نبض أرقام
05:32 ص
توقيت مكة المكرمة

2024/12/05
2024/12/04

عثرات مصنع "أيفون" في الصين تمنح الهند فرصة للانقضاض

2022/12/26 اقتصاد الشرق

حين حطم عمال هنود مصنعاً لأجهزة "أيفون" في ولاية كارناتاكا في ديسمبر 2020، متسببين بأضرار بقيمة 60 مليون دولار احتجاجاً على عدم تقاضي أجورهم، تهافتت وسائل الإعلام المملوكة من الدولة في الصين لتصوير الخبر كتحذير للشركات متعددة الجنسيات. بعد يومين من الحادث، نشرت صحيفة "غلوبال تايمز" الصينية مقالاً نقلت فيه اقتباسات عن معلقين مجهولين على الإنترنت تضمنت عبارات من قبيل "المصانع في الصين هي الأكثر أماناً للاستثمار"، و"احتمال حصول أعمال تخريب وإشعال حرائق منخفض جداً في الصين". ثم في بداية 2021، تناولت الصحيفة أعمال الشغب مجدداً في مقال منفصل وصفت فيه قطاع الصناعة في الهند بالمتخلف، معتبرة أن السياسات الغربية "المشحونة جيوسياسياً" الداعمة لقطاع الصناعة في الهند ما هي إلا "مغامرات سياسية مصيرها الفشل".

 

عبّر المقالان عن آراء شائعة جداً لا تنحصر ببكين، تتناول ممارسة الأعمال التجارية في الدولتين الأكبر في العالم من حيث عدد السكان. تقول الرواية إن الاستبدادية الصينية رسخت مستوى من الكفاءة الصناعية لا تحلم ديمقراطية فوضوية مثل الهند بمحاكاتها، مهما سبب ذلك من انزعاج للحكومات الأوروبية وللولايات المتحدة.

 

إلا أن أعمال شغب في مصنع آخر اندلعت في نهاية نوفمبر، هذه المرة في جنغجو في الصين التي تضم أكبر منشأة لإنتاج أجهزة "أيفون" في العالم. إذ وقعت اشتباكات عنيفة بين قوات الأمن والعمال المرهقين من احتجازهم داخل مهاجع غير صحية لا يحصلون فيها على ما يكفي من الطعام والغاضبين بسبب احتمال عدم تقاضيهم الأجور الموعودة. في الأسبوع التالي، اندلعت التظاهرات على امتداد البلاد.

 

التوجه إلى الهند

 

تأتي هذه الاضطرابات بعد نصف عقد من العداء المتنامي بين الولايات المتحدة والصين، ما يجعل وضع الصناعة الراهن في الصين أقل استدامة من أي وقت مضى. كما سلطت جائحة كورونا الضوء على مخاطر تركيز كمّ هائل من الإنتاج العالمي في دولة واحدة. عند أخذ هذه العوامل كافة في عين الاعتبار، فإن خطر احتمال حصول عرقلة كبيرة لقطاع الصناعة في الصين يثير المخاوف بقدر ما تثيرها مواطن الضعف المعروفة جيداً في أماكن أخرى، حسب ديفيش كابور، الأستاذ في جامعة جون هوبكنز وخبير التنمية الاقتصادية في جنوب آسيا. قال: "كان الاعتقاد السائد هو أنه لا يمكن توقع ما سيجري في الهند في حين يمكن توقع ما يجري في الصين، إلا أن كورونا قلبت هذه المعادلة".

 

رجحت بلومبرغ نيوز أن تخفض أحداث جنغجو عدد أجهزة "أيفون برو" المطروحة هذا العام بستة ملايين وحدة، وكشف مصرف مورغان ستانلي عن جهود قائمة لنقل 10% من إنتاج أجهزة "أيفون" إلى الهند خلال سنتين أو ثلاثة. كانت الشركات الثلاث الرئسيسة الموردة لـ"أبل" في تايوان "فوكسكون" (Foxconn) و"بيغاترون" (Pegatron) و"ويسترون" (Wistron) قد طلبت وحصلت على حوافز مالية لتعزيز إنتاج أجهزة "أيفون" في الهند وتصديرها من هناك. قال شخص مطلع على عمليات سلسلة إمداد "أبل" طلب عدم كشف اسمه بما أنه يتحدث عن معلومات غير عامة تتعلق بالأعمال، إنه من المتوقع أن تسهم الهند بنحو 5% من حجم إنتاج أجهزة "أيفون" بحلول ربيع 2023. لم تجب "أبل" على طلب للتعليق.

 

مصنع العالم

 

لكن حتى لو صدقت تلك التوقعات، ستحافظ الصين على مكانتها "مصنعاً العالم". زد على ذلك أن التخوف من الصين لن يُترجم بالضرورة إلى اندفاع تجاه الهند. غالباً ما كانت المساعي الهندية طوال عقد وأكثر لاستقطاب الصناعة تصطدم بنتائج مخيبة. يمكن للهند أن تقدم يداً عاملةً رخيصةً وتتيح للشركات الوصول إلى سوق محلية ضخمة، لكن لديها سمعة سيئة لناحية البنية التحتية المتداعية والبيروقراطية الشائكة. كما تسعى دول أخرى للاستفادة من مخاوف الشركات متعددة الجنسيات من الافراط في الاعتماد على الصين. فعلى ما يبدو، ليست الهند المكان الأفضل لصنع أجهزة أيفون إذا ما كانت التكلفة العامل الوحيد الذي يُؤخذ في عين الاعتبار.

 

قال شخص آخر مطلع على عمليات "أبل" طلب أيضاً عدم كشف اسمه بما أنه يتناول مسائل خاصة تتعلق بالأعمال إن إنتاج أجهزة "أيفون" في الهند يكلّف حوالي 10% فقط أكثر من تكلفتها في فيتنام، وهذه مشكلة لا يصعب تجاوزها. إلا أن داعمي الهند يرون أن أفضل طريقة لتعزيز عرضها هي التركيز على الشؤون الجيوسياسية، حيث يرون أن الشركات قد تكون مستعدة للتضحية بالكفاءة القصوى لصالح اعتبارات جيوسياسية.


تتمتع الهند بمزايا متأصلة، فهي دولة ضخمة وقوة إقليمية حليفة للولايات. وإذا ما تمكنت من استقطاب حجم إنتاج كافٍ عبر تقديم نفسها كوجهة أعمال أقل عرضة للتوترات السياسية، قد تتمكن من تعويض مواطن الضعف التي تعتريها. بدأت شركة "فوكسكون" (Foxconn) أكبر مورّدي "أبل" ببناء منشآت في الهند منذ أكثر من خمس سنوات، تحسباً لاضطرارها لتوسيع نطاقها الجغرافي. قال ألان يوينغ، المدير التنفيذي السابق في "فوكسكون" الذي شارك في بعض المراحل الأولية من التخطيط إنه "على صعيد المقارنة من الندّ للندّ، لا يوجد إلا بلد واحد فقط يشكل تهديداً مباشراً للصين". أوضح يوينغ الذي يعمل حالياً أستاذاً في جامعة ويسكونسن إنه ما عاد يتحدث باسم الشركة. تعمل شركة "ويسترون" المسؤولة عن المعمل الذي وقعت فيه أعمال الشغب و"بيغاترون" أصلاً في الهند.

 

تصميم على الهدف

 

بدأ إنتاج أجهزة أيفون في الهند في 2017 حيث كانت تُصنع النماذج القديمة بكميات صغيرة في البداية. كان الأمر أشبه بتجربة إلى أن بدأت الحكومة الهندية بتقديم حزمة من الحوافز السخية للموردين في 2020، ما أدى لارتفاع النشاط العام الماضي. أمّا الإنجاز الكبير فسيتحقق حين يصبح بالإمكان شحن أحدث تصاميم أجهزة أيفون من الهند حين طرحها عالمياً، وهي خطوة لم تتمكن منشأة "فوكسكون" للإنتاج في الهند من تحقيقها مع "أيفون 14"، مع ذلك بدأ الإنتاج هناك بعد ثلاثة أسابيع فقط.

 

استغرقت الصين أكثر من عقد لبناء سعتها التصنيعية لأجهزة الهواتف الذكية، وما تزال الهند في بداية مسار طويل مشابه. بدأت الهند فعلاً بإتقان المرحلة الأولى وهي إدارة المصانع التي تُجري عمليات التجميع النهائية. الآن بات عليها أن تتبع نهج الصين بدعم إنشاء مئات من صغار الموردين المحليين الذين يزودون "فوكسكون" و"ويسترون" بالمكونات.

 

غالباً ما كانت تعني عملية التطوير هذه إرسال موظفين إلى المصانع من أجل المساعدة على إعداد الإنتاج وإدارته لسنوات قبل الانسحاب منها. كما تتطلب إقناع الحكومات المحلية ببناء خطوط للقطارات وطرقات سريعة وغيرها من البنى التحتية لنقل القطع. حين قررت الحكومة المركزية الصينية تبني صناعة الأجهزة الالكترونية، اكتسحت كلّ المصالح المنافسة من أجل إرضاء الشركات التي كانت تتودد إليها. على الهند أن تظهر اليوم جهوزيتها لإظهار النوع نفسه من التصميم على الهدف.

 

مؤشرات إيجابية

 

لكن بدأت تظهر بعض مؤشرات على التحسن. تصنّف المجموعة البحثية "إيكونوميك إنتليجينس يونت" (Economist Intelligence Unit) التي تتخذ في لندن مقراً لها الدول حسب بيئة الأعمال السائدة فيها. في تصنيفها الأخير الذي تتوقع فيه الظروف التي ستسود بين 2023 و2027، تتخطى الهند الصين والفيليبين وتقترب أكثر من إندونيسيا وفيتنام. المقياس الوحيد الذي تتفوق فيه الصين على الهند يتمثل بجودة بنيتها التحتية.

 

تعليقاً على ذلك، قال أنوبام مانور، الأستاذ المساعد في مؤسسة "تاكشاشيلا" المتخصصة بسياسات الهند العامة إن البلاد ما تزال تتخبط في سياسات بالغة التعقيد في مجالات مثل قانون العمل والضرائب. اعتبر أن أحد أبرز المؤشرات هي إذا ما استطاعت الهند أن تصلح سياساتها المتعلقة بالاستحواذ على الأراضي، وهي عملية أساسية في أي مشروع صناعي ولطالما كانت محطّ نزاع في الهند. فقد لا يحبّذ صغار مالكي الأراضي التخلي عن مزارعهم لإفساح المجال لبناء معمل هواتف برّاق، يرى المسؤولون المحليون في سيطرتهم على سياسات الأراضي وسيلة لترسيخ نفوذهم. إلا أن مانور يعتقد أن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح، لكنه لا يفرط بالتفاؤل. قال: "في أي مرحلة من السنوات الثلاثين الماضية كان بإمكاني القول إننا نوشك بلوغ الهدف".

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.