يشهد نادي برشلونة الإسباني واحدة من أفضل بدايات المواسم منذ سنوات في ظل روح معنوية مرتفعة للاعبين والإداريين، بعدما عاش النادي "كابوساً مالياً" لما يقرب من عقد من الزمان، وتبنى استراتيجية مؤلمة يأمل أن تضعه على الاتجاه الصحيح.
وفاز فريق كرة القدم بجميع مبارياته السبع الأولى في الدوري الإسباني هذا الموسم، قبل أن يخسر مباراته الأخيرة أمام أوساسونا لكنه ظل في صدارة الترتيب، وبالطبع حصل على خدمات المهاجم المراهق "لامين يامال" الذي كان نجم المنتخب الوطني خلال منافسات اليورو الأخيرة.
للاطلاع على المزيد من المواضيع الرياضية
وفي حين يعيد "يامال" للأذهان تجربة نشأة النجم الأرجنتيني "ليونيل ميسي" داخل أروقة النادي الكتالوني، ينغمس مدربه الألماني الجديد "هانسي فليك" في الثقافة المحلية، ويحبه مشجعو برشلونة لذلك.
نادي المُثل العليا
- كان برشلونة قاعدة لتفجير مواهب نجوم كبار أمثال "يوهان كرويف" و"بيب جوارديولا" و"ليونيل ميسي"، وهو نادٍ يفكر في كرة القدم باعتبارها فنًا ولديه شعور نبيل بمثله العليا.
- عندما استفادت الفرق الأخرى من عقود رعاية القمصان في الثمانينيات، نأى برشلونة بنفسه في البداية، لكنه رضخ في نهاية المطاف بحلول العقد الأول من القرن الجاري، فقط للإعلان عن منظمة "يونيسيف"، والتي دفعت له 1.5 مليون يورو سنوياً (1.67 مليون دولار).
- ظل برشلونة أحد أكبر أندية كرة القدم في الوقت الذي سيطرت فيه أموال الشركات على الرياضة، فمع كل مباراة على أرضه، حقق ملعبه الأسطوري "كامب نو" أموالاً أكثر من أي ملعب آخر.
- مع ذلك، وخلال فترة قصيرة لكنها شديدة الضرر في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أهدرت إدارته هذه المزايا، ومنذ ذلك الحين، كافح النادي من أجل كل يورو.
- في هذا الصيف، بدا أنه يتمكن من تحمل تكلفة هدفه الرئيسي في الانتقالات الصيفية، وكان ممتنًا لأن لاعبه الذي قدم أداءً مذهلًا في الموسم الماضي "إلكاي جوندوجان" أنهى عقده بشكل ودي.
- تتبنى إدارة النادي استراتيجية "تحول في منتصف الطريق" تأمل أن تجنبهم "الخراب المالي"، لكن سيتعين على النادي أن يفعل ذلك بشكل صحيح تمامًا لتعظيم دخله والحفاظ على الزخم.
الطبيعة الفريدة للنادي
- تميل أندية كرة القدم الأكبر في أوروبا إلى أن تكون مملوكة لتكتلات من الأفراد الأثرياء، مثل مجموعة "فينواي سبورتس- Fenway Sports"، التي تمتلك ليفربول، أو لصناديق ومستثمرين حكوميين.
- لكن وضع برشلونة مختلف، فهو مملوك بالكامل لمجموعة من نحو 150 ألف عضو بالنادي، تُعرف باسم "Socis" والتي تعني "شركاء"، والذين يدفعون رسومًا سنوية تبلغ 200 يورو أو نحو ذلك مقابل حقوق التصويت على قرارات النادي.
- لعقود من الزمان، كان الانضمام إلى مجموعة الشركاء يتطلب وجود صلة قرابة بأحد الأعضاء، وحتى ظهور عائدات البث، كانت هذه الاشتراكات هي التي وفرت غالبية إيرادات برشلونة، والآن يمكن ضم أي شخص للمجموعة وتمثل عضويتهم جزءاً بسيطاً من إجمالي دخل النادي.
- مع ذلك، لا تزال هذه المجموعة تتمتع بالسلطة، فهي من ينتخب أعضاء مجلس إدارة النادي الخمسة عشر ورئيسه، ويعد الفوز بمنصب داخل هذا المجلس شرفاً كبيراً في المجتمع الكتالوني، لكنه أيضاً مسؤولية كبيرة.
- على الرغم من كل خصائصه الغريبة، نجح هيكل ملكية برشلونة بشكل جيد، وفي عام 2017، صُنف ثالث أكبر نادٍ في أوروبا من حيث الإيرادات، لكن هذه المكاسب تزامنت مع أزمة زلزلت كيانه.
ضغوط وإخفاقات متلاحقة
- في أغسطس من ذلك العام، قبل برشلونة عرضًا بقيمة 222 مليون يورو من باريس سان جيرمان مقابل مهاجمه البرازيلي "نيمار دا سيلفا"، ووقع اختيار النادي الإسباني برئاسة "جوزيب بارتوميو" على لاعب بوروسيا دورتموند الفرنسي "عثمان ديمبيلي" كبديل مقابل 135 مليون يورو.
- حول "بارتوميو" أنظاره إلى لاعب ليفربول البرازيلي "فيليب كوتينيو"، والذي اشتراه مقابل 150 مليون يورو، وكان "ديمبيلي" و"كوتينيو" موهوبين، لكن النادي لم يكن لديه فكرة عن كيفية إشراكهما إلى جانب "ميسي".
- يقول "كيران ماجواير"، أستاذ المحاسبة في جامعة ليفربول وخبير في تمويل كرة القدم: "كان برشلونة كسولًا، ولم تبذل إدارته جهداً إضافياً للعثور على اللاعبين المناسبين".
- ثم جاءت جائحة "كوفيد 19"، واستمر اللاعبون في الحصول على رواتبهم، لكن المباريات عُلقت، وحتى عندما استؤنفت منافسات الليغا، أقيمت المباريات خلف أبواب مغلقة، ما حرم الأندية من دخل يوم المباراة.
- في عام 2020، انخفض إجمالي إيرادات برشلونة بنسبة 14% إلى 729 مليون يورو، وطوال أعوام 2018 و2019 و2020، سجل النادي خسارة صافية مجتمعة تزيد على 430 مليون يورو، مقارنة بصافي ربح قدره 29 مليون يورو في السنوات الأربع السابقة.
- تحت إشراف "بارتوميو" ارتفع إجمالي فاتورة الأجور من 340 مليون يورو في عام 2017 إلى 487 مليون يورو في عام 2018، هذا يعني أن الأجور كنسبة من إجمالي الإيرادات ارتفعت من 52% إلى 70% في عام واحد، وفقًا لتحليل مدونة التمويل المتخصص في كرة القدم "ذا سويس رامبل".
- على مدى نفس الفترة، انخفضت هذه النسبة في ريال مدريد، المنافس الرئيسي لبرشلونة، من 56% إلى 53%، وفي مانشستر يونايتد، أكبر نادٍ في أوروبا آنذاك، ارتفعت النسبة من 45% إلى 50% فقط.
الأداء المالي لنادي برشلونة آخر 5 مواسم |
||
العام |
الإيرادات التشغيلية |
الأرباح/ الخسائر بعد الضرائب |
2018/ 19 |
990 |
5 |
2019/ 20 |
855 |
(97) |
2020/ 21 |
631 |
(481) |
2021/ 22 |
1017 |
98 |
2022/ 23 |
1259 |
304 |
هل يعود برشلونة إلى سابق عهده؟
- كانت حقيقة أن الدوري الإسباني لديه قواعد مالية منفصلة وأكثر صرامة من الدوري الإنجليزي الممتاز أو دوري الدرجة الأولى الإيطالي، سببًا في تفاقم مشاكل برشلونة، حيث تحدد رابطة الليغا مستوى الإنفاق كنسبة من إيرادات كل ناد.
- يُسمح للأندية ذات الإيرادات الأكبر، مثل ريال مدريد وبرشلونة، بإنفاق أكثر من الفرق الأصغر، لكن أي نادٍ يتجاوز الحد الإلزامي يخضع لضوابط لإجباره على العودة إلى المسار الصحيح، ومع ارتفاع الإنفاق وتراجع الإيرادات، وجد برشلونة نفسه مخالفًا للقواعد بحلول موسم 2021-2022.
- تخضع الأندية التي تتجاوز حدودها لضوابط لإجبارها على العودة إلى المسار الصحيح، وفي السنوات الثلاث الماضية، أُلزم برشلونة باستخدام 25% فقط من الأموال التي جمعها من خلال بيع اللاعبين، وخفض الرواتب للتعاقد مع لاعبين جدد.
- في عام 2020، استقال "بارتوميو" وأعاد "الشركاء" انتخاب سلفه "خوان لابورتا" لتصحيح المسار، والذي كان أمام خيارين، أحدهما بيع الكثير من نجوم الفريق لضمان الامتثال السريع للقواعد في الدوري الإسباني، والمخاطرة بتراجع الأداء بشكل كبير.
- كان الخطر هنا هو أن الفريق غير المتكامل قد يخسر فرص تحقيق الدخل الإضافي من خلال التأهل والتقدم في منافسات دوري أبطال أوروبا المربحة، وأيضاً خسارة العروض الجذابة للرعاة، وكان من الممكن أن يظل برشلونة عالقًا في منتصف جدول الدوري لسنوات.
- الخيار الثاني كان تجاهل القواعد ومواصلة الإنفاق والسعي للفوز بكل بطولة، على أمل أن تنمو الإيرادات بسرعة بحيث تعوض الإنفاق، وهي أيضاً استراتيجية محفوفة بالمخاطر وغير مضمونة في عالم كرة القدم، وقد تصل عواقبها لإبعاد الفريق إلى دوري الدرجة الثانية.
- في النهاية، اتخذ النادي بقيادة "لابورتا"، "طريقًا وسطًا"، حيث يحاول تجنب سيناريو "الانكماش الحاد" وكذلك "التوسع المجنون"، وعلى مدار السنوات الأربع الماضية، تخلص النادي من عقود مكلفة للغاية، بما في ذلك "ميسي" و"جيرارد بيكيه" و"سيرجيو بوسكيتس" و"أنطوان جريزمان".
- تعاقد النادي مع بدلاء مقابل رسوم أكثر تواضعاً وأجور أكثر قابلية للسيطرة، ومن عام 2018 إلى عام 2020، بلغ متوسط الإنفاق الصافي للنادي على الانتقالات 132 مليون يورو سنويًا، وفي السنوات الثلاث التالية، كان نصف ذلك.
- بين عامي 2019 و2022، خفض فاتورة أجوره بنسبة 20%، وفي المباراة الأولى من الموسم الجديد 2024-2025، ضم الفريق خمسة لاعبين تبلغ أعمارهم 20 عامًا أو أقل.
- في نهاية سبتمبر من العام الجاري، قال برشلونة إنه سجل خسارة خلال العام المالي 2023-2024 قدرها 91 مليون يورو، لكنه حقق مبيعات وعائدات عقود رعاية بقيمة 320 مليون يورو (مستوى قياسي)، علاوة على عائدات قياسية من انتقالات اللاعبين قدرها 80 مليون يورو.
- قال رئيس النادي "خوان لابورتا" إن برشلونة نجح في وقف التدهور المالي الذي شهده لسنوات، مشيرًا إلى خفض رواتب اللاعبين بمقدار 170 مليون يورو إلى قرابة 500 مليون يورو، ما يعيده إلى النسب الموصى بها من قبل الاتحاد الأوروبي لكرة القدم.
- بعد بدايته القوية هذا الموسم إلى جانب التعافي المالي وتدعيم صفوف الفريق بلاعبين واعدين وصغار، ربما أصبح بمقدور برشلونة الآن -بعد تجاوز الأصعب- التخطيط إلى العودة لسابق عهده، عندما اختير كأفضل فريق لكرة القدم في أول عقدين من القرن الجاري حيث فاز بـ 22 لقبًا محليًا وقاريًا ودوليًا خلال هذه الفترة.
المصادر: فرونت أوفيس سبورتس- ترانسفير ماركت- أرقام- البيانات المالية السنوية لنادي برشلونة
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}