بدأ سباق الوصول للفضاء بين أمريكا والاتحاد السوفييتي السابق في أعقاب الحرب العالمية الثانية وخلال حقبة الحرب الباردة بين قطبي العالم آنذاك، في محاولة منهما لإثبات التفوق العلمي والتقني.
لكن السباق نحو الفضاء أخذ شكلاً مختلفاً في العصر الحديث، وبات ميداناً يسع دولاً وشركات خاصة مختلفة مثل "سبيس إكس"، في إطار من التعاون بهدف مواصلة مسيرة الحضارة البشرية في استكشاف الكون الشاسع.
وبين صراع القوى السياسية في الماضي، والتعاون في الحاضر، استفاد الاقتصاد العالمي كثيراً من جهود استكشاف الفضاء، والرحلات المكوكية التي وضعت أول إنسان على سطح القمر، والآن، تتطلع الأطراف الفاعلة في قطاع الفضاء لتأسيس حضارة بشرية متعددة الكواكب.
ساهمت الرحلات التي انطلقت إلى القمر في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي في إثراء فضول الكثير من البشر بمختلف أرجاء العالم، وأدت إلى التوصل لكثير من الابتكارات أثناء مراحل الإعداد لها، ومراكمة كم ضخم من المعارف والخبرات التي ساهمت في تطوير حياة البشر.
كيف ساهم استكشاف الفضاء في تطور الاقتصاد العالمي؟
ذكر "ألكسندر ماكدونالد" أول من تولى منصب خبير اقتصادي في وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" في بودكاست "راديو دافوس" التابع للمنتدى الاقتصادي العالمي، أن الفضاء، والبيانات المتاحة عنه أو المستمدة منه توفر قدراً هائلاً من المنافع الاقتصادية والاجتماعية للبشر.
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
وضرب مثالاً على ذلك بدور قطاع الفضاء في مراقبة تغير مناخ الأرض، وتعزيز الاتصالات عبر الإنترنت، وأنظمة الملاحة، قائلاً إن كافة هذه المجالات تنطوي على جوانب تؤثر على الاقتصاد العالمي واقتصادات الدول.
وأوضح أن كثيرا من الابتكارات التكنولوجية التي تدعم جودة حياة الإنسان في الوقت الراهن لم تكن لتتطور لولا طموحات استكشاف الفضاء، إذ كان التطور السريع لأشباه الموصلات نتيجة مهام الوصول للقمر في الستينيات.
وأضاف أن الاستثمار في استكشاف الفضاء ورحلات الذهاب إلى القمر هو في حقيقته استثمار في تطوير تكنولوجيا متقدمة ومعقدة للغاية، لذا كان أغلب النمو الذي تمتع به الاقتصاد العالمي في القرن العشرين نابعاً من تقدم التقنية الذي ساهم في تحسين معدلات الإنتاجية.
وبحسب "نيكولاي خليستوف" كبير مسؤولي تكنولوجيا الفضاء في المنتدى الاقتصادي العالمي، تشير التقديرات إلى أن اقتصاديات الفضاء سوف تنمو بدرجة كبيرة على مدار السنوات العشر القادمة، وبوتيرة تتجاوز معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
وذكر أن حجم الاقتصاد العالمي يقدر بأكثر من 600 مليار دولار في الوقت الراهن، وسوف يرتفع هذا الرقم بنحو 3 أضعاف إلى 1.8 تريليون دولار على مدار العقد القادم.
وأن الدور الذي يلعبه قطاع الفضاء في الاقتصاد، يكمن في البيانات والمعلومات التي يوفرها، والتي تسمح لشركات وقطاعات أكثر بتحسين كفاءة أعمالها، وتقديم خدمات ومنتجات أفضل وعلى درجة أعلى من الجودة.
أضاف " ماكدونالد" أن حجم استثمارات الشركات ومستثمري رأس المال المغامر في قطاع الفضاء يناهز 10 مليارات دولار سنوياً، هذه الأموال لا تنفق في الفضاء، بل داخل كوكب الأرض، وتؤدي إلى توليد فرص عمل.
أبرز الجهود الحالية لاستكشاف الفضاء
تعمل وكالة "ناسا" في الوقت الراهن على برنامج يدعى "أرتميس" يهدف إلى إرسال البشر للقمر مرة أخرى، وإنشاء قاعدة هناك تكون محطة أساسية للانطلاق نحو المريخ.
يختلف برنامج "أرتميس" عن نظيره "أبوللو" الذي أوصل آخر إنسان للقمر منذ قرابة 6 عقود في أنه يهدف إلى تعلم كيفية البقاء في هذه الظروف المختلفة، والعمل هناك لفترات زمنية أطول.
وهناك أيضاً برنامج "جيتواي" الذي تهدف "ناسا" من خلاله لتأسيس موقع صالح لإقامة البشر يدور حول القمر بشكل دائم، فضلاً عن المشروعات المشتركة مع القطاع الخاص التجاري في أنشطة الاستكشاف.
هذه الشراكات مكنت شركة مثل "سبيس إكس" التابعة لرجل الأعمال "إيلون ماسك" من العثور على موطئ قدم في هذا القطاع الذي لم يكن يقدر على الانخراط به سوى وكالات حكومية مدعومة بموارد وكفاءات من الدول.
ونجحت "سبيس إكس" في تطوير صواريخ فضاء قابلة لإعادة الاستخدام مرات عدة، وقادرة على الانطلاق في رحلات للفضاء والعودة للأرض مرة أخرى، وليس ذلك فحسب، بل تتمتع الشركة بأهدافها الخاصة بالوصول إلى المريخ، ووضع أول إنسان على سطحه.
ذكر "ماكدونالد" أن ميزة دخول الشركات الخاصة لقطاع الفضاء هي أنها تستطيع تحمل المخاطر التي لا تستطيع جهات حكومية مثل "ناسا" التعامل معها بشكل مباشر، وبالتالي يشهد المجال تطورات واسعة النطاق وزيادات كبيرة في القدرات.
لماذا يتطلع البشر لاستكشاف المريخ بعد الوصول للقمر؟
تتطلع وكالات وشركات الفضاء للوصول إلى المريخ واستكشافه بحثاً عن وجود حياة، أو بقايا حيوية على سطح الكوكب الأحمر، لكن ما الهدف؟
قالت "باسكال إيرينفرويند" عالمة الأحياء الفلكية التي شاركت في اللقاء الإذاعي، إن الهدف من هذه الجهود هو ببساطة معرفة ما إذا كانت هناك حياة خارج الأرض.
وسوف توفر إجابة هذا السؤال للإنسان فهماً أعمق للحياة، ونشأتها، وما إذا كانت لها صور أخرى تختلف عن الحياة القائمة على عنصر الكربون كما يعرفها البشر.
وأوضحت أنه لم تتمكن أية جهة حتى الآن من إحضار عينات من المريخ كي يتم اختبارها، وأن هذا الهدف الطموح يصاحبه فوائد جانبية أخرى، منها تعزيز التعاون بين الدول في هذا الصدد، وأن مجال استكشاف الفضاء ظل دائماً بمعزل عن المشكلات السياسية.
المصدر: المنتدى الاقتصادي العالمي
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}