جاء شراء الملياردير "إيلون ماسك" لشركة "تويتر" بقيمة 44 مليار دولار، بعد معركة طويلة امتدت عدة أشهر وشهدت حربا كلامية بين مالك شركتي تسلا وسبيس إكس وأغنى شخص في العالم وإدارة تويتر والتي وصلت إلى ساحات القضاء.
"تويتر" هو الساحة المفضلة للملياردير صاحب الأفكار اللامعة لقضاء الوقت والتعبير عما يريده، فكم أثارت تغريداته نقاشات كبيرة من السياسة والاقتصاد إلى العملات المشفرة.
ولم يخل إعلان ماسك عن اقترابه من إتمام الاستحواذ من الغرابة، فقد نشر "ماسك" فيديو يظهره داخلا إلى مقر الشركة حاملا حوض غسيل، وكتب تغريدة أشار فيها بشكل مبهم إلى الغرق، مما أثار التكهنات بشأن أهدافه من هذا التصرف الغريب، وغير ماسك تعريفه على "تويتر" إلى "رئيس تويتر" وعنوانه إلى مقر الشركة في سان فرانسيسكو وكتب تغريدة أشار فيها إلى الغرق. وفي عالم الأعمال، يعني "غرق المطبخ" القيام بتغييرات جذرية في الشركة.
وكان أول تحركات ماسك بالفعل جذرية، إذ إنه أقال الرئيس التنفيذي لتويتر "باراغ أغريول" والمدير المالي "نيد سيغال" ومديرة السياسات القانونية والثقة والسلامة "فيجايا جادي" والمستشار القانوني العام "شون أدجيت". وأثار ذلك حالة من القلق البالغ بين موظفي الشركة في ظل تقارير عن أن ماسك يعتزم الاستغناء عن 75% من موظفي الشركة على الرغم من أن ماسك نفى ذلك.
وكان استحواذ "ماسك" على المنصة الشهيرة قد شهد سلسلة من التفاعلات، حيث تقدم ماسك بعرض دون طلب من الشركة لشراء "تويتر" ووقع بالفعل اتفاقا مبدئيا في هذا الشأن في أبريل، لكنه تراجع عن الصفقة قائلا إن عدد الحسابات الوهمية أكبر بكثير من تقديرات "تويتر" التي تقول إنها عند 5% فقط من المستخدمين، واتهمته إدارة المنصة وقتها أنه يحاول التراجع بسبب السعر، وأنه يفتعل المبررات لأنه غير رأيه فحسب وأقامت دعوى قضائية ضده لإجباره على إتمام الصفقة، لكن ماسك عاد لإتمام الصفقة مرة أخرى بشرط وقف الإجراءات القانونية ضده.
عودة ترامب على رأس التساؤلات
أثار ذلك بالطبع العديد من علامات الاستفهام بشأن مستقبل المنصة، وعلى رأس التساؤلات ما إذا كان "ماسك" سيسمح بعودة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى المنصة وما لذلك من تبعات في عالم وسائل التواصل الاجتماعي.
وكانت المنصة حظرت حساب الرئيس السابق في أعقاب هجوم مؤيديه على مبنى الكابيتول الأمريكي خلال وقت الجلسة المشتركة للكونجرس التي اجتمعت للتصديق على انتخاب الرئيس جو بايدن. وسعت أعمال الشغب إلى تعطيل عملية فرز الأصوات الانتخابية.
وانخفضت أسهم شركة "Digital World Acquisition"، شركة الاستحواذ ذات الغرض الخاص، التي ستتولى الطرح العام لأسهم منصة التواصل الاجتماعي الخاصة بترامب التي تحمل اسم "Truth Social" نحو 80% في ظل تكهنات بأن ترامب سيترك المنصة التي تضم 4.37 مليون مشترك وسيعود إلى تويتر حيث كان يحظى بمتابعة قرابة 80 مليون متابع.
وقال "ترامب" لفوكس نيوز إنه باق في "تروث" لكنه لم ينف ما إذا كان قد يعود إلى تويتر من عدمه، قائلا إنه معجب بمالك المنصة الجديد ويعتقد في الوقت ذاته أنها لن تنجح من دونه. وكان قال فور صدور الأنباء الأولية بشأن الاستحواذ إنه سعيد لأن "تويتر" صار في أيد أمينة عاقلة.
كان "ماسك" قال في مايو بعد أن وافق بشكل أولي على شراء تويتر إنه سيلغي الحظر الذي فرضته المنصة على "ترامب" مدى الحياة. لكن "ماسك" عاد وأعلن يوم الجمعة أنه يخطط لتشكيل مجلس للإشراف على المحتوى في الشركة وأنه لن يتخذ أي قرارات جوهرية بشأن المحتوى أو يعيد أي حسابات كانت محظورة قبل انعقاد المجلس.
وفي بداية حكم "ترامب"، كان "ماسك"قريب الصلة به إذ إنه كان عضوا في مجلس استشاري بالبيت الأبيض ومبادرة معنية بوظائف التصنيع، لكنه انسحب من كليهما في 2017 بعد أن قرر ترامب سحب الولايات المتحدة من اتفاقات باريس للمناخ.
على الرغم من ذلك، أشاد "ترامب"بالملياردير المعروف كثيرا في 2020، ووصفه بأنه "أحد أعظم عباقرتنا" خلال مقابلة في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس. كما أشاد به مجددا يوم الجمعة بعد استحواذه على تويتر. وقال ترامب إنه لن يعود إلى المنصة، لكن ذلك قد يتغير الآن لأن الشركة يديرها ماسك.
الانتخابات
يخشى الكثيرون أيضا من تأثير امتلاك ماسك لتويتر، المنصة ذات التأثير الكبير، على انتخابات التجديد النصفي في الكونجرس الأمريكي المقررة في الثامن من نوفمبر خاصة في ظل استطلاعات تشير إلى أن الديمقراطيين ربما يفقدون السيطرة على مجلسي الكونجرس في ظل حنق شعبي جراء ارتفاع التضخم وخروج الأسعار في الولايات المتحدة عن السيطرة، ويقولون إن ماسك قد يرفع الحظر عن شخصيات كثيرة ممنوعة من التغريد على تويتر مما قد يؤثر على نتائج الانتخابات بشكل واضح.
ويقول البعض إن خوارزميات الموقع قد تتغير لتسليط الضوء على الأصوات المحافظة التي تستخدمه قبل الانتخابات بينما يستبعد آخرون أي تغيير جذري سريع في الإشراف على المنصة.
وردا على مذيع سياسي محافظ اشتكى من أن المنصة تفضل الليبراليين وتقلل سرا من الأصوات المحافظة، قال ماسك على تويتر: "سأبحث هذا الأمر بشكل أكبر".
وفي مايو الماضي، غرد "ماسك"قائلا إنه "في الماضي، قمت بالتصويت للديمقراطيين، لأنهم كانوا (في الغالب) الحزب الأطيب، لكنهم أصبحوا حزب الانقسام والكراهية، لذلك لم يعد بإمكاني دعمهم وسأصوت للجمهوريين".
ساحة للفوضى
يثير البعض أيضا المخاوف من أن الاستحواذ سيعني أن يتحول تويتر تحت إدارة "ماسك"إلى ساحة تعبير فوضوية دون أدنى حد من الرقابة، بعد أن قال مع أولى خطوات الاستحواذ إنه سيطلق العنان لإمكانات الشركة عبر تعزيز حرية التعبير، ذلك في ظل انتقاداته المتكررة لقواعد تويتر التي تهدف للحد من المنشورات التي تروج للكراهية والتطرف والمعلومات الخاطئة حول الانتخابات والصحة العامة وغير ذلك.
ويرغب "ماسك" في أن يسمح بأي تغريدات لا تنتهك قوانين بلد معينة، وهو أمر وصفه بعض الخبراء بأنه قد يزيد من محتوى الكراهية على المنصة.
ويقول "بول باريت" نائب مدير مركز "NYU Stern" للأعمال وحقوق الإنسان إن الخطر يكمن في أنه باسم حرية التعبير، سيدير "ماسك" عقارب الساعة إلى الوراء ويجعل تويتر محركا أكثر فاعلية للكراهية والانقسام والمعلومات المضللة حول الانتخابات وسياسة الصحة العامة والشؤون الدولية.
ويسوق خبراء منصات مثل "Gab"، و"Parler" كأمثلة تحذيرية لما يمكن أن يصبح عليه تويتر، وتحظى تلك المنصات بشعبية بين المحافظين والليبراليين بسبب أن الإشراف عليها مخفف مقارنة مع "تويتر" و"فيسبوك"، ونتيجة لذلك تمتلئ تلك المنصة بالصور النازية والافتراءات العنصرية ومحتويات متطرفة أخرى بما في ذلك الدعوات إلى العنف.
وأمضت شركة "تويتر" سنوات في بناء نظام إدارة المحتوى. لذا يعرب الخبراء عن قلقهم البالغ بشأن مساعي "ماسك"، نظرا لعدم خبرته في مجال وسائل التواصل الاجتماعي من الناحية الاجتماعية والجيوسياسية، حتى لو كان مستخدما دائما وذا شعبية عليها.
وقال باريت إنه قلق للغاية بشأن قرار ماسك طرد "فيجايا جادي" والتي كانت تحاول منع النظام الأساسي من نشر محتوى ضار.
ويقول مراقبون إن هذا قد يؤثر سلبا على تويتر من الناحية التجارية إذ إن المعلنين لا يرغبون في أن تُنشر إعلاناتهم بجانب مساحات فوضوية على الإنترنت تنتشر فيها العنصرية والإباحية.
ويوم الجمعة، أعلنت "جنرال موتورز" أنها ستوقف مؤقتا الإعلان على تويتر بينما تقيم وضع المنصة تحت إدارة ماسك، على الرغم من أن "ماسك"قال للمعلنين إنه يأمل في أن تصبح "تويتر" أكثر منصة إعلانية محترمة في العالم.
المصادر: أرقام- سيكنج ألفا- أسوشيتيد برس- سي ان بي سي- رويترز-The Star
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}