نبض أرقام
04:20 م
توقيت مكة المكرمة

2025/02/24
2025/02/23

كبار السن في سوق العمل الرقمي .. عائق أم ركيزة للابتكار؟

07:55 ص (بتوقيت مكة) أرقام - خاص

في عالم يتسارع فيه التحول الرقمي، تتجه الأنظار نحو دور كبار السن في سوق العمل مع تغير طبيعة الوظائف والمهارات المطلوبة بوتيرة غير مسبوقة.

 

ورغم الاعتقاد السائد بأن الشباب هم المحرك الرئيسي للابتكار في الاقتصاد الرقمي، فإن هناك جدلاً متزايدًا حول قدرة الموظفين الأكبر سنًا على المساهمة في هذا المجال من خلال خبراتهم العميقة ورؤيتهم الاستراتيجية.

 

 

ويعتمد الابتكار على مزيج من المهارات التقنية والإبداعية والخبرة العملية، مما يطرح تساؤلًا حول قدرة كبار السن على التكيف مع التقنيات الحديثة، وما إذا كانوا يشكلون عنصرًا حاسمًا في الابتكار الرقمي، أم أن الفجوة التكنولوجية تحد من قدراتهم؟

 

للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام

 

دور متزايد في سوق العمل

 

شهد سوق العمل العالمي تغيرًا ملحوظًا بسبب شيخوخة السكان، إذ أصبح كبار السن يلعبون دورًا متزايدًا في الابتكار داخل سوق العمل.

 

ومع التقدم في التكنولوجيا الرقمية وأهمية مواصلة التعلم مدى الحياة، أصبح لدى بعض الشركات والحكومات إدراك أوسع لإمكانات المحترفين من كبار السن، وقدرتهم على المشاركة بفاعلية في تشكيل الاقتصاد الحديث.

 

كما أشارت دراسات كثيرة إلى أهمية عدم إهمال تلك الفئة في الأنشطة الاقتصادية المختلفة، والاستفادة من خبراتهم الطويلة، مما ينعكس إيجابيًا على أداء الاقتصاد الكلي.

 

تطور أعداد الذين يبلغون سن 65 عامًا فأكثر في العالم حتى 2050 ( وفقا لبيانات الأمم المتحدة)

السنة

أعداد كبار السن

(بالمليون نسمة)

2018

258

2021

761

2022

771

2030

994

2050

1600

 

وفقًا لمركز أبحاث بيو، فإن 19% من الذين تبلغ أعمارهم 65 عامًا فأكثر كانوا يعملون في الولايات المتحدة عام 2023، مقارنة بـ11% فقط في عام 1987.

 

ويتوقع مكتب إحصاءات العمل الأمريكي أنه بحلول عام 2030، سيكون العمال الذين تبلغ أعمارهم 65 عامًا فأكثر هم الفئة الأسرع نموًا في سوق العمل نظرًا لارتفاع متوسط العمر المتوقع، والتعديلات في خطط الادخار للتقاعد، ورغبة الأفراد في البقاء نشطين ومنتجين.

 

ويشير تقرير القوى العاملة لعام 2024 من جيتسيت آب، إلى أن 34.6% من كبار السن يبدون رغبة في مواصلة العمل بعد التقاعد، مدفوعين بشكل أساسي بالسعي إلى الاستقرار المالي (37.7%) والحاجة إلى التفاعل الاجتماعي (33.3%).

 

عقبات كبار السن في العصر الرقمي

 

على الرغم من رغبة كبار السن في العمل، فإنهم يواجهون عقبات كبيرة عند العودة إلى سوق العمل.

 

ووفقًا للتقرير فإن مواكبة التكنولوجيا تشكل أبرز التحديات حيث يمكن أن تكون التطورات التكنولوجية السريعة مخيفة للعديد منهم.

 

 

وأوضح التقرير أن ثاني أبرز تحدٍ بعد مواكبة التكنولوجيا، هو التمييز على أساس السن، والذي يعد حاجزًا مستمرًا يحد من فرص العمل أمامهم بسبب الصور النمطية القديمة عن العمال الأكبر سنًا.

 

بالإضافة إلى ذلك، يفضل أكثر من 40% من كبار السن خيارات العمل عن بعد أو المرنة، خاصة وأنهم يتولون أحيانًا أدوار رعاية شركائهم في الحياة أو الأحفاد، كما يتعين عليهم التعامل مع مشكلاتهم الصحية المتغيرة، وهي فرص غير متاحة على نطاق واسع.

 

ويتطلب التصدي لهذه التحديات تعزيز الشمول الرقمي واعتماد ممارسات توظيف عادلة ووضع سياسات قوى عاملة تضمن تنوع الأعمار وتراعي التغيرات المتنوعة في نمط الحياة.

 

وبينما يُنظر إلى الشباب على أنهم أكثر تكيفًا مع التكنولوجيا، فإن كبار السن يقدمون قيمة مختلفة في مجال الابتكار.

 

ومن بين أبرز تلك القيم؛ الخبرة العميقة في اتخاذ القرارات الاستراتيجية، إذ يمتلك كبار السن عقودًا من الخبرة العملية التي تمنحهم رؤى أوسع في حل المشكلات، كما يتمتعون بالقدرة على التفكير النقدي والتحليل مستفيدين من التجارب السابقة.

 

وعلى عكس الشباب، يميل كبار السن إلى تحليل المخاطر بدقة قبل تنفيذ الابتكارات، وهو ما يمكنهم من إدارة المخاطر بفاعلية أفضل.

 

التعلم الرقمي فرصة

 

برزت منصات التعلم الرقمي كأدوات رئيسية لتعزيز شمول القوى العاملة، واستضافت منصة مثل جيتسيت آب أكثر من 233 ألف دورة تدريبية لكبار السن خلال عام 2023، ركزت على التمويل والتوظيف، مما يعكس الطلب الكبير على التطوير الوظيفي والوعي المالي.

 

كما تستثمر الحكومات والشركات أيضًا في برامج تنمية القوى العاملة التي تستهدف الموظفين الأكبر سنًا.

 

 

ويوفر برنامج مثل تشغيل كبار السن في الولايات المتحدة تدريبًا عمليًا لذوي الدخل المحدود الذين تزيد أعمارهم على 55 عامًا، لمساعدتهم على تأمين وظائف مستدامة في سوق العمل المتغير.

 

وفي أنحاء أخرى من العالم ساعدت برامج بناء السيرة الذاتية، والتدريب على لينكدإن، وفهم وسائل التواصل الاجتماعي، إضافة إلى تعلّم برامج أساسية مثل أدوات جوجل ومايكروسوفت، الآلاف من كبار السن على العودة إلى سوق العمل بثقة.

 

علاوة على ذلك، يساعد التدريب على محو الأمية الرقمية الذي يغطي موضوعات مثل أمان البريد الإلكتروني والإدارة المالية، في تعزيز وعي كبار السن بالاحتيال الإلكتروني المحتمل، ويسهم في سد الفجوة التكنولوجية وزيادة قدرتهم على مواكبة التحول الرقمي.

 

العمر ليس عائقًا

 

لا يزال العديد من كبار السن يلعبون دورًا أساسيًا في قيادة بعض الشركات الأكثر نجاحًا على مستوى العالم، ولعل "وارن بافيت" (93 عامًا) وهو الرئيس التنفيذي لشركة بيركشاير هاثاواي واحدًا من أبرز النماذج، إذ يظل أحد أكثر المستثمرين نفوذًا على مستوى العالم.

 

ورغم تقدمه في العمر، فإنه لا يزال يشارك بفاعلية في اتخاذ القرارات الاستراتيجية لشركته، ويقدم تحليلاته العميقة حول الأسواق المالية في الاجتماعات السنوية لحملة الأسهم، والتي تحظى باهتمام واسع من المستثمرين حول العالم.

 

 

إلى جانبه، يبرز "تيم كوك" (63 عامًا)، الرئيس التنفيذي لشركة آبل، كواحد من القادة البارزين في صناعة التكنولوجيا.

 

فمنذ توليه قيادة الشركة في عام 2011، نجح في تعزيز مكانة آبل من خلال إطلاق منتجات مبتكرة مثل هواتف آيفون المتقدمة، وأجهزة ماك الحديثة، إضافة إلى التركيز على الاستدامة والطاقة المتجددة في عمليات الإنتاج.

 

كما لعبت "جيني رومتي" (66 عامًا)، الرئيسة التنفيذية السابقة لشركة آي بي إم، دورًا محوريًا في تحويل نموذج أعمال الشركة نحو الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية، مما ساعد في الحفاظ على تنافسية الشركة في السوق التقنية المتغيرة باستمرار.

 

أما خارج عالم الشركات، فإن الكاتب الياباني الشهير "هاروكي موراكامي" (75 عامًا) يعد مثالًا على استمرار تأثير كبار السن في مجالات الثقافة والإبداع.

 

فعلى الرغم من تقدمه في العمر، لا يزال "موراكامي" يكتب روايات تحظى بشعبية عالمية، ويساهم في تشكيل المشهد الأدبي من خلال أعماله التي تمزج بين الفلسفة والخيال والواقع.

 

هذه الشخصيات وغيرها تثبت أن العمر لا يشكل حاجزًا أمام الابتكار والقيادة، بل يمكن أن يكون ميزة تمنح أصحابها الحكمة والخبرة اللازمة لاتخاذ قرارات استراتيجية مؤثرة في مختلف المجالات.

 

التأثير الاقتصادي لمشاركة كبار السن

 

أشارت دراسة نشرت في أكونوميك أمريكان جورنال إلى أن زيادة عدد السكان الذين تزيد أعمارهم على 60 عامًا بنسبة 10%، يمكن أن تبطئ النمو الاقتصادي بنحو 5.5% إذا لم يدمج كبار السن بنشاط في سوق العمل.

 

وعلى النقيض من ذلك، فإن دمج هذه الفئة السكانية في القوى العاملة يمكن أن يعزز الإنتاجية، ويقلل من نقص العمالة، ويدعم استقرار الاقتصاد.

 

فوفقًا لبحث أجرته مؤسسة كوفمان، فإن كبار السن لديهم فرض أفضل بمرتين من الأفراد الأصغر سنًا لبدء أعمال تجارية ناجحة.

 

كما تشير البيانات العالمية إلى تزايد نسبة كبار السن في القوى العاملة خلال العقود الأخيرة.

 

ففي بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ارتفعت نسبة مشاركة الأفراد الذين تتراوح أعمارهم بين 55 و64 عامًا في سوق العمل من 46% في عام 2000 إلى 67% في عام 2022، وذلك نتيجة لإصلاحات أنظمة التقاعد.

 

كما أشار تقرير المرصد الاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الصادر عن البنك الدولي إلى أهمية احتضان الابتكار وريادة الأعمال في المنطقة، مع التركيز على دمج جميع الفئات العمرية، بما في ذلك كبار السن، في الاقتصاد الرقمي.

 

وعلى الصعيد العالمي، من المتوقع أن يتضاعف عدد الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 65 عامًا أو أكثر بين عامي 2024 و2074، ليصل إلى 20.7% من إجمالي السكان.

 

 

هذا النمو في نسبة كبار السن يفرض تحديات على الاقتصادات العالمية، خاصة فيما يتعلق بتلبية احتياجاتهم وضمان استدامة أنظمة الحماية الاجتماعية.

 

وتشكل شيخوخة السكان تحديًا ملحوظًا في بعض الدول؛ فعلى سبيل المثال، تبلغ نسبة السكان الذين تزيد أعمارهم على 65 عامًا في اليابان 30.2%، وفي إيطاليا 24%.

 

الدول التي لديها أعلى نسبة من كبار السن (65 عامًا فأكثر) وفقًا لبيانات 2023

الترتيب

الدولة

النسبة

1

موناكو

%36

2

اليابان

%30

3

إيطاليا

%24

4

فنلندا

%24

5

ألمانيا

%23

 

هذه النسب المرتفعة تتطلب سياسات فعّالة لدعم مشاركة كبار السن في سوق العمل والاستفادة من خبراتهم، ويبرز الحاجة إلى تعزيز سياسات تشجع على استمرار مشاركتهم في سوق العمل لضمان استفادة المجتمعات من خبراتهم وتحقيق نمو اقتصادي مستدام.

 

لذا من الضروري إعادة صياغة النظرة إلى كبار السن في سوق العمل؛ فبدلًا من اعتبارهم عبئًا، ينبغي الاعتراف بدورهم كأفراد ذوي خبرة واسعة، ومبتكرين، وعناصر قيمة في الاقتصاد الرقمي.

 

كما يتعين على الحكومات والشركات والمجتمع ككل الاستثمار في استراتيجيات التعلم مدى الحياة، والتوظيف العادل، والإدماج الرقمي لتعظيم إمكاناتهم.

 

ويمكن أن يسهم تعزيز سياسات العمل العادل، ودعم مبادرات التعلم الرقمي، وتغيير النظرة النمطية لكبار السن في استدامة الاقتصاد الرقمي وإطلاق العنان لقدرات جميع الفئات العمرية.

 

المصادر: أرقام- منتدى الاقتصاد العالمي- صندوق الأمم المتحدة للسكان- تريندكس- مركز بيو للأبحاث- البنك الدولي

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.