يدخل المستثمرون إلى سوق الأسهم آملين تنمية رؤوس أموالهم، ومنهم من يسعى إلى ذلك ويضع في حسبانه ضرورة تقليل المخاطر التي قد تكبده الخسائر بدلًا من تحقيق المكاسب، ومنهم من يضع المكسب الكبير هدفًا له ولو على حساب زيادة نسبة المخاطرة.
المستثمرون "معسكران"
وبناء على ذلك غالبًا ما ينقسم المستثمرون إلى معسكرين، الأول يستثمر في الشركات الأكثر استقرارًا والتي تقوم باستمرار بتوزيع أرباح "جيدة" وإن بقيت أسعار أسهم تلك الشركات دون زيادات لافتة، والمعسكر الثاني الذي يراهن على "أسهم النمو" أي تلك التي يزيد سعرها بمعدل مضطرد بغض النظر عن مستويات الدخل أو الربحية للشركة.
ويمكن تعريف "سهم النمو" بأنه هذا السهم الذي يرتفع سعره بمعدل يفوق ارتفاع أرباحه بشكل واضح، وبما لا يتناسب أيضًا مع زيادة دخل الشركة السنوي.
ونسبة ارتفاع سعر السهم إلى الدخل تعتبر حيوية لتوصيف السهم على أنه سهم نمو، لأن قيمة الشركة (التي ترتفع بزيادة سعر السهم) هنا تفوق نمو حجم أعمالها.
على سبيل المثال زاد سعر سهم شركة "أمازون" بين الأول من يناير 2019 والأول من يناير 2022 (أي خلال 3 سنوات تحديدا) بنسبة تفوق 110%، في الوقت الذي لم تتعد فيه نسبة الزيادة في الدخل ثلث تلك النسبة، بما يبدو متناقضًا مع ضرورة تناسب حجم الأعمال مع قيمة الشركة السوقية.
ويكون الرهان هنا على المزيد من النمو في حجم الأعمال في المستقبل، وفي حالة "أمازون" على سبيل المثال فإن نسبة نمو 29% كانت قياسية بفعل زيادة المشتريات عبر الإنترنت خلال عامي كورونا، ولكن الزيادة الأكبر في سعر السهم جاءت كنوع من المخاطرة أو "المقامرة" على المزيد من التوسع في حجم الأعمال مستقبلا.
فقد أنهى سهم "أمازون" عام 2019 بمستوى يفوق 70 دولارًا بقليل، ثم ارتفع في وسط عام 2021 ليصل إلى ما يفوق 160 دولارًا، قبل أن يخسر مكاسب 3 أعوام خلال عام 2022 فحسب ويسجل السهم 84 دولارًا في 30 ديسمبر الماضي بما يعكس خسائر كبيرة لأي مستثمر اشترى السهم وسط رحلة صعوده وقرر الاحتفاظ به للآن.
"تضخم" الأسواق
كما يشكل هذا مثالًا واضحًا على أن الرهان على النمو يعد مخاطرة يجب حسابها بشكل دقيق قبل الخوض فيها، لا سيما أن نسب التراجع في قيم الأسهم غالبا ما تكون كبيرة للغاية بما يجعل الخسائر ضخمة وليست هامشية يسهل تداركها.
ويتسبب الاستثمار في "أسهم النمو" في حالة من التضخم والمبالغة في الأصول في الأسواق، وهو ما حدث في السوق الأمريكية خلال عامي كورونا، ولا سيما خلال عام 2020، حيث صعدت 97% من الأسهم الأمريكية ولم يتراجع إلا 3% منها فحسب، وهو ما تسبب لاحقًا في الانهيارات السعرية التي شهدها السوق الأمريكي خلال العام الماضي.
فدخول عشرات آلاف المستثمرين غير المدربين بشكل مفاجئ إلى السوق أدى إلى الإقبال على شراء الأسهم "ذات الجاذبية" أولا أو "الأسهم الشهيرة"، بما أدى لصعود كافة المؤشرات بشكل متزامن وهو أمر نادر الحدوث للغاية إلا في حالات الرواج الشديد وهو عكس الوضع إبان كورونا بما فرضته من ضبابية على المشهد الاقتصادي.
"أسهم الأرباح"
أما الاستثمار لتحقيق الأرباح أو انتظار تحقيق الأرباح فيبرز في قطاعات أقل "مغامرة"، مثل قطاع العقارات، ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال لا تقل نسبة الأرباح (قياسا إلى سعر السهم) في أبرز 12 شركة عقارية عن 4% وهو معدل "جيد" ومع زيادة طفيفة في سعر السهم يمكن القول بأنه يمكن للمستثمر تجنب آثار التضخم السلبية على أمواله وربما الفوز ببعض المكاسب الصغيرة.
وما ينطبق على العقارات ينطبق على الشركات "المتحفظة" مثل شركة الاستثمار "بيركشاير هاثاواي" التي حققت أسهمها خلال الأعوام الخمسة الأخيرة معدل نمو 14% في المتوسط، وهو معدل جيد لكنه لا يقارن بشركات التكنولوجيا بطبيعة الحال التي تشهد قفزات (صعودًا وهبوطًا لكن الرهان دائما على الزيادة).
وفي مقابل معدل النمو المتوسط وصل العائد على السهم إلى أكثر من 7% في نهاية عام 2019 على أسهم "بيركشاير هاثاواي"، ومع تراجع نسبي في العامين اللاحقين إلا أنه ظل بقيم موجبة.
ويجعل هذا الأمر من الاستثمار في الأسهم التي تقوم بتوزيع الأرباح كما هي الحال في قطاع العقارات في الولايات المتحدة وشركة "بيركشاير هاثاواي" وحتى بعض القطاعات الأخرى مثل التعدين بمثابة رهان على الاستثمار طويل المدى.
وبشكل عام فإن الاستثمار في القدرة على تحقيق الأرباح وليس الرهان على النمو هو السبب الذي أنشئت من أجله أسواق المال تاريخيًا، حيث نشأت بغرض جمع رؤوس أموال يعجز طرف واحد عن توفيرها، وليس بغرض الرهان على بيع "جزء" (سهم) من الشركة مع ارتفاع سعره (وإن بقي هذا ممكنا).
هل الأسهم تعني المخاطرة؟
واللافت أن الغالبية العظمى من المستثمرين في سوق الأسهم تميل إلى أسهم النمو عالية المخاطرة على حساب أسهم الأرباح، حيث تشير دراسة أمريكية إلى أن قرابة 84% من المستثمرين في سوق السهم يضعون غالبية محفظتهم الاستثمارية أو كلها في أسهم أكثر مخاطرة يراهنون فيها على النمو في سعر السهم بالأساس.
والشاهد أن نصف النسبة الباقية (16%) تستثمر أموالًا في "أسهم النمو" أيضا ولكن بنسب قليلة من محفظتهم الاستثمارية في الأسهم، بينما يتجه 8% فحسب من المتداولين إلى "أسهم الأرباح" دون غيرها، ويحتفظ كثير منهم ببعض الأسهم لسنوات طويلة.
ويتفق هذا (كثرة من يميلون لأسهم النمو) مع "نظرة" الكثير من المستثمرين على الاستثمار في سوق الأسهم بوصفه استثمارا عالي المخاطرة، ولجوء من يريد استثماراَ أقل مخاطرة لصناديق التحوط أو للذهب والعملات الأجنبية والعقارات وغيرها من أساليب الاستثمار التي تتسم بالاستقرار النسبي عن سوق الأسهم.
ويشير استطلاع لمركز "بيو" إلى أن 91% من المتعاملين في أسواق الأسهم الأمريكي يرون أنها يجب أن تكون "الأكثر ربحية على الإطلاق" بين أشكال الاستثمار المختلفة، وعلى ذلك فإن عدم تحقيقهم لربح يفوق السندات أو العقارات أو الذهب أو غيرهم من أشكال الاستثمار يجعل شراء الأسهم غير ذي جدوى بالنسبة إليهم، بل ويشير بعض المتعاملين إلى ضرورة تحقيق نسب ربحية تفوق "أضعاف" أشكال الاستثمار الأخرى.
وفي المقابل، فلا شك أن هناك ميزة رئيسية للاستثمار في أسهم الأرباح في أنه يجنب المستثمر حالة القلق المستمر الناجمة عن حتمية المتابعة المستمرة والمكثفة للأسواق في حالة الرهان على الصعود في سعر السهم وليس في استقرار الشركة وقدرتها على تحقيق الأرباح ومن ثم توزيعها.
وبشكل عام لا يمكن القول بأن هناك إجابة صحيحة وأخرى خاطئة حول أي من نوعي الاستثمار يلجأ إليه المتداول في سوق الأسهم، فلكل مستثمر أهدافه، ولكل طريق مخاطره التي يجب أن يعيها جيدا، ليوازن دائما بين مخاطر يتحملها (ويحسب حسابها ويعلم أن المؤثرات الخارجية كثيرة) وبين مكاسب أقل مع متغيرات أقل تؤثر على رأس ماله.
المصادر: أرقام- دراسة لـ"بيو"- ياهو فاينانس- نيويورك تايمز
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}