نبض أرقام
06:17 م
توقيت مكة المكرمة

2024/12/22
2024/12/21

الكوارث الطبيعية وسوق الأسهم .. زيادة التحايل المالي وتأثير عابر للحدود وخيارات محدودة للمتداول

2023/09/29 أرقام - خاص

"سيطرة للمؤشرات الحمراء بشكل كامل، وسيادة بيع "الهلع" بشكل واضح، ووقف كامل للتداول لفترات زمنية متباينة تبدأ من ساعات وقد تصل لأيام، دعم من الحكومات للأسواق، قواعد تحد من التبادل وتضع له قيودًا، وتزايد لافت في محاولات الاحتيال المالي وعمليات بيع وشراء "مشبوهة".

 

هكذا يبدو الوضع في أسواق غالبية الدول حال معاناتها من كارثة طبيعية، زلزال أو إعصار أو سيول أو غير ذلك، حيث يؤدي تضافر القلق التقليدي المقترن بالتداول في سوق الأسهم، مع القلق الذي تحدثه الكوارث الطبيعية والتخوفات من تأثيراتها اللاحقة على المستقبل من الناحية الاقتصادية إلى تضرر السوق بشدة.

 

 

التحايل المالي

 

وتشير دراسة لدورية "الخدمات المصرفية والمالية" إلى أن حالات التحايل المالي بشكل عام تتزايد إبان الكوارث الطبيعية و"الأحداث الشبيهة" (مثل أحداث 11 سبتمبر) بنسبة 19% تقريبًا حيث يعتقد مرتكبوها أن التركيز العام يكون على الأحداث "الكبيرة" التي تحدث وليس على التصرفات المالية بشكل عام.

 

وكلما كانت الكارثة كبيرة أو كلما زادت بنسبة 1% (من حيث عدد الوفيات والإصابات وحجم الحرائق أو درجة الزلزال) زادت عمليات التحايل بنسبة 0.85% في النشاطات المالية كذلك بدءا من رفع بعض أسعار السلع والخدمات بشكل غير عادل مرورا باحتكار بعض العناصر انتهاء بالتلاعب بسوق الأسهم.

 

والشاهد أن هذا هو السبب الذي يدعو البورصات تقليديًا لإيقاف التداول فور وقوع أي كارثة غير منتظرة، أو فور انخفاض السوق بشكل حاد كرد فعل لها، وذلك سعيًا من السلطات لحماية الاقتصاد وسوق الأسهم من جهة، وسعيًا لمنع المتداولين من إلحاق الأذى بأنفسهم عبر الانضمام غير الواعي لعمليات بيع الهلع الواسعة التي تحدث في أعقاب الكوارث الطبيعية.

 

ولكن وعلى الرغم من ذلك فإن البورصات تميل في الغالبية الكاسحة من الحالات للانخفاض السريع بعد فتح أبوابها، حيث غالبا ما تضطر السلطات لتعليق عمليات التداول لفترات قصيرة مثل (نصف ساعة أو ساعة أو ساعتين) بعد إعادة فتح أبوابها في أكثر من 70% من حالات فتح السوق في أعقاب كارثة طبيعية.

 

ولا يمكن للسلطات المنظمة في سوق المال إعادة فتح سوق الأسهم بشكل مباشر، ولكن لا يمكنها أيضا غلقه لفترات أطول مما ينبغي لأن الاستمرار في الغلق يكون له تأثير سيئ على نمو الاقتصاد ككل (بسبب ما يعطيه من انطباعات سلبية عنه) حيث تختلف تقديرات التأثير على النمو كثيرًا (كنسب مئوية) لكن يوجد إجماع على التأثير السلبي في النهاية.

 

وتشمل حالات التحايل عمليات البيع على المكشوف وبيع الأسهم بشكل منسق، والأخيرة تشكل أكثر من 90% من عمليات التحايل في سوق الأسهم إبان الكوارث الطبيعية، حيث يؤدي الخوف بالمتعاملين إلى تنسيق بعضهم بشكل غير قانوني في محاولة لتجنب الخسائر.

 

 

مصائب قوم عند قوم "مصائب"

 

بعض الكوارث التي تحدث في دول أخرى يكون لها تأثير على سوق الأسهم المحلية، ومن ذلك ما تشير إليه الدراسات بأن سوق الأسهم الأمريكية انخفض 3.8% بفعل التسونامي الذي ضرب 14 دولة وجاءت حصيلته 230 ألف وفاة في عام 2004، بما يؤشر أن الكارثة لا يجب أن تصيب الدولة نفسها ليكون لها تأثير.

 

وفي حالة زلزال هاييتي الذي أودى بحياة أكثر من 300 ألف شخص كان التأثير على السوق الأمريكي أيضا بانخفاض بنسبة 6.6% لمؤشر "ستاندرد أند بورز" خلال 18 يومًا وكان التأثير تدريجيًا على مدار 18 يوما، وفي حالة الزلزال والإعصار فإن سوق الأسهم الأمريكي تعافى من الآثار في فترة زمنية قصيرة نسبيًا لم تتجاوز شهرا.

 

وفي المقابل كان إعصار كاترينا (2005) سببًا في انخفاض سوق الأسهم الأمريكية بنسبة فاقت 3%، إلا أن التعافي من أثر هذا الانخفاض استمر لأشهر ليس بسبب الآثار المباشرة للإعصار ولكن بسبب الجدل الذي ثار حول تقاعس الحكومة الأمريكية وقتها عن القيام بدورها في إغاثة المتضررين من الإعصار.

 

والملاحظ هنا أن السجالات التي تلي الكوارث الطبيعية كثيرا ما تتسبب في التأثير السلبي على أسواق الأسهم بشكل عام، حيث تسود حالة من التشكك في قدرة الإجراءات الحكومية على إصلاح آثار الكارثة الطبيعية بشكل سليم بما يؤدي لتعثر عودة السوق لمستوياته السابقة.

 

تفاوت في التأثر

 

وعلى الرغم من أن غالبية الأسهم تتأثر تقليديًا بالكوارث الطبيعية فإن احتمالية ونسبة التأثر تتفاوتان بشدة بين أسهم النمو والاستقرار (الأرباح)، فأكثر من 95% من الأسهم الأولى (والتي تشمل أسهم التكنولوجيا كمثال) تتراجع بنسبة تفوق 10% في أغلبية حالات الكوارث الطبيعية، أما أسهم الاستقرار فغالبا ما يكون انخفاضها أقل من نصف انخفاض الأولى بشكل عام.

 

 

ويرجع ذلك لأن أسهم النمو تكون رهانًا على مستقبل مزدهر، للاقتصاد وللقطاع وللشركة، وتتسبب الكوارث الطبيعية في حالة من الضبابية على الاقتصاد بشكل عام تؤدي إلى صعوبة التحقق من مستقبل الأسهم أو قد تقوض بعض الرهانات التي بُنيت عليها خيارات شراء الأسهم والاحتفاظ بها بما يؤثر بشدة في الأسعار.

 

تعظيم أثر الكارثة

 

هناك بعض الحالات التي تعطي تعظيمًا لأثر الكارثة الطبيعية على السوق، ومن ذلك مثلًا ما حدث في اليابان في أعقاب زلزال 10 مارس 2011 المروع، حيث انخفض مؤشر "نيكي" الرئيسي لبورصة طوكيو بنسبة 23%، وذلك على الرغم من اعتياد اليابان النسبي على الزلازل والكوارث الطبيعية، فلماذا حدث ذلك؟

 

ربما يكون من الغريب القول بأن السبب الرئيسي وراء ذلك كان سيادة حالة من التفاؤل في السوق الياباني قبل الكارثة، حيث كان 93% من المتعاملين في سوق البيع على المكشوف يتعاملون على أساس توقعات بارتفاع السوق، وذلك في ظل أن الأخير وصل إلى قمة لم يصلها منذ عام 2007 بعد التعافي من الأزمة المالية العالمية هناك بشكل نسبي.

 

وأدى هذا لوصول السوق إلى قمم "زائفة" حيث كان  متضخمًا، بما يجعل إعادة التقييم التي تتم للسوق تفضي إلى أنه بشكل عام "مبالغ في تقييمه" ويؤدي ذلك لمنح "بيع الهلع" قوة دافعة جديدة لا تستند فقط على الكارثة الطبيعية ولكن أيضًا لحقيقة أن الكثير من الأسهم مقدرة بأكبر من قيمتها الحقيقية.

 

وفي كافة الحالات فإن سوق الأسهم يعاود الارتفاع بعد الكوارث الطبيعية، ولكن الفترة الزمنية تتراوح بين أيام وأشهر وسنوات، وذلك وفقًا لحجمها والإجراءات المتخذة لطمأنة الأسواق ومدى فاعليتها، ومدى تأثيرها على الاقتصاد بمختلف قطاعاته، وعلى نسب النمو، وتأثر القطاع الذي تنشط فيه الشركة بشكل خاص.

 

 

وبسبب هذا فإن السلطات في بعض الدول التي تعاني من الكوارث بشكل مستمر تضع ممارسات معينة مختلفة لسوق المال إبان الكارثة، مثل تحديد حجم الصفقات واتجاه البيع، بما تسميه "قواعد البيع في ظل المخاطر"، وتطبق سلطات أسواق مال أخرى قواعد مختلفة مثل وقف البيع بشكل عام أو وقف بعض الصفقات أو التدخل في إلغاء بعضها.

 

وهنا يجب على المستثمر إعادة تقييم الوضع بشكل عام، بعد انقشاع دخان الكارثة الأول (أو قبل إعادة التداول أو بعده مباشرة)، فيعيد تقييم وضع الاقتصاد والقطاع والشركة، ويحاول قدر المستطاع تجنب الإصابة بـ"هلع السوق" حينها، ويذكّر نفسه بأن الأسهم سترتد صاعدة وأن قراره الاستثماري يجب أن يتوقف على احتمالات ذلك وتقديره للتوقيت والنسب، وليس على "الخوف" فحسب.

 

وعلى ذلك فإن "المضاربة" إبان الكوارث الطبيعية بالدخول والخروج المستمر من السوق رهانًا على ارتفاعات مؤقتة للغاية للسوق تكون محفوفة بالمخاطر، ويكون الاختيار الأفضل هو بين الخروج من السوق (مع تكبد الخسائر) والبقاء على الهامش حتى التأكد من القيعان لمعاودة دخول السوق، أو الاحتفاظ بالأسهم أملًا في غد أفضل بعد القيام بالتحليل اللازم للوضع.

 

المصادر: أرقام- دراسة "Natural disasters and market manipulation" لدورية "Journal of Banking & Finance"- دراسة " Short-term impacts of the 2004 Indian Ocean Tsunami on stock markets: A DCC-GARCH analysis"- ناسداك- فوربس- ريسيرش جيت

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.