نبض أرقام
03:16 م
توقيت مكة المكرمة

2024/11/23
2024/11/22

مراجعة كتاب: النمو من أجل الخير

2023/05/06 أرقام

في كتابه "النمو من أجل الخير"، يؤكد أليسيو تيرزي أن النمو الاقتصادي يمكن تسخيره لمكافحة تغيّر المناخ.
 

لطالما ناقش المفكرون الاجتماعيون من مختلف التخصصات مستقبل النظام الاقتصادي المهيمن، أي الرأسمالية، وعلاقتها الديناميكية بالطبيعة.
 

إذ تعكس مفاهيم مثل الكابيتالوسين (Capitalocene) الذي يرونه معبرًا بدقةٍ عن حجم التأثيرات البشرية على الكوكب منذ الثورة الصناعية، والتحديث البيئي، وأزمة الكواكب، ساحة نابضة بالحياة ومتعددة التخصصات التي تضم مؤيدين ومعارضين للنظام الاقتصادي.
 

ويجلب الاقتصاد كتخصص في طياته أفكارًا مثل النمو الأخضر، والإنتروبيا أو القصور الحراري (الذي يضع حدودا على الإنتاج الاقتصادي وفقا لقوانين الديناميكا الحرارية) والابتكار.
 

في حين تقدم العلوم البيئية مفاهيم مثل "حدود الكواكب" و "القدرة الاستيعابية". بيد أنّ نقد النزعة الاستهلاكية من علم الاجتماع يزيد من تعقيد القضية.



 

- يمكن تلخيص موقفين أساسيين فيما يتعلق بالعلاقة بين الرأسمالية والطبيعة. حيث يعتقد بعض المفكرين أنه من الضروري تجاوز الرأسمالية كنظام اقتصادي، من منطلق أن الرأسمالية لديها منطق استغلالي لكل من البشرية والطبيعة.
 

- فالرأسمالية مقدر لها أن تكون مدمرة وعرضة للأزمات. ويدعو هؤلاء المفكرون إلى اقتصاد بديل يحترم البيئة من خلال الحد من وتيرة النمو.
 

- على الجانب الآخر، يعتقد الكثيرون أن العلامة التجارية للرأسمالية ليست كافية لمعالجة الأزمات البيئية فحسب، بل والأزمات الاجتماعية والسياسية أيضًا. لذلك، لا يلزم إجراء تحول جذري في المجتمع.
 

- ومع ذلك، كان هناك حل وسط ناشئ بين هذين الموقفين. ويفترض هذا الاتجاه أن الرأسمالية يمكن أن تعمل من أجل ازدهار البشرية والطبيعة عندما يتم اتخاذ الإجراءات السياسية اللازمة.
 

- يحاول كتاب أليسيو بناء قضية لهذا الموقف الوسطي؛ والذي يقوم على ترويض الرأسمالية من خلال التشبث بالنمو الاقتصادي والابتكار تحت راية التقدم.

 

- ويعتقد أن هذا هو الخيار الأهم للبشرية لإيجاد حل للأزمات البيئية القادمة.

 

- وقد تم تأليف كتاب "النمو من أجل الخير" من جزأين. يلخص الجزء الأول موقف تراجع النمو، الذي يرفض منطق الرأسمالية، باستخدام رؤى من تخصصات متعددة بما في ذلك علم الاجتماع والفلسفة والاقتصاد والأنثروبولوجيا.

 

- يشير الفهم الضيق لـ "تراجع النمو" إلى تحدي الناتج المحلي الإجمالي كمقياس للازدهار.

 

- تشمل التعريفات الأكبر التراجع كحركة اجتماعية وتركز على استراتيجيات السياسة مثل القرى البيئية وعملات المجتمع والدخل الأساسي لتقديم نظام اقتصادي بديل.

 

- يدرس الفصل الأول من الكتاب بإيجاز الركائز الأساسية الفكرية لاتجاه تراجع النمو. ويقدم الفصل الثاني مناقشة واضحة حول كيفية ارتباط النمو الاقتصادي بالرأسمالية ويحدد علاقتها بالابتكار والتقدم.

 

- أما الفصل الثالث يقيم كيف سيبدو مجتمع ما بعد النمو وفقًا لأنصار تراجع النمو. في حين يسلط الفصل الرابع والأخير الضوء على إيطاليا لاختبار افتراضات مؤيدي تراجع النمو، حيث إن البلاد تشهد نموًا اقتصاديًا بطيئًا.

 

- في الجزء الثاني، يبني الكاتب أرضية مشتركة للحفاظ على النمو الاقتصادي والابتكار والتقدم للتعامل مع القضايا البيئية.

 

- يتناول الفصل الخامس السمات الأنثروبولوجية والثقافية لحتمية النمو للاعتراف بأن رفض النمو الاقتصادي ليس ممكنًا وغير مرغوب فيه.

 

- يوضح الفصل السادس قدرة الرأسمالية الفريدة على تعزيز الابتكار التكنولوجي. في حين يجادل الفصل السابع بأنه لا ينبغي لنا أن نتوقع إنشاء حكومة عالمية لإيجاد حلول للأزمة البيئية.

 

- بدلاً من ذلك، يجب على البلدان الصناعية أن تأخذ زمام المبادرة في تكييف التقنيات الخضراء الجديدة لوضع المعايير للبلدان الأخرى.

 

- يعرض القسم الأخير أدوار مختلف قطاعات الاقتصاد، مثل الشركات والحكومات والمواطنين، في أن تجعل الانتقال الأخضر في ظل الرأسمالية ممكنًا.

 

- يوضح الكاتب موقفه الوسطي من خلال تقديم ثلاث حجج أساسية في كتابه:

 

- أولاً، يعتقد أن النمو الاقتصادي يجلب إمكانات وفيرة للجميع. وعلى الرغم من أن النمو الاقتصادي يخضع لقانون العرض والطلب، إلا أنه لا يوجد شكل واحد من أشكال النمو الاقتصادي.
 

- ورغم سطوة المصالح وقطاع الأعمال الذي قد يتسم بالأنانية. ومع ذلك، يمكن للأفراد اتخاذ إجراءات لتعزيز الأفكار الصديقة للبيئة وزيادة الوعي العام من خلال توجيه الموارد الاقتصادية لتمويل هذه.
 

- ثانيًا، يجادل الكاتب بأن السعي لتحقيق النمو الاقتصادي أو "حتمية النمو" هو نتيجة مباشرة لطبيعتنا البشرية، وأن الرأسمالية لا تخلق "احتياجات زائفة".
 

- وهو يتحدى حدوث أي تحول جذري في المجتمع لأنه سيكون إنكارًا لطبيعتنا البشرية. يوضح الكاتب أن استهلاك منتج اقتصادي يحدد أبعادًا داخلية وظيفية وخارجية غير وظيفية.
 

- الأول يتعلق بالمنفعة المباشرة المكتسبة من المنتج. ووفقًا لتيرزي، فإن إزالة البعد غير الوظيفي أمر خطير. لأنه بفضل الاستهلاك الواضح، تظهر منتجات جديدة وأفضل وتنتشر عبر المجتمع.
 

- وينطبق نفس المنطق على الصعيد الدولي. يجب أن تصبح الدول المتقدمة قدوة للآخرين من خلال اعتماد تكنولوجيات جديدة. يعتقد تيرزي أنه من الضروري الاعتراف بهذا البعد من طبيعتنا وتصميم مجتمعاتنا المستقبلية وفقًا لذلك.
 

- ثالثًا، الجغرافيا السياسية مهمة. يتبنى الكاتب منظورًا طويل الأجل ويجادل بأنه من غير المحتمل أن يوحد تغير المناخ البشرية. ذلك أن المجتمعات البشرية تعيش في نطاق حدود محددة بوضوح من الدول القومية.
 

- وإذا لم يكن بوسعنا أن نتوقع استجابة عالمية موحدة، فلماذا نتوقع حلا موحدًا للمشاكل البيئية؟ يعتقد الكاتب أن السياسات الخضراء يمكن تنفيذها من خلال المصلحة الوطنية على الرغم من أنها ليست الحل الأمثل.
 

- تثير هذه السلسلة من الحجج عددًا من الأسئلة. يمكن لتيرزي أن يوضح كيف أن الأفكار الخضراء التي لا تقدم مكاسب اقتصادية ملحوظة ستبني كميات كبيرة من رأس المال المالي والبشري في اقتصاد رأسمالي حيث السعي وراء الربح هو دين علماني.
 

- لا يشرح الكتاب الكثير عن ديناميكيات إعادة التوزيع وعدم المساواة في ظل الرأسمالية.
 

- وتتجاهل مناقشة الجغرافيا السياسية مسألة ما يمكن أن تستخلصه البلدان المتقدمة النمو من حيث الموارد والعمالة ورأس المال البشري من البلدان النامية.
 

- وبالمثل، فإن نشر خطاب التقدم مع تركيزه على الابتكار الأخضر قد يخفي وجود علاقات قوة عالمية وراء مفهوم "تخضير التنمية".
 

- باختصار، يتبنى كتاب تيرزي "النمو من أجل الخير" موقفًا وسطيًا من خلال رفض وقف مسيرة النمو لتجنّب الانهيار البيئي.
 

- وبدلاً من إبطاء إجمالي المخرجات المادية في الاقتصاد، فإنه يجادل بأن الجهات الفاعلة الاقتصادية يجب أن تؤكد على الابتكار الأخضر الذي يعزز نموذج التحديث.
 

- أخيرًا؛ يُعد الكتاب قراءة تمهيدية جيدة لأولئك الذين يتطلعون إلى التعرف على افتراضات هذا الموقف الوسطي، ويُظهر ما هو على المحك في النقاش الدائر حول العلاقة بين النظام الاقتصادي والبيئة.

 

المصدر: كلية لندن للاقتصاد

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.