ما أن يشخص الأطباء حالة أحد أفراد الأسرة بأنه مصاب بدرجة معينة من مرض الزهايمر، حتى يغمرهم الخوف على مصير مريضهم، وسط عشرات التساؤلات حول كيفية التعامل مع هذا الحدث المؤسف بالنسبة لهم.
وسرعان ما يبحث المريض أو أفراد عائلته عن أفضل الوسائل لإبطاء أعراض هذا المرض مع الطبيب المعالج، نظرًا لعدم وجود علاج شافٍ له حتى الآن، ليجدوا أنفسهم مضطرين للتعامل مع الأدوية المطورة لمرض الزهايمر.
ويظل المريض وذووه في حيرة بشأن جدوى تلك الأدوية رغم عبء تكلفتها الضخم، ويتساءلون: هل ستحقق الأهداف المرجوة أم أن الآثار الجانبية لتلك الأدوية كفيلة بتهديد حياة المريض وإدخاله في دوامة من الأمراض الإضافية؟
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
بالطبع هذا الموقف أصبح أكثر تكرارًا مع تزايد أعداد المصابين بمرض الزهايمر حول العالم، ووفقًا لتقرير منظمة الصحة العالمية عن الخرف، يعيش أكثر من 55 مليون شخص حول العالم مع أنواع مختلفة من الخرف، ويُعد الزهايمر النوع الأكثر شيوعًا.
ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى حوالي 78 مليونا بحلول عام 2030.
كم من الوقت يعيش المريض مستقلًا؟
يقترح الطبيب المعالج على مريض الزهايمر تناول أحد الأدوية المطورة لوقف تدهور الدماغ، مثل ليكانيماب أو دونانيماب، التي أثبتت التجارب السريرية قدرتها على إزالة بروتينات الأميلويد المسببة لتدهور وظائف الدماغ والتي تعد السمة المميزة لمرض الزهايمر.
ومع ذلك، يتطلب ذلك جرعات طويلة الأمد، وتحمل هذه الأدوية العديد من الآثار الجانبية البالغة مثل مخاطر التورم أو النزيف في الدماغ، إلى جانب التكلفة الكبيرة.
وفي ظل غياب التغطية التأمينية قد يضطر مريض الزهايمر لدفع 26 ألف دولار أمريكي للحصول على الجرعات التي يحتاجها من دواء ليكانيماب لمدة عام تقريبًا؛ أما في حالة دواء دونانيماب فتصل الميزانية إلى 32 ألف دولار أمريكي.
وحتى في برامج الرعاية الطبية، يمكن أن تصل المدفوعات التي يحتاج المريض دفعها من أجل الحصول على هذين العلاجين إلى آلاف الدولارات.
ولكن هل تستحق هذه الجوانب السلبية المخاطرة؟ تجيب الدكتورة "سارة هارتز"، أستاذة الطب النفسي في كلية الطب بجامعة واشنطن في سانت لويس، بأن العامل الذي يحدد الإجابة بنعم أو لا هو المدة التي قد يعيشها مريض الزهايمر مع تلك الأدوية بشكل مستقل.
و"هارتز" هي رئيسة لفريق أجرى دراسة جديدة توقعت مقدار الوقت الذي قد يستمر فيه مرضى الزهايمر في أداء الأنشطة اليومية دون مساعدة بعد بدء تناول دواء مثل ليكانيماب، الذي يتم تسويقه باسم ليكمبي، أو عقار دونانيماب، الذي يتم تسويقه باسم كيسونلا.
وقالت "هارتز": "يريد المرضى معرفة المدة التي يمنحها لهم العقار بالاستمرار في قيادة سياراتهم، ودفع فواتيرهم الخاصة، والطهي في المنزل وارتداء ملابسهم بأنفسهم".
ووفقًا لتلك الدراسة فإن المدة تراوحت من ثمانية أشهر إلى 39 شهرًا إضافيًا من الحياة المستقلة، اعتمادًا على شدة المرض عند بدء تناول الدواء.
وأضافت "هارتز": "لا نريد أن يعتمد الناس على هذه الأرقام على أنها نهائية، لأنها مجرد تقدير وتعتمد على الشخص وحالته في التدهور المعرفي".
من جانبه قال طبيب الأعصاب الدكتور "ريتشارد إيزاكسون"، مدير الأبحاث في معهد الأمراض العصبية في ولاية فلوريدا، إن توضيح مثل تلك الحقائق للمرضى لها معنى كبير عند مناقشة تشخيص المرض ويفيد كلا من الأطباء والمرضى.
وأشار "إيزاكسون" إلى أنه يجب الوضع في الاعتبار أن الادوية الجديدة ليست أدوية معجزة، وأن كل ما يحدث هو أن الناس يصبحون أقل سوءًا بمرور الوقت ويمنحهم وقتا أطول قبل الوصول لمراحل متدهورة لوظائف الدماغ.
تفاصيل أكثر
حللت الدراسة، التي نُشرت هذا الشهر في مجلة علمية متخصصة في مرض الزهايمر، بيانات جامعة واشنطن حول التطور الطبيعي لمرض الزهايمر في 282 مريضًا لم يتلقوا العلاج بالأدوية.
وذكرت الدراسة أنها بحثت أربع وظائف محددة وهي هل يستطيع الشخص دفع فواتيره، وقيادة السيارة، وإدارة تقويمه وأدويته، وإعداد وجباته بنفسه؟".
وأوضحت "هارتز" المسؤولة عن الدراسة أنه جرى تحديد مفهوم فقدان الحياة المستقلة حينما يحتاج المريض إلى المساعدة في ثلاث على الأقل من هذه الوظائف.
توقعات أعداد المصابين بالزهايمر في الولايات المتحدة حتى عام 2060
السنة |
التوقعات (بالمليون فرد) |
2020 |
6.1 |
2030 |
8.5 |
2040 |
11.2 |
2050 |
12.7 |
2060 |
13.8 |
وأفاد بأن تناول دونانيماب أضاف ثمانية أشهر من الاستقلال، بينما أضاف تناول ليكانيماب 10 أشهر.
وقالت "هارتز" إنه في حين أن هذه الأشهر الإضافية قد لا تبدو فترة طويلة من الاستقلال، إلا أن التقديرات قد تكون ذات مغزى لبعض الأشخاص.
وأوضحت أن "الأدوية باهظة الثمن، ولكن بمجرد مقارنة ذلك بتكلفة مرفق رعاية سكنية أو دار رعاية، فقد يكون لديك منظور مختلف".
كما أشارت إلى أن الأشخاص الذين يعانون من أعراض خفيفة ولكن واضحة - مثل تكرار نفس الأسئلة أو الضياع - والذين يعيشون في مسكن طبيعي قد يريدون أيضًا معرفة متى سيحتاجون إلى رعاية إضافية وأكثر تكلفة.
في هذه المرحلة من المرض، قدر الباحثون أن دونانيماب يوفر 19 شهرًا إضافيًا من القدرة على ارتداء الملابس وتناول الطعام والاستحمام بشكل مستقل، كما يوفر ليكانماب 26 شهرًا إضافيًا من الرعاية الذاتية.
وأردفت "هارتز" تقول "أود أن أؤكد أن الغرض من هذه الدراسة لم يكن الدعوة إلى هذه الأدوية أو معارضتها، لكن الغرض هو وضع تأثير هذه الأدوية في سياقها بطرق يمكن أن تساعد الناس على اتخاذ القرارات الأفضل لأنفسهم وأفراد أسرهم".
في حين شكك البعض في الدراسة، إذ يقول الدكتور "ألبرتو إسباي"، أستاذ علم الأعصاب في جامعة سينسيناتي إن التحليل المستخدم في الدراسة افترض بأن التغييرات في درجات الخرف يمكن معادلتها بتوقيت زمني لم يجر التحقق من صحتها بشكل مطلق.
شكوك بشأن أدوية مرض الزهايمر
عندما سارعت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية بالموافقة على ليكانيماب ثم دونانيماب، تشكك بعض الأطباء فيما إذا كان التحسن المتواضع الذي شوهد في التجارب السريرية عبر تلك الأدوية يستحق المخاطرة.
ووجدت التجارب السريرية العشوائية أن الأشخاص الذين تناولوا ليكانيماب تباطأ تدهور حالتهم بنسبة 27% بعد 18 شهرًا من الاستخدام مقارنة بأولئك الذين لم يتناولوا الدواء، وهو تحسن متواضع وفقًا لمقياس شائع الاستخدام لقياس تقدم الخرف.
ومع ذلك، فإن الآثار الجانبية لهذه الأدوية قد تكون قاتلة أحيانًا؛ إذ يمكن أن يسبب ليكانيماب الحساسية، والدوار، وخفقان القلب، وآلامًا في العضلات والمفاصل، ونوبات صداع شديدة، وأعراضًا تشبه أعراض الإنفلونزا، وذلك على سبيل المثال لا الحصر.
كما وقعت بالفعل ست وفيات بين الأشخاص الذين تناولوا ليكانيماب، وتعرض 2.8% من المشاركين إلى مشاكل في وظائف الدماغ مرتبطة بالأميلويد، والتي تنطوي على نزيف وتورم في المخ، وفقًا لتقرير صادر عن أطباء في كلية فاينبرج للطب بجامعة نورث وسترن.
أما خلال التجربة السريرية لدونانيماب، فقد عانى 2.9% من أولئك الذين تناولوا الدواء من آثار جانبية خطيرة مرتبطة بتدهور الدماغ، وتوفي ثلاثة مرضى، وفقًا لجمعية الزهايمر.
كما ذكرت منظمة الصحة أن ما يقرب من 13% عانوا من آثار جانبية خطيرة.
ويتطلب تناول الأدوية، خضوع المرضى لفحوصات دماغية منتظمة للتحقق من النزيف والتورم، وبسبب الخطر الأكبر للإصابة بتلك الآثار الجانبية، يُستخدم كلا العقارين بحذر أكبر خاصة لمن لديهم استعداد وراثي لمرض الزهايمر.
سوق أدوية مرض الزهايمر
يؤثر مرض الزهايمر على ملايين الأشخاص حول العالم، ومع ارتفاع نسبة الشيخوخة، تزداد معدلات الإصابة بالمرض، وبالتالي يزيد الطلب على العقاقير المتعلقة به، مما يدفع بنمو سوق أدوية الزهايمر بنحو ملحوظ.
ووفقًا لبيانات صادرة من معهد "آي كيو في آي آيه" لتقارير الأدوية حول العالم ، فإن قيمة سوق أدوية الزهايمر العالمي بلغ حوالي 12 مليار دولار أمريكي في عام 2022.
وتشير التوقعات إلى أنه بفضل الابتكارات المستمرة وزيادة الإنفاق الصحي، فإن سوق الأدوية الخاصة بهذا المرض سينمو بمعدل يتراوح بين 7 و8% سنويًا، حتى عام 2030.
توقعات حجم سوق أدوية الزهايمر خلال الفترة من 2025 إلى 2030
السنة |
التقديرات (بالمليار دولار أمريكي) |
2025 |
14.1 |
2026 |
15.2 |
2027 |
16.4 |
2028 |
17.7 |
2029 |
18.9 |
2030 |
20 |
كما تستثمر الجهات الحكومية والخاصة بشكل متزايد في أبحاث الزهايمر، مما يسرع من وتيرة تطوير وإجراء التجارب السريرية للأدوية الجديدة، حيث من المتوقع أن تؤدي هذه الزيادة في الاستثمارات إلى تحفيز نمو سوق الأدوية بشكل أكبر.
وتعتبر أسعار أدوية الزهايمر الجديدة مرتفعة جدًا، وغالبًا ما تصل تكلفتها إلى عشرات الآلاف من الدولارات سنويًا.
ولا يقتصر العبء المالي لهذا المرض على تكلفة الأدوية فقط، بل يشمل أيضًا التكاليف المرتبطة بالمراقبة المستمرة، والزيارات الطبية، والرعاية الدائمة ، مما يشكل تحديًا للميزانيات الشخصية والأنظمة الصحية العامة.
ويتوقع الخبراء أن يتحسن السوق مع توافر المزيد من البيانات السريرية وتزايد عمليات الموافقة التنظيمية، مما يدفع نحو خيارات علاجية أكثر كفاءة من حيث التكلفة والأمان.
وتظل الموازنة بين الفوائد المحتملة من تأخير التدهور المعرفي والتحديات المالية والصحية، قضية معقدة تتطلب تقييمًا دقيقًا من قبل المرضى ومقدمي الرعاية، لتبقى مسألة مدى استفادة المرضى من هذه العلاجات محور نقاش مستمر في الأوساط الطبية والاقتصادية.
المصادر: أرقام- سي إن إن- منظمة الصحة العالمية- معهد IQVIA لتقارير الأدوية- جمعية الزهايمر- إدارة الغذاء والدواء الأمريكية
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}