024 |
1.68 |
وجرى اكتشاف مشكلة التتبع الخفي في نظام أندرويد من خلال مجموعة من الأبحاث الأمنية المستقلة، والتحقيقات المتعلقة بالخصوصية، والمقارنات مع حماية الخصوصية التي يوفرها نظام آي أو إس من آبل.
وحلل خبراء الأمن السيبراني كيفية تفاعل تطبيقات أندرويد وخدمات النظام مع بيانات المستخدم.
وكشفت الأبحاث أن العديد من تطبيقات أندرويد تقوم بإرسال بيانات الموقع ومعرفات الأجهزة وسلوك المستخدم إلى جهات خارجية، غالبًا دون موافقة واضحة من المستخدم.
وبالفعل، أقرت جوجل بالمشكلة بشكل غير مباشر من خلال إطلاق صندوق حماية الخصوصية لنظام أندرويد، وهو إطار عمل يهدف إلى الحد من التتبع عبر التطبيقات، لكن المنتقدين يرون أن هذه الجهود لا تزال غير كافية مقارنةً بنهج آبل الأكثر صرامة.
وأكدت تقارير إعلامية نشرتها كل من فوربس وواشنطن بوست هذه المشكلة، مشيرةً إلى أن متتبعات خفية مدمجة في تطبيقات أندرويد ترسل بيانات المستخدم دون الإفصاح الكافي.
كما سرّب بعض المبلغين عن المخالفات معلومات حول كيفية استغلال الشركات الإعلانية لانفتاح نظام أندرويد بشكل أوسع للتجسس على المستخدمين.
ودفعت هذه التقارير حكومات وهيئات حماية البيانات، خاصةً في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، إلى التحقيق في آليات التتبع داخل أندرويد.
وقد كشفت لوائح مثل اللائحة العامة لحماية البيانات، أن بعض تطبيقات أندرويد تنتهك قوانين الخصوصية بمشاركة بيانات المستخدمين دون الحصول على إذن صريح.
ووفقًا للدكتور "جوناثان ماير"، الباحث في الأمن السيبراني بجامعة برينستون، فإن "التتبع الخفي في نظام أندرويد لا يشكل فقط خطرًا على خصوصية المستخدم، بل يفتح الباب أمام استغلال بياناته بطرق غير متوقعة".
ويوضح أن المشكلة تكمن في أن المستخدم العادي لا يمتلك رؤية واضحة عمّن يجمع بياناته، وكيف تُستخدم.
وأضاف أن "إجراءات جوجل الأخيرة تمثل خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنها لا تزال بعيدة عن توفير مستوى الشفافية والتحكم الذي يتطلع إليه المستخدمون".
كما أشار تقرير صادر عن مؤسسة إلكترونيك فرونتير إلى أن التحدي الأكبر في نظام أندرويد يكمن في طبيعته المفتوحة، مما يسمح لمصنعي الأجهزة والمطورين بتطبيق سياسات تتبع خاصة بهم، وهو ما يجعل فرض معايير صارمة للخصوصية أمرًا صعبًا.
هل يمكن لأندرويد 16 حل المشكلة؟
رغم التحديات التي يواجهها أندرويد فيما يتعلق بالتتبع الخفي، فإنه يوفر مرونة أكبر للمستخدمين في التحكم ببياناتهم مقارنةً بنظام تشغيل آي أو إس في بعض الجوانب.
فهو يتيح للمستخدمين ضبط أذونات التطبيقات بمزيد من التفصيل، مثل السماح بالوصول إلى الموقع فقط أثناء الاستخدام، كما يتيح تغيير التطبيقات الافتراضية، مثل اختيار متصفح مختلف أو تطبيق رسائل بديل، في حين تفرض آبل قيودًا أكثر صرامة في هذا الجانب.
كما أعلنت جوجل عن توسيع مبادرة صندوق حماية الخصوصية لتشمل نظام أندرويد في فبراير 2022 بهدف مواجهة تتبع الجهات الخارجية لمستخدمي النظام من أجل حماية خصوصية المستخدمين مع الإبقاء على دعم الإعلانات الموجهة.
ومن المتوقع أن يقدم أندرويد 16 تحكمًا أقوى في أذونات التطبيقات بما يسمح للمستخدمين بإدارة وصول التطبيقات إلى بياناتهم بشكل أفضل.
وقد تصبح مبادرة الخصوصية التي أطلقتها جوجل عنصرًا رئيسيًا في الإصدار النهائي لأندرويد 16 من أجل تقليل التتبع بين التطبيقات مع الاستمرار في دعم الإعلانات.
ويُتوقع أن يطبق إصدار أندرويد 16 مزيداً من التقييد لأنشطة التطبيقات في الخلفية، مما سيحد من قدرة التطبيقات على جمع البيانات عندما لا تكون قيد الاستخدام.
ومع ذلك، تظل هناك مشكلة رئيسية أمام جوجل وهي أن أندرويد نظام مفتوح المصدر ذو بيئة مجزأة، يمكن للشركات المصنعة والمطورين تنفيذ آليات تتبع خاصة بهم، مما يسمح لهم بتجاوز تحديثات الخصوصية التي تقدمها جوجل.
أبل تجنبت المشكلة
في المقابل، اتخذت أبل عدة خطوات للحد من التتبع على أجهزتها، من خلال ميزة "شفافية تتبع التطبيقات" التي تطلب من التطبيقات الحصول على إذن صريح من المستخدم قبل تتبعه، كما توفر للمستخدمين معلومات واضحة حول كيفية استخدام بياناتهم.
وتعمل أبل أيضًا على عزل البيانات بين التطبيقات، مما يمنع مشاركة البيانات بين التطبيقات المختلفة دون إذن المستخدم.
كما أن ميزات الخصوصية المحسنة في متصفح سفاري تمنع التتبع بين المواقع، وتحُدّ من إمكانية التعرف على المستخدمين عبر البصمات الرقمية.
وقد أدت هذه الإجراءات إلى انخفاض بنسبة 95% في بيانات التتبع المتاحة للمعلنين على أجهزة آيفون.
كيف تحمي نفسك من التتبع المخفي؟
يمكن لمستخدمي نظام أندرويد اتخاذ عدة خطوات لحماية أنفسهم من التتبع المخفي، ومن بينها مراجعة أذونات التطبيقات بشكل دوري وإيقاف أي وصول غير ضروري إلى البيانات.
كما يمكن استخدام شبكة افتراضية خاصة (في بي إن) لحماية بيانات الموقع والتصفح، حيث يتميز نظام أندرويد بالسماح باستخدام تلك التطبيقات، في حين أن نظام آي أو إس يقيد بعض هذه الميزات لأغراض أمنية، مما يجعل بعض أدوات حجب التتبع أقل فاعلية على أجهزة آيفون.
ويستطيع المستخدم إلغاء تفعيل تتبع الإعلانات من إعدادات حساب جوجل، والاعتماد على تطبيقات الحماية التي تكشف عن أي نشاط مشبوه.
يبقى التتبع المخفي تحديًا تقنيًا وأمنيًا مستمرًا، مما يستدعي الحذر من المستخدمين، إلى جانب تشديد القوانين والسياسات من الشركات المطورة لأنظمة التشغيل والتطبيقات.
ويجب على مستخدمي أندرويد توخي الحذر الشخصي، مثل مراجعة أذونات التطبيقات واستخدام بدائل تركز على الخصوصية.
وقد يقدم أندرويد 16 مزيدًا من التحسينات في هذا الإطار، لكن يبقى السؤال حول مدى فاعليته في القضاء على المراقبة السرية.
وحتى يتضح الأمر مع إطلاق النسخة النهائية من النظام قريبًا، يجب على مستخدمي أندرويد اتخاذ تدابير استباقية لحماية خصوصيتهم الرقمية.
المصادر: أرقام- فوربس- أندرويد بوليس- جامعة أكسفورد- واشنطن بوست- جامعة برينستون- ستاتيستا
كن أول من يعلق على الخبر
تحليل التعليقات: