نبض أرقام
12:31 ص
توقيت مكة المكرمة

2025/01/18
2025/01/17

شركات إدارة الأصول في سوق الأسهم .. استقرار أم نفوذ وتلاعب؟

2025/01/17 أرقام - خاص

"إلى متى علينا أن نصبر على ازدياد نفوذ هذه الشركات حتى نقرر أنه يكفي ما تحوزه من قوة وسيطرة وأن علينا فعل شيء حيال ذلك؟".. هذا ما كتبه "فرهاد مونغو" أحد كتاب "نيويورك تايمز" حول توسع تأثير ونفوذ الشركات العملاقة لإدارة الأصول.

 

فكثيرًا ما تظهر انتقادات لكيفية عمل سوق الأسهم، لا سيما الأمريكي، بسبب تأثير الشركات العملاقة لإدارة الأصول على كيفية عمل السوق، ومدى تأثير قرارات تلك الكيانات الضخمة على المتداولين الأفراد الذي يرون في السوق "لعبة غير متوازنة"، تتمتع فيها الشركات التي تدير استثمارات بتريليونات الدولارات في بعض الأحيان بميزة نسبية في مواجهتهم، سواء باستغلال حجم الاستثمارات أو بالمعلومات الحصرية التي "قد" تحصل عليها.

 

الشركات الثلاث الكبرى والأسهم

 

ولتبيان تأثير تلك الشركات يكفي الإشارة إلى ما يعرف بـالشركات الثلاث الكبرى في هذا الإطار، وهي:

 

للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام

 

بلاك روك: تدير أكثر من 11 تريليون دولار من الأصول، وتؤثر تحركاتها وقراراتها في سوق الأسهم بشكل مباشر أو غير مباشر على 30% من سوق الأسهم الأمريكي.

 

فانجغارد: تدير أكثر من 9 تريليونات دولار من الأصول، وتؤثر على 25% من سوق الأسهم الأمريكي.

 

ستيت ستريت: تدير أكثر من 4 تريليونات دولار من الأصول، وتؤثر على 15% من سوق الأسهم الأمريكي.

 

وهنا يجب الانتباه إلى أن تأثير تلك الشركات كثيرًا ما يتقاطع، أي أن تلك النسب المئوية لا يجب جمعها من جهة، كما أن حجم التأثير على الأسهم مختلف، فعندما تبيع "بلاك روك" أسهمًا في شركة في قطاع التأمين مثلًا، فإن ذلك يؤثر على أسهم الشركة بشكل مباشر، كما سيؤثر على قطاع شركات التأمين بأكمله، فضلاً عن التأثير على الشركات التي تتعامل مع تلك الشركة أو ترتبط بها بشكل أو بآخر.

 

وتقدر بعض المصادر أن تلك الشركات العملاقة الثلاث تسيطر على 70% من سوق الإدارة المالية في الولايات المتحدة، وأن عدد عملائها يصل إلى عشرات الملايين حول العالم، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال برامج خدمة العملاء الآلية، بل تعتبر "بلاك روك" أنها تخدم مئات الملايين من العملاء عالميا منفردة، من خلال تسييرها لاستثمارات العديد من الشركات وصناديق التقاعد والصناديق الاستثمارية التي تمثل هؤلاء العملاء.

 

ولا يقتصر الأمر على تلك الشركات بالطبع، فهناك شركات عملاقة أخرى في هذا المجال، مثل "جي بي مورغان" و"فيديلتي" على سبيل المثال لا الحصر، ولكن أحجام تلك الشركات الثلاث ومدى تأثيرها على السوق يعطي فكرة واضحة عن مدى توغلها وامتداد آثار قراراتها على غيرها.

 

إيجابيات

 

ولا يخلو وجود تلك الشركات في السوق من آثار إيجابية، حيث يشير تقرير لـ"ماكنزي" إلى مسؤولية عمالقة الاستثمار وشركات إدارة الأصول الأمريكية الكبيرة عن إتاحة وفرة كبيرة من السيولة في السوق الأمريكي، حيث تعمل على توفير ما نسبته 30% من السيولة في السوق، بما يعمل على تيسير عمليات التداول فضلًا عن جعل التداول منظمًا بصورة أكبر في ظل قرارات استثمارية أكثر استقرارًا وهدوءا.

 

 

وبالحديث عن الهدوء في الأسواق فإن ميل شركات إدارة الأصول لحيازة الأسهم لفترات طويلة نسبيًا، يختلف من شركة لأخرى ولكن بمتوسطات تقدر بالسنوات وليس بالأشهر، وبشكل عام تتراوح بين 3-5 سنوات، مما يعمل على خلق حالة من الاستقرار النسبي في السوق، ويهدئ من تأثيرات المتداولين الفرديين الأقل خبرة في السوق، ويمكن تخيل أثر تداول حجم هذه الأموال التي تديرها الشركات بشكل مستمر على أيدي أفراد وليس مؤسسات في زيادة حالة عدم الاستقرار في السوق.

 

وتشير "فانغارد" إلى أنها تعمل على تقليل تكاليف التداول على الأفراد بنسبة 20-30% على الأقل من خلال اقتطاع المراحل المتعلقة بالمستشارين والسماسرة في البورصة وقيامها بالعملية بشكل كامل، وما تقوله "فانغارد" ينسحب بدرجات مختلفة على بقية شركات إدارة الأصول التي تقول إن مهمتها هي تيسير التداول في السوق وتقليل تكاليفه وتعقيداته، ويشير تقرير لـ"ديلويت" إلى أن شركات إدارة الأصول تعمل على تحسين إدارة الأفراد لأصولهم بشكل عام وتطوير قراراتهم المالية وزيادة مكاسبهم بنسبة 25-30% في المتوسط.

 

تأثير استثنائي

 

وفي مقابل تلك المزايا يظهر العديد من العيوب، ولعل أبرزها اتهامات بـ"تركيز السلطة الاقتصادية العالمية" في أيدي تلك الشركات، حيث تستطيع التأثير مع غيرها من كبرى شركات إدارة الأصول، على 60-80% من سوق الأسهم الأمريكي، وعلى نسب متفاوتة من الأسواق العالمية، لا سيما تلك في جنوب شرق آسيا والتي تنخرط فيها تلك الصناديق بنسب أكبر من الأسواق الأوروبية، فضلا عن آثار تحركات استثماراتها المستمر على الدول النامية.

 

كما تكشف دراسة لجامعة "بوسطن" الأمريكية عن نمو لافت وسريع لحجم قدرة تلك الشركات التصويتية في شركات مؤشر "ستاندرد آند بورز 500"، حيث نمت من أقل من 10% إبان الأزمة المالية العالمية إلى قرابة ربع القوة التصويتية لتلك الشركات مع بداية أزمة كورونا، مع توقع الدراسة بلوغ تلك القدرة التصويتية المباشرة حوالي 40% خلال العقدين المقبلين فحسب بما سيشكل المزيد من تركز السلطة الاقتصادية في يدها.

 

 

وكشف تحقيق لـ"هيئة السلوك المالي" البريطاني عن ارتباط واضح بين تلك الشركات الضخمة وبين بعض حالات التلاعب المالي، بما يؤشر لإمكانية التلاعب في أسعار الأسهم بشكل يخدم مصالحها، ويضر بغيرها، ويعمل على نقل الأموال من المستثمرين الأقل خبرة وثروة -أو الأضعف- إلى عمالقة إدارة الأصول.

 

قلة تتحكم في كل شيء

 

ويشير "جون كوتس" في كتاب "المشكلة الـ12: عندما تتحكم مؤسسات مالية محدودة في كل شيء" إلى أن الشركات الكبرى اشترت نسبية كبيرة من الأسهم التي تم بيعها إبان الأزمة المالية العالمية، وإبان أزمة كورونا، مشيرًا إلى تضارب التقديرات في هذا الخصوص لكن يمكن القول إن 12-15% من المؤشر الأمريكي الرئيسي للأسهم انتقل إلى الشركات الضخمة لإدارة الأصول خلال تلك الأزمتين، بما يعكس استغلالًا واضحًا لمثل تلك الأوقات المتأزمة.

 

ويشير "كوتس" إلى أن تلك الشركات تستطيع الشراء بأسعار منخفضة وتحمل الانتظار لفترات طويلة لا يستطيع المتداول الصغير تحملها تقليديًا، بما يجعلها تستفيد من تلك الأزمات بشدة، حيث تعتبر تلك هي وسيلتها لتوظيف "الكاش" في استثمارات تحقق لها أرباحًا كبيرة، والدليل على ذلك ارتفاع أرباح شركات إدارة الأصول الأمريكية الكبرى بنسبة تراوحت بين 10-20% في أعقاب السوق المنخفض الذي ظهر في أول أزمة كورونا.

 

ويوضح "كوتس" أن الشركات الكبرى الثلاث لإدارة الأصول تمتلك أسهمًا في 96% من شركات مؤشر "ستاندرد آند بورز"، وعلى الرغم من أن أيًا منها لا يمتلك حصص أغلبية في أية شركة، ولكنها في الكثير من الشركات تمتلك حصص أقلية معتبرة تتيح لها منفردة أو مجتمعة -لا سيما في حالة التنسيق بينها- التأثير على قرارات تلك الشركات وتوجهات مجالس إداراتها.

 

ويرى "كوتس" أنه لا حاجة لتلك الشركات للعمل سويًا بشكل تآمري مثل العصابات في اجتماعات مغلقة بعيدة عن الأعين كما يعتقد الكثيرون، بل تدور فكرة "التنسيق غير المعلن" بينهم على النظرة الواحدة للأصول والتي تتأتى من الاجتماعات مع كبار المسؤولين الاقتصاديين ومدراء الشركات وحتى مع بعضهم البعض، فضلًا عن تلقي مدراء شركات إدارة الأصول لتعليم متشابه واعتمادهم حتى على برامج ذكاء اصطناعي شبه متماثلة، وإن اختلفت من حيث الحجم والتأثير.

 

وفي هذا الإطار يحذر تقرير لـ"برايس ووترهاوس كوبرز" من أن كبرى شركات إدارة الأصول قد تتسبب في أزمات عنيفة للغاية في سوق الأسهم مستقبلًا بسبب الإفراط في الاعتماد على التكنولوجيا لا سيما أنظمة التداول الآلي والذكاء الاصطناعي، حيث أصبحت تلك الأدوات تدخل بدرجة أو بأخرى في 80% من تعاملات تلك الشركات، بما يجعل تأثير أية اختراقات سيبرانية لأي من عمالقة الاستثمار العالميين هؤلاء مدمرًا للسوق ككل، لا سيما إذا لم يتم احتواؤه سريعًا.

 

 

ولمواجهة انتقادات "كوتس"، وهو أستاذ بارز في جامعة "هارفارد"، وغيره، لجأت شركات إدارة الأصول الكبرى إلى طرح برامج للاستثمار في الأسهم تسمح للمستثمرين الأفراد لديها بالتصويت على القرارات التي تتخذها الشركة كل فترة، لا سيما حول طبيعة القطاعات التي يتم الاستثمار فيها أو تلك التي يتم التخلي عنها، حتى تمنح صغار المستثمرين "صوتًا" كما أشارت بيانات الشركات الكبرى ولتعطي طابعًا ديمقراطيًا لإدارة الأصول.

 

غير أن الواقع يُظهر أن تأثير هذا الأمر يبقى محدودًا لأكثر من سبب أهمها أنه يشمل نسبة محددة صغيرة من الأصول والأسهم، وثانيًا لأن المستثمرين الصغار عادة ما يثقون ويرجحون الخيار الذي تحبذه شركة إدارة الأصول على حساب أي خيار آخر، خصوصاً في ظل التعامل المباشر مع موظفين موكلين بإدارة استثماراتهم، عادة ما يكونون مصدرا للثقة الشخصية لديهم.

 

ومن هنا يجب التأكيد على أن وجود إدارة الأصول له مزايا على رأسها الحفاظ على قدر أكبر من الاستقرار للأسواق، ومنع "السقوط السعري الحر" لها في حالات نوبات الهلع، ولكن يبقى نفوذها وتأثيرها الواسع على الأسواق محل انتقاد واسع، لا سيما في ظل تنام كبير لحجم رؤوس الأموال التي تديرها، بما يخلق المزيد من الصعوبات على المستثمرين الفرديين في مواجهة الميزة النسبية التنافسية التي تخلقها اقتصادات الحجم، و"حصرية" بعض المعلومات والتحليلات.

 

المصادر: أرقام- كتاب " The Problem of 12: When a Few Financial Institutions Control Everything,”- بلومبرغ- ماكينزي- نيويورك تايمز

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.