مع اقتراب مرحلة التقاعد، يبدأ العديد من الأفراد في البحث عن طرق تضمن لهم استقرارًا ماليًا، وتوفر استدامة لدخلهم خلال سنوات تقاعدهم.
وفي ظل التحديات الاقتصادية المتزايدة، يُطرح سؤال مهم: كيف يمكن للمتقاعدين تعزيز مواردهم المالية دون الاعتماد الكلي على المعاشات التقاعدية؟ وهنا يأتي دور الاستثمار في سوق الأسهم باعتباره أحد الحلول الفعالة، ما قد يفتح آفاقًا جديدة لتحقيق عوائد مجزية.
ورغم أن البعض ينظر إلى الاستثمار في الأسهم باعتباره محفوفًا بالمخاطر، فإنه على أرض الواقع يقدم العديد من الفوائد، في مقدمتها دعم المتقاعدين في تلبية احتياجاتهم المالية بفعالية من خلال الأرباح المحققة من هذا الاستثمار.
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
كما يعمل في كثير من الأحيان على حماية أموال التقاعد من عواقب التضخم.
ومع ذلك يظل التحدي الأساسي هو كيف يمكن للمتقاعدين الاستفادة من الاستثمار في سوق الأسهم، في ظل مراعاة المخاطر المحتملة، الأمر الذي يعني ضرورة التخطيط المحكم والذكي قبل انتهاج هذا الطريق.
المكاسب المتوقعة من استثمارات بسوق الأسهم
مقارنة بالخيارات الاستثمارية الأكثر تحفظًا مثل السندات أو حسابات التوفير، يقدم سوق الأسهم عوائد أعلى على المدى الطويل.
ويمكن للمتقاعدين الاستفادة من هذه العوائد الأعلى لتنمية مدخرات التقاعد ومواكبة التضخم، وهو أمر حيوي للحفاظ على القوة الشرائية على مر السنين.
فمع ارتفاع متوسط أعمار البشر في أرجاء العالم، وتوفر فرص التقاعد المبكر في العديد من الدول، أصبح التقاعد ماراثونًا أكثر طولًا، وليس مجرد سباق قصير.
تطور أعداد الذين يبلغون سن 65 عامًا فأكثر في العالم حتى 2050 (وفقًا لبيانات الأمم المتحدة) |
|
السنة |
أعداد كبار السن (بالمليون نسمة) |
2018 |
258 |
2021 |
761 |
2022 |
771 |
2030 |
994 |
2050 |
1600 |
حتى بالنسبة لأولئك الذين يتقاعدون في سن 65 عامًا، ربما عليهم أن يخططوا لمدة تقاعد قد تصل إلى 30 عامًا، حيث تشير دراسة حديثة من بنك جي بي مورجان إلى أن هناك احتمالًا بنسبة 46% على الأقل لأحد الزوجين غير المدخنين للعيش حتى سن 95 عامًا.
وعند النظر لأموال التقاعد باعتبارها استثمارًا قصير الأجل، عادة يسحب المتقاعدون شهريًا من حساب مدخراتهم بغرض الإنفاق على احتياجاتهم، وهو ما يشكل خطرًا على تلك المدخرات.
ولكن الأمر يختلف عندما يجري التخطيط لأموال التقاعد كاستثمار طويل الأجل، إذ تنخفض مستويات القلق بشأن التقلبات المحتملة في أسعار الأسهم، ويصبح الهدف هو جعل قيمة مدخراتهم عبر الاستثمار أعلى من معدلات التضخم.
ففي السوق الأمريكية على سبيل المثال، منذ عام 1977 وعلى مدار ثلاثة عقود، حققت الأسهم عائداً يعادل ضعف عائد سندات الخزانة.
مع الأخذ في الاعتبار أن أسعار الأسهم أكثر تقلباً من سعر سندات الخزانة، إذ إن الانحراف المعياري للأسهم، وهو أداة شائعة لقياس التقلب، أعلى بخمس مرات من سندات الخزانة على مدى السنوات الخمسين الماضية.
ولكن إذا نظر المتقاعدون إلى أنفسهم كمستثمرين طويلي الأجل، كما ذُكر من قبل، فقد يمنحهم ذلك الصبر اللازم للتعامل مع هذا التقلب، بالإضافة إلى إن تنوع محفظة الأسهم من شأنه أن يخفف من التأثير السلبي لتقلب الأسعار.
ومن بين فوائد التي يجنيها المتقاعدون من الاستثمار في الأسهم، هو أن تلك الأسهم لديها توزيعات أرباح سنوية يمكن أن توفر مصدر دخل مستقرًا لهم، خاصة إذا كان نظام الشركة يسمح بتوزيع الربح كل ثلاثة أشهر.
ويمكن للمتقاعدين استخدام دخل الأرباح لتغطية نفقات المعيشة دون الحاجة إلى بيع استثماراتهم، وبالتالي الحفاظ على رأس المال، إضافة إلى أن النتائج الإيجابية لأرباح الشركات تدفع قيمة السهم للارتفاع، الأمر الذي يوفر حماية لأموال التقاعد من شبح التضخم.
ويقدم سوق الأسهم مجموعة واسعة من خيارات الاستثمار عبر مختلف القطاعات، إذ يمكن للمتقاعدين تنويع محافظهم لتقليل المخاطر من خلال توزيع استثماراتهم عبر أنواع مختلفة من الأسهم وفئات الأصول الأخرى، ما يخفف من تأثير الأداء السلبي لأي استثمار فردي.
كما تُعد الأسهم استثمارات ذات سيولة نسبية، ما يعني أنه يمكن شراؤها وبيعها بسرعة، وتتيح هذه السيولة للمتقاعدين الوصول إلى الأموال عند الحاجة، الأمر الذي يوفر المرونة لإدارة النفقات غير المتوقعة أو تعديل محافظهم وفقًا لظروف السوق.
اعتبارات عند استثمار المتقاعدين في البورصة
يمكن لأسهم الشركات الكبرى، وهي أسهم في شركات كبيرة وراسخة وذات أوضاع مالية جيدة، أن تكون مستقرة نسبيًا وتقدم إمكانية النمو إلى جانب الأرباح.
ويقول "كليف أمبروز" مؤسس ومدير الثروات في شركة أبكس ويلث: "توفر الأسهم الممتازة فرصة للاستقرار والدخل الموثوق به من خلال الأرباح المنتظمة من الشركات الراسخة ذات الوضع المالي القوي".
أفضل الشركات العالمية التي لديها عائد أرباح قوي ومستدام بحسب موقع ورلد أوف دفايداندز |
||||||
الترتيب |
|
اسم الشركة |
|
القطاع |
|
نسبة توزيع الأرباح |
1 |
|
أريس كابيتال |
|
إدارة الأصول |
|
8.56% |
2 |
|
ليونديلباسل |
|
الكيماويات |
|
7.12% |
3 |
|
فيريزون |
|
الاتصالات |
|
7.08% |
4 |
|
داو |
|
الكيماويات |
|
6.99% |
5 |
|
هايوودز بروبيرتيز |
|
استثماري عقاري |
|
6.83% |
6 |
|
دبليو بي كاري |
|
استثمار عقاري |
|
6.49% |
7 |
|
إنتربرايز برودكتس بارتنرز |
|
خدمات نفطية |
|
6.40% |
8 |
|
إنبريدج |
|
خدمات نفطية |
|
6.09% |
9 |
|
ريالتي إنكوم |
|
استثماري عقاري |
|
5.96% |
10 |
|
إن إن إن للاستثمار العقاري |
|
استثماري عقاري |
|
5.92% |
وتتمتع أسهم الشركات الممتازة في البورصات العالمية بوضع مالي مريح، كما أن أسهمها أقل تقلبًا ولديها تاريخ من الأداء المستقر، وهذا يجعلها مثالية للمتقاعدين الذين يسعون إلى تحقيق عوائد ثابتة ومخاطر أقل.
لذا ينصح الخبراء بأن أفضل الأسهم ليست بالضرورة هي الأسهم الأعلى عائدًا، ويشيرون إلى أنه يجب النظر إلى ما هو أبعد من عائد السهم، والعمل على اختيار الأسهم ذات العوائد الدائمة.
وفي هذا الإطار يوضح "دان ليفكوفيتز"، الاستراتيجي في مورنينج ستار إندكسز، أنه "من المهم أن تكون انتقائيًا عندما يتعلق الأمر بشراء الأسهم التي تدفع أرباحًا".
وأضاف أن "البحث عن أكثر المناطق ثراءً بالعائد في السوق يمكن أن يقودك غالبًا إلى مناطق متعثرة وفخاخ أرباح لشركات قد تتمتع بعائد جيد لكنه غير مستدام.. في النهاية عليك أن تفحص متانة الأرباح وموثوقيتها في المستقبل".
كما يمكن للمتقاعدين المشاركة في الاكتتابات العامة الأولية، والتي قد تمثل فرصة مهمة لتعزيز محافظهم الاستثمارية وتحقيق عوائد مالية محتملة.
تُمكّن الاكتتابات العامة المستثمرين أيضًا من شراء أسهم الشركات الناشئة أو المتوسعة بسعر الطرح الأولي، ما يتيح لهم الاستفادة من أي ارتفاع في قيمة السهم بعد بدء التداول.
عملية إضافة أسهم عبر الاكتتابات العامة إلى محفظة الأسهم تسهم في تنويع الاستثمارات، ما يقلل من المخاطر المرتبطة بالاعتماد على نوع واحد من الأصول، كما تُتيح الفرصة للاستثمار في شركات ذات إمكانيات نمو عالية، والتي قد لا تكون موجودة مسبقًا بالسوق.
لكن هناك عدة نصائح للمتقاعدين قبل المشاركة في الاكتتابات العامة الأولية، أولها البحث والتحليل، إذ يُنصح بدراسة الشركة المطروحة للاكتتاب وفهم نموذج عملها وآفاق نموها المستقبلية.
ويجب أيضًا مراعاة أن الاكتتابات العامة قد تحمل مخاطر، خاصة إذا كانت الشركة جديدة أو تعمل في قطاع متقلب، لذا يُفضل التواصل مع مستشار مالي لتقييم مدى ملاءمة الاستثمار في الاكتتابات العامة لظروفك المالية وأهدافك الاستثمارية.
ومع اتخاذ قرار الاستثمار في سوق الأسهم يجب على المتقاعدين إدراك أنه رغم تلك الفوائد، فإنه يجب أن يبقوا حذرين بشأن المخاطر المرتبطة بهذا القرار، عبر انتهاج بعض الاستراتيجيات التي يمكنها أن تضمن لهم استثمارًا آمنًا دون مخاطر عالية.
ومن بين تلك الاستراتيجيات؛ يجب على المتقاعدين موازنة محافظهم بمزيج من الأسهم المتنوعة التي تراعي مدى قدرتهم على تحمل المخاطر وأهدافهم المالية، مع السعي لإعادة التوازن بانتظام لتلك المحفظة.
ويساعد تعديل المحفظة بشكل دوري للحفاظ على تخصيص الأصول المطلوبة في إدارة المخاطر، وتوافق المحفظة مع ظروف السوق المتغيرة وأيضًا الظروف الحياتية.
كما يجب على المتقاعدين النظر في أفقهم الاستثماري واحتياجات السيولة عند اختيار الأسهم، إذ لا ينبغي أن يؤثر تقلب السوق على المدى القصير بشكل مفرط على القرارات الاستثمارية طويلة الأجل.
ويمكن أن توفر استشارات المتقاعدين مع الوسطاء الماليين في اتخاذ قرارات صائبة وإنشاء استراتيجيات استثمار مخصصة تتماشى مع خطط تقاعدهم.
إذ يستطيع الوسيط تقديم توصيات وتحليلات للسوق، تشمل تقييم الأسهم، وتوقعات الأرباح، وتحليل اتجاهات السوق، ويساعد هذا الدور المتقاعدين كثيرًا، خصوصًا غير المحترفين، على اتخاذ قرارات استثمارية مستنيرة.
في نهاية المطاف، يقدم الاستثمار في سوق الأسهم للمتقاعدين إمكانية تحقيق عوائد أعلى، ودخل من الأرباح، وتنويع، وسيولة، ومزايا ضريبية.
ومن خلال النظر بعناية في الوضع المالي لكل متقاعد ومدى قدرته على تحمل المخاطرة وفرص الاستثمار، يمكن الاستفادة من استثمارات سوق الأسهم لتعزيز مدخراته، ودعم احتياجاته المالية لما يضمن توفير حياة كريمة له خلال سنوات ما بعد التقاعد.
المصادر: أرقام- فانجارد- مورننج ستار- انفستوبيديا- فوربس- بلومبرج- الأمم المتحدة- ورلد أوف دفايداندز- مورنينج ستار إندكسز
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}