في هذا العمل المتميز، يتحدى المؤلف المفاهيم التقليدية عن تاريخ الاقتصاد. ففي 194 صفحة فقط، ينجح في رسم لوحة بانورامية شاملة لتاريخ الرأسمالية وأثرها على العالم، وهو عمل طموح يجمع بين السرد القصصي الممتع والتحليل الاقتصادي الدقيق.
- يرى الاقتصادي والسياسي الأسترالي "أندرو لي"، المعروف بتفاؤله المعهود، أن مسار التقدم المادي للإنسانية رسم خطوطه العريضة بفعل قوى دافعة أساسية، دفعت بالبشرية إلى تحسينات لافتة في مستويات المعيشة والصحة وطول العمر، بل وحتى في الشعور بالسعادة، وذلك على مر العصور، وخاصة منذ الثورة الصناعية.
- وبذلك، يبدو وصف توماس هوبز للحياة البشرية المبكرة بأنها قاسية ومليئة بالشقاء، وصفًا يتنافى بشكل متزايد مع تحسن الأوضاع المعيشية للإنسان.
- يسلط الكتاب الضوء على الدور المحوري الذي تلعبه التكنولوجيا المبتكرة في قيادة هذا التحول، مؤكداً على ريادتها في دفع عجلة التغيير، كما يؤكد المؤلف في عبارته القائلة: "من المحراث إلى الإنترنت، كانت التكنولوجيا هي القوة الدافعة وراء الثورات الاقتصادية".
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
- يغفل الكتاب الدور البارز الذي لعبته التغيرات الهيكلية في الاقتصاد، مثل التخصص وتشجيع التجارة، في تسريع وتيرة التطور الاقتصادي.
- يسرد المؤلف ببراعة ضمن هذا الإطار قصة تطور الاقتصاد، مستعرضاً الأدوار المتشابكة للمفاهيم الاقتصادية الأساسية، من الحوافز والتعاون إلى الميزة النسبية وتشغيل قوى السوق، مع تسليط الضوء على مفاهيم أكثر تعقيداً مثل تكاليف الفرصة والمقايضات والعوامل الخارجية وإخفاقات السوق وعلم النفس السلوكي.
- إن القصة التي يرويها الكتاب مقنعة وممتعة أيضاً، فهي تبعث الروح في عالم الاقتصاد من خلال تتبع مسيرة مجموعة من أبرز الاقتصاديين، بدءًا من الأب المؤسس "آدم سميث"، وصولاً إلى رموز الفكر الاقتصادي في القرنين التاسع عشر والعشرين، وحتى المفكرين المعاصرين الذين غيروا وجه الاقتصاد بفضل أفكارهم المبتكرة، مثل "شتيرن" و"جولدين" و"كاهنمان" و"تشيتي".
- بيد أن هذا النص القصير يواجه تحديًا في تقديم تحليل عميق للأحداث التاريخية، وذلك رغم تميزه بإيجازٍ لافت وقدرته على جذب القارئ.
- ففي محاولته تغطية أحداث واسعة في مساحة محدودة، قد يضطر النص إلى التبسيط المفرط لبعض القضايا المعقدة.
- يتضح هذا الأمر بشكل خاص في تناوله لانهيار وول ستريت في عام 1929، حيث يعتمد على تفسير تقليدي يقلل من أهمية العوامل الأخرى التي ساهمت في الكساد الكبير.
- وعلى نحو مماثل، لا يحظى التضخم في سبعينيات القرن العشرين إلا بذكر عابر، وتحليل موجز لأسبابه المختلفة، على الرغم من تأثيره المؤلم.
- وفيما يتعلق بقمع التضخم في وقت لاحق، فإن "السياسة الحكيمة" التي انتهجها محافظو البنوك المركزية تحظى بكل الفضل، دون أي ذكر على الإطلاق للدور المهم الذي لعبه أيضا "الحظ السعيد" مثل غياب صدمات أسعار السلع الأساسية المعاكسة واسعة النطاق على غرار السبعينيات والتكامل السريع للصين في الاقتصاد العالمي.
- أما عن الأزمة المالية العالمية في عام 2008 ــ وهي لحظة "فاصلة" ــ فإنها لا تحظى إلا بمناقشة محدودة.
- من المخيب للآمال أن قائمة المراجع في نهاية الكتاب محدودة للغاية، مما يحرم القارئ الطموح من توسيع مداركه في المواضيع المطروحة من فرصة الاستزادة والمعرفة.
- كان من الممكن أن يضيف قسماً خاصاً بتوصيات القراءة قيمة كبيرة للكتاب، ليكون دليلاً شاملاً للقارئ الراغب في الاستزادة والتعمق في هذه الموضوعات.
- وختامًا، هذا الكتاب موجه لكل من يهوى القراءة، سواء كان باحثًا عن سرد شيّق يغوص في أعماق الموضوعات الاقتصادية، أو قارئًا عاديًا يبحث عن فهم أوسع وأعمق للاقتصاد، فالكتاب يجمع بين السرد السلس والتحليل المتعمق، مما يجعله مرجعًا قيِّمًا لكل المهتمين بهذا المجال.
المصدر: The Society of Professional Economists
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}