نبض أرقام
05:44 م
توقيت مكة المكرمة

2024/12/18
2024/12/17

بعدما كانت الوجهة الاستثمارية الأولى .. الصين تفقد جاذبيتها أمام الشركات الأجنبية

11:26 ص (بتوقيت مكة) أرقام

أصبح مناخ الأعمال التجارية الأجنبية في الصين أكثر تشددًا بصورة كبيرة منذ ولاية "دونالد ترامب" الأولى، رغم الجهود التي تعلنها القيادة الصينية للترحيب بالشركات الدولية.
 

نظرًا لأن اقتصاد الصين يشهد حالة من تباطؤ النمو في ظل ضعف الطلب وأزمة العقارات المستمرة فضلاً عن التوترات الجيوسياسية التي تلوح في الأفق، والتعريفات الجمركية الأمريكية، وبالتالي يفقد ثاني أكبر اقتصادات العالم بريقه تدريجيًا أمام الشركات الأجنبية، وخاصة مع توافر وجهات تصنيع بديلة في دول مثل الهند وفيتنام.
 

ورغم ذلك، وبعد سنوات من العزلة بسبب القيود المتعلقة بفيروس "كوفيد-19"، تُصر الحكومة الصينية على أن البلاد مفتوحة مرة أخرى أمام الأعمال التجارية، وأن الإصلاحات جعلت الحياة أكثر سهولة بالنسبة للشركات الأجنبية.
 

إذ أظهرت بيانات مجلس تعزيز التجارة الدولية في الصين -الذي تسيطر عليه وزارة التجارة- أن 90% من الشركات الأجنبية تصف تجربتها في البلاد على أنها مُرضية أو أفضل من ذلك.
 

ويزعم مسح أجراه المجلس مؤخرًا، أن الشركات الأجنبية ترى أن الاقتصاد قوي والأسواق المحلية جذابة وتوقعاتها مشرقة، لكن سخر مسؤولون تنفيذيون من تلك الشركات من النتائج، لأن الكثير منهم يكافح لتبرير مواصلة الاستثمار في الصين.
 


 

وهو ما أكده مسح آخر أجرته غرفة التجارة الأمريكية في شنغهاي والذي أظهر أن أقل من نصف من شملهم المسح متفائلين بشأن آفاق أعمالهم في الصين على مدى الخمس سنوات المقبلة، وهو أدنى مستوى على الإطلاق.
 

للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام

 

وفي مايو، كشف استطلاع سنوي أجرته غرفة التجارة الأوروبية أن 15% ممن شملهم المسح ذكروا أن الصين وجهتهم الاستثمارية الأولى، بعدما ظلت تلك النسبة على مدار سنوات عند حوالي 20%.
 

وعقدت بالفعل وزارة التجارة الصينية اجتماعًا في أغسطس مع الشركات الأجنبية التي تقوم باستثمارات كبيرة في البلاد ووعدت بمعالجة أي عقبات تمويلية وبيروقراطية تواجهها، وشمل الحضور ممثلين عن شركة الألعاب الدنماركية "ليجو" وصانعة الأدوية "موديرنا".
 

الاستثمارات المباشرة للشركات الأجنبية في الصين (وفق بيانات إدارة الدولة الصينية للنقد الأجنبي)

العام

قيمة الاستثمارات المباشرة
(مليار دولار)

الربع الأول من 2022

107.21

الربع الثاني من 2022

37.76

الربع الثالث من 2022

15.8

الربع الرابع من 2022

30.05

الربع الأول من 2023

23.56

الربع الثاني من 2023

13.57

الربع الثالث من 2023

(12.06)

الربع الرابع من 2023

17.67

الربع الأول من 2024

10.20

الربع الثاني من 2024

(14.8)

 

الصين تفقد بريقها
 

كانت الشركات الغربية تتدفق للصين قبل عقد من الزمان بسبب العمالة الرخيصة والوفيرة والقوة الشرائية لعدد سكانها، لكن اشتدت المنافسة المحلية في قطاعات السيارات والصلب والملابس الرياضية وغيرها والتي تكون مصحوبة غالبًا بحروب أسعار قاسية.
 

وبدأت الشركات من حول العالم تقليص أنشطتها في الصين، حيث باعت "وول مارت" في أغسطس حصة عمرها 8 سنوات كانت تمتلكها في إحدى منصات التجارة الإلكترونية الصينية مقابل 3.6 مليار دولار، وأغلقت آي بي إم" معاهد بحثية في الصين، ما أثر على ما يزيد على ألف وظيفة.
 

 وذكرت شركات كبرى مثل "هيرمس" و"لوريال" و"كوكاكولا" و"يونايتد إيرلاينز" و"مرسيدس" أن العملاء الصينيين يحدون من إنفاقهم مع استمرار أزمة العقارات وارتفاع البطالة بين الشباب.
 


 

وقال "جيمس كوينسي" المدير التنفيذي لشركة "كوكاكولا" في أكتوبر إن بيئة التشغيل في الصين لا تزال صعبة.
 

لكن أوضحت وكالة التخطيط الاقتصادي في شنغهاي مؤخرًا أن انخفاض الاستثمار الأجنبي في شنغهاي يرجع جزئيًا إلى قيام شركات مثل الموردين لـ "آبل" بنقل طاقتها الإنتاجية للخارج.
 

وذلك مع زيادة تركيز صانعة الآيفون على المصادر من الهند وفيتنام بعد التوترات الجيوسياسية وقيود الإغلاق المتعلقة بالوباء التي شهدتها الصين.
 

صناعة السيارات الأكثر تضررًا
 

أما في صناعة السيارات، فتعمل الشركات على تقليص حجمها لأن السوق أصبح يسيطر عليه الشركات المحلية وأصبحت أغلب السيارات الجديدة المباعة إما كهربائية أو هجينة بدلاً من العاملة بالبنزين التي تتمتع فيها الشركات الغربية بميزة تنافسية لفترة طويلة.
 

وفي وقت سابق من هذا الشهر، أبلغت "جنرال موتورز" الأمريكية المساهمين أنها ستخفض قيمة أعمالها في الصين بأكثر من 5 مليارات دولار، حيث تتعاون صانعة السيارات مع "سايك موتورز" لتصنيع سيارات "بويك" و"شيفروليه" و"كاديلاك".
 

وذكرت المديرة التنفيذية "ماري بارا" أن الشركة وشريكتها الصينية تتخذان خطوات جريئة لضمان النمو المستدام في الصين.
 


 

ودخلت "جنرال موتورز" السوق الصينية في أواخر التسعينيات، وبحلول 2010 كانت تبيع عددًا أكبر من السيارات في الصين مقارنة مع الولايات المتحدة، ووصلت ذروة مبيعات المشروع المشترك في 2018 عند مليوني سيارة سنويًا.
 

لكن تضررت مبيعات السيارات الأجنبية مع تزايد المنافسة من الشركات الصينية، وتراجعت مبيعات مشروع "جي إم – سايك" بنسبة 59% في أول أحد عشر شهرًا من هذا العام إلى 370.989 ألف سيارة بينما باعت الصينية "بي واي دي" أكثر من 10 أضعاف ذلك في نفس الفترة.
 

حصة العلامات التجارية الأجنبية من مبيعات السيارات الصينية (حسب بيانات رابطة سيارات الركاب)

 

العام

الحصة السوقية

2019

62.2 %

2020

64.3 %

2021

58.8 %

2022

52.7 %

2023

48.2 %

2024 (حتى النصف الأول فقط)

43 %

 

نموذج آخر، اليابانية "نيسان موتور" تعمل على خفض 9 آلاف وظيفة، وتقليص قدرتها التصنيعية بصورة كبيرة بسبب انخفاض مبيعاتها في الصين والولايات المتحدة، أما عن الكورية "هيونداي" فباعت مصنعها في تشونغتشينج غرب الصين إلى شركة محلية، بعد تراجع مبيعاتها.
 

إعادة الهيكلة ليست كافية
 

يحث بعض المحللين شركات صناعة السيارات الأمريكية في ديترويت على خفض خسائرها والتخارج تمامًا من أكبر سوق للسيارات في العالم، لكن تعتبر "تسلا" استثناءً لأنها لا تزال تعتمد بصورة كبيرة على الصين.
 

وأصبح من الواضح بالنسبة لـ "جنرال موتورز" وغيرها مثل "فورد موتور" و"فولكس فاجن" و"تويوتا موتور" أن رواجها الصيني قد انتهى، وأن الشركات الأجنبية تخسر المعركة أمام الشركات الصينية الناشئة التي استفادت من أكثر من 230 مليار دولار من الإعانات الحكومية على مدى السنوات الـ 15 الماضية.
 

وذكر "مايك دون" أحد المسؤولين التنفيذيين السابقين لدى "جي إم" ومستشار في السوق الصينية: لقد شهدنا انهيار الحصة السوقية والأرباح في آن واحد، وشركات صناعة السيارات الرائدة عاجزة عن وقف ذلك.
 


 

لأن الشركات الأجنبية فوجئت بالموديلات الكهربائية الصينية التي تتميز بأنظمة معلوماتية ترفيهية متقدمة وغالبًا ما تكون أقل تكلفة، ولا يستطيع "إيلون ماسك" نفسه مواكبة "بي واي دي" التي تواصل الابتكار والتفوق على "تسلا" في المبيعات في الصين.
 

وربما لا تكون إعادة الهيكلة ليست كافية بالنسبة لـ "جنرال موتورز"، وربما تتبع في النهاية مصير شركات أخرى مثل "أوبر" التي وجدت أن أفضل طريقة لطمأنة مستثمريها هو استبعاد الصين من استراتيجيتها طويلة الأجل بالكامل.
 

لكن اتخاذ هذه الخطوة التي لا رجعة فيها يشكل تحديًا لـ "جنرال موتورز" التي أمضت عقودًا طويلة في محاولة الهيمنة على سوق السيارات الصينية.
 

الموقف يزداد تعقيدًا
 

أظهر استطلاع رأي أجري عام 2019، أن أكثر من نصف المستهلكين في الصين تجنبوا السلع الأمريكية منذ بدء الحرب التجارية، إلى جانب جهود الحكومة التي دفعت لتفضيل الشركات المحلية على الأجنبية.
 

ومع تهديد الرئيس الأمريكي المنتخب "دونالد ترامب" بفرض رسوم جمركية إضافية على الواردات من الصين، تشعر الشركات الأمريكية بقلق متزايد لأن هذا النهج المتشدد يهدد آفاق أعمالها في الصين وقد يجعلها بمثابة أهداف للجانب الصيني للانتقام من واشنطن.
 

ذكر "سكوت كينيدي" المستشار الكبير في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية أنه قد يُنظر لحركات إدارة "ترامب" أو يتم تفسيرها على أنها حرب اقتصادية، وإذا حدث ذلك فقد يكون لدى الصين رد أكثر قوة وليس مقتصرًا على التعريفات الجمركية الانتقامية.
 


 

ويرى "مايكل هارت" رئيس غرفة التجارة الأمريكية في الصين أن الجزء الأسوأ هو أن العلامات التجارية الاستهلاكية التي ليست ذات طبيعة استراتيجية وليست مثيرة للجدل ولن تخضع لقيود التصدير، قد يعاقبها المستهلك المحلي بسبب جنسيتها.
 

هذا فضلاً عن خطر إجراء تغييرات قانونية وتنظيمية تهدد الشركات الأمريكية في الصين، حيث يخشى الكثيرون من أن تصبح عملية التنظيم أكثر صعوبة في ظل بيئة انتقامية.
 

ويتوقع "جيمس ماكجريجور" أحد مستشاري الأعمال في الصين أن نشهد انتقامًا ضد الشركات الأمريكية في الصين، ويمكن إخراجها خطوة بخطوة من السوق الصينية واستبدالها.
 

كل ذلك يجعل مصير الشركات الأجنبية في الصين يتوقف على مدى سرعة تعافي اقتصاد البلاد وعودة الطلب القوي، وأيضًا المسار الذي ستسلكه كل من واشنطن وبكين مع عودة "ترامب" للبيت الأبيض في يناير.
 

المصادر: الإيكونومست – الجارديان – سياتل تايمز- بارونز  - سي إن بي سي – وول ستريت جورنال

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.