نبض أرقام
03:27 ص
توقيت مكة المكرمة

2025/01/31
2025/01/30

إدمان بمليارات الدولارات .. لماذا تفشل القيود في هزيمة صناعة التبغ؟

2025/01/30 أرقام - خاص

رغم بلوغ "مارك ديلون" 46 عامًا فقط من العمر، فإنه يبدو أكبر من سنه بكثير، إذ تملأ التجاعيد العميقة وجهه، وتبدو بشرته شاحبة بسبب سنوات طويلة من التدخين.

 

أول سيجارة دخنها كانت في سن 16، مجرد لحظة طيش مع الأصدقاء، لم يتخيل أبدًا أنها ستتحول إلى إدمان يسرق صحته ويستنزف طاقته وراحة باله.

 

جاءه التحذير الأول في سن الأربعين، إذ بدأ يعاني من سعال لا يختفي أبدًا، ثم ظهرت مشاكل أخرى مثل ضيق التنفس وآلام في الصدر، وحذره الأطباء مرارًا من مواجهة مصير مؤلم إذا لم يقلع عن التدخين.

 

 

قصة "ديلون" الذي خاض رحلة طويلة من أجل الإقلاع عن التدخين لكنه فشل في نهاية المطاف، ليست فريدة من نوعها، بل إنه مثل ملايين المدخنين حول العالم، يدرك تمامًا الأذى الذي سببه التدخين لجسده، لكنه لا يزال

عاجزًا عن التحرر.

للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام

 

مدخنون مثل "ديلون" يمثلون العمود الفقري لصناعة التبغ لتحقيق أرباح قياسية، وذلك رغم محاولات التضييق عليهم، إذ تمنع العديد من البلدان التدخين في الكثير من الأماكن، مما يجعل المدخنين يعانون في العثور على مكان مريح لممارسة هذه العادة.

 

ورغم تصاعد الجهود العالمية للحد من استهلاك التبغ عبر فرض الضرائب العالية، وحظر الإعلانات، واعتماد قوانين صارمة، لا تزال الشركات العاملة في القطاع تحافظ على مبيعات قوية.

 

وسجلت أكبر ست شركات للتبغ في العالم مبيعات تُقدَّر بنحو 140 مليار دولار أمريكي في عام 2023، ما يعكس قدرتها على تحدي العقبات التنظيمية واستمرار الطلب على منتجاتها.

 

مقترح يتحدى أرباح شركات التبغ

وفي أيامها الأخيرة، سعت الإدارة الأمريكية السابقة إلى تبنّي اقتراح يفرض مزيدا من القيود على شركات التبغ، لجعل منتجاتها أقل إدمانًا من خلال تقليل نسبة النيكوتين في السجائر وبعض منتجات التبغ الأخرى.

 

وإذا واصلت الإدارة الحالية تبنّي هذا المقترح، فقد يشكل تحديًا جديدًا لشركات التبغ، وربما تحذو دول أخرى حذوها في حال نجاحه، ولكن السؤال هو هل يمكن لمثل هذه التحديات أن تحد من مكاسب تلك الشركات؟

 

أكبر شركات التبغ في العالم من حيث القيمة السوقية (وفقًا لبيانات ديسمبر 2024)

الترتيب

الشركة

البلد

القيمة السوقية
(بالمليار دولار أمريكي)

1

فيليب موريس

الولايات المتحدة

188.8

2

ألتريا جروب

الولايات المتحدة

88.8

3

بريتش أمريكان توباكو

المملكة المتحدة

80

4

آي تي سي ليمتيد

الهند

69.8

5

جابان توباكو

اليابان

26.9

6

إمبريال براندز

المملكة المتحدة

26.9

7

سمور إنترناشونال

هونج كونج

10.4

8

كيه تي آند جي

كوريا الجنوبية

7.8

9

جودفري فيليبس إنديا

الهند

3

10

آر إل إكس تكنولوجي

الصين

2.7

 

وأعلنت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية مؤخرًا اقتراحها فرض قيود على مستويات النيكوتين في السجائر وبعض أنواع منتجات التبغ الأخرى من أجل جعلها أقل إدمانًا، وهو ما رحبت به إدارة الرئيس السابق "جو بايدن".

 

وقالت إدارة الغذاء والدواء: "إذا جرى إقرار هذا المقترح، فسوف تكون الولايات المتحدة أول دولة في العالم تتخذ مثل هذا الإجراء الجريء والمنقذ للحياة، بهدف الحد من الأمراض والوفيات المرتبطة بالتدخين".

 

 

وتوقعت الإدارة أن يقلع أكثر من 12.9 مليون شخص يدخنون السجائر بعد عام واحد من تطبيق الاقتراح، وأن يرتفع العدد إلى 19.5 مليون شخص في غضون خمس سنوات.

 

وتصف "يولوندا سي ريتشاردسون"، رئيسة ومديرة تنفيذية لحملة أطفال بلا تبغ، هذا الاقتراح بأنه "يغير قواعد اللعبة ويسرع من انخفاض التدخين وينقذ ملايين الأرواح من السرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية وغيرها من الأمراض المرتبطة بالتبغ في حال تنفيذه".

 

كما حثّت إدارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" على المضي قدمًا في إقرار هذا المقترح وتنفيذه.

 

والنيكوتين مادة شديدة الإدمان، وتظهر الدراسات أن السياسة التي تخفض مستويات النيكوتين في منتجات التبغ يمكن أن تساعد ملايين الأشخاص على التوقف عن استخدامها أو التقليل منها.

 

وبحسب العديد من الدراسات، فإن معظم المدخنين يندمون على تبنّيهم هذه العادة ويريدون الإقلاع عنها، ولكنهم يجدون صعوبة في ذلك نتيجة إدمان النيكوتين.

 

وتشير الدراسات إلى أن معظم المدخنين بدأوا هذه العادة في سن الطفولة، رغم أن السن القانونية لشراء التبغ في العديد من دول العالم هو 18 عامًا، في حين رفع بعضها قيد السن إلى 21 عامًا.

 

كيف تتخطى شركات التبغ محاولات التضييق؟

تلجأ شركات التبغ إلى استراتيجيات متعددة من أجل مواجهة محاولات التضييق والقيود المفروضة عليها.

 

فقد تسعى إلى عرقلة تطبيق القرارات التنظيمية، مثل القيد الذي اقترحته إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، عبر المسارات القانونية، أو من خلال الترويج لمنتجات تبغ لا يشملها القرار، مثل السجائر الإلكترونية.

 

وفي كثير من الأحيان، تعزز شركات التبغ أرباحها من خلال زيادة أسعار منتجاتها، مما يساعدها على الحفاظ على مكاسبها رغم انخفاض أعداد المدخنين في بعض الأسواق.

 

ويظل هناك عدد كبير من المدخنين في العالم، على الرغم من أن عدد المدخنين ينخفض في العالم خاصة في الدول المتقدمة لأكثر من عقد من الزمان.

 

 

ووفقًا لتقديرات منظمة الصحة العالمية، بلغ عدد المدخنين البالغين حول العالم حوالي 1.25 مليار شخص في عام 2022، وهو ما يمثل انخفاضًا مقارنةً بعام 2000، حيث كان نحو ثلث البالغين يدخنون التبغ.

 

ولتعويض انخفاض مبيعات السجائر التقليدية، اتجهت الشركات الكبرى إلى تطوير وتسويق منتجات بديلة مثل السجائر الإلكترونية والتبغ المسخن، حيث تروج لها باعتبارها خيارات "أقل ضررًا"، مما يساعدها على استقطاب مدخنين جدد، خاصة من فئة الشباب.

 

وقد حظيت هذه المنتجات بانتشار واسع، مما ساهم في تعويض آثار انخفاض مبيعات السجائر التقليدية على أرباحها.

 

وبينما تتراجع معدلات التدخين في الدول المتقدمة بسبب التشريعات الصارمة، تجد شركات التبغ فرصًا جديدة في الأسواق الناشئة، حيث القوانين أقل صرامة والإقبال على التدخين لا يزال مرتفعًا.

 

ويعيش نحو 80% من متعاطي التبغ في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، ما يجعل هذه الأسواق محورًا رئيسيًا لنمو الصناعة.

 

كما تمكنت شركات التبغ من تجاوز القيود المفروضة على الإعلانات التقليدية من خلال اللجوء إلى استراتيجيات تسويق غير مباشرة، مثل الرعاية الرياضية، والتسويق عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وإطلاق منتجات بنكهات جذابة تستهدف فئات جديدة من المستهلكين.

 

 

كما تمتلك صناعة التبغ نفوذًا قويًا في السياسات العامة، حيث تضغط بقوة ضد القوانين التي قد تؤثر على مبيعاتها، وتستغل نفوذها في الحكومات والأسواق لحماية مصالحها.

 

كما تعمل تلك الشركات على التكيف مع القوانين الجديدة بدلًا من مواجهتها، مثل تقديم عبوات جديدة تتماشى مع المعايير الصحية، أو الترويج للسجائر الإلكترونية كبدائل مسموح بها في الأماكن التي يُحظر فيها التدخين التقليدي.

 

مكاسب لا تبالي بخسائر الآخرين

مكاسب شركات التبغ، تجعلها لا تبالي بالخسائر التي تتسبب فيها عادة التدخين، إذ بلغت إيرادات شركة فيليب موريس، وهي أكبر شركة تبغ في العالم 22.3 مليار دولار أمريكي في عام 2023 بزيادة تجاوزت 9% عن العام السابق.

 

في المقابل يتسبب التبغ في وفاة أكثر من 8 ملايين شخص سنويًا على مستوى العالم، منهم 7 ملايين بسبب الاستخدام المباشر للتبغ، ونحو 1.3 مليون حالة وفاة بين غير المدخنين نتيجة التعرض للتدخين غير المباشر، بحسب منظمة الصحة العالمية.

 

وعلى سبيل المثال تفقد الولايات المتحدة نحو 490 ألف شخص سنويًا بسبب الأمراض المرتبطة بالتبغ، ويعيش أكثر من 16 مليون أمريكي مع مرض مرتبط بالتدخين.

 

الخسائر الناجمة عن التدخين لا تقتصر على الوفيات فحسب، إذ تؤكد منظمة الصحة العالمية أن التدخين يفرض عبئًا اقتصاديًا هائلًا على مستوى العالم، يشمل نفقات الرعاية الصحية والخسائر في الإنتاجية.

 

وفي عام 2012، قُدرت التكلفة الاقتصادية الإجمالية للتدخين بحوالي 1.4 تريليون دولار أمريكي، أي ما يعادل 1.8% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي السنوي.

 

 

وفي الولايات المتحدة بلغت تكاليف الرعاية الصحية المرتبطة بالتدخين أكثر من 240 مليار دولار في عام 2018، وفقًا لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها.

 

ورغم جهود الدول المستمرة للحد من انتشار التدخين، لا تزال صناعة التبغ صامدة أمام القيود التنظيمية، معتمدة على استراتيجيات تسويقية متطورة، وأسواق جديدة تعوض تراجع استهلاك التبغ في الدول المتقدمة.

 

هذا الصمود يطرح تساؤلًا حول قدرة القيود والتشريعات الصارمة مستقبلًا على إضعاف هذه الصناعة، وإمكانية تجاوز شركات التبغ لهذه القيود ومواصلة التكيف والتوسع، مستغلة إدمان الملايين لتحقيق مزيد من الأرباح الضخمة.

 

المصادر: أرقام- سي إن إن- توباكو كونسيدر- ستاتيستا- منظمة الصحة العالمية- مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها- رويترز

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.