بدت الصور القادمة من أوروبا صادمة لكثيرين، حيث أن القارة التي تعرف بثرائها المائي شهدت جفاف أنهار وانخفاض مناسيب أخرى، واخنفى العشب في العديد من المنتزهات والغابات بفعل ارتفاع درجات الحرارة وشح الأمطار.
وبشكل عام بدأت آثار الاحتباس الحراري في الظهور عالميا بشكل قوي خلال الأشهر الماضية، فمن فيضانات عارمة تشهدها مناطق صحراوية، إلى جفاف شديد تعانيه مناطق اعتادت على وفرة المياه بدا أن "الخريطة الطبيعية" تتغير بشكل متسارع يفوق تقديرات الكثير من علماء البيئة.
الزراعة تتضرر
ومن ذلك الجفاف الذي عانته أوروبا خلال الشهرين الماضيين بشكل استثنائي، حتى اضطرت العديد من الدول إلى وضع قيود استخدام المياه، ومنها فرض بريطانيا متوسط 25 لتراً لاستخدام الشخص يوميًا من المياه، وحظرها استخدام المياه في "الأنشطة الترفيهية" مثل ملء أحواض السباحة الخاصة وري الحدائق بكميات كبيرة من المياه.
وأثرت موجة الجفاف الحالية على المنتجات الزراعية بشكل كبير للغاية، وكان التاثير في الدول الجنوبية والغربية في حده الأقصى، حتى أن تقارير تشير إلى أن دول الجنوب والغرب فقدت قرابة 10% من المحاصيل الزراعية بفعل موجة الجفاف القياسية التي ضربتها، فضلا عن تضرر جودة عدد من المحاصيل بشكل كبير.
وتشير تقارير ألمانية إلى اضطرار المزارعين إلى زيادة انفاقهم على المحاصيل بنسبة 6% لمحاولة تجنب تلفها بسبب الجفاف النسبي الذي أدى لانخفاض مناسيب العديد من الأنهار في غرب أوروبا بشكل جعل الحصول على الماء للري بالطرق التقليدية متعذرا بما اضطر المزارعين لنقل المياه في بعض المناطق.
وأثر انخفاض مناسيب المياه أيضا على توليد الكهرباء من العديد من الأنهار الأوروبية، حيث تعتمد الكثير من القرى على نظم توليد طاقة كهرومائية بوضع يبقيها بشكل ما مكتفية ذاتيا وبعيدة عن شبكة الكهرباء المركزية، وتراجع إنتاج الكهرباء من توربينات المياه 44% في إسبانيا على سبيل المثال بينما تشير التقديرات إلى أن نسبة التراجع في أوروبا كلها تبلغ 20%.
والمشكلة هنا ليست فقط في تراجع إنتاج الكهرباء بشكل مؤقت من توربينات المياه، ولكن أن هذا التراجع أثار مطالبات للحكومة الألمانية بضرورة مراجعة خططها لاستبدال الطاقة الأحفورية والنووية بشكل كامل بالطاقة المتجددة، في ظل صعوبة الاعتماد عليها بشكل مستمر وعدم القدرة على الاعتماد على البطاريات الضخمة حتى الآن كمصدر مستقر لتوليد الكهرباء.
وتزداد أهمية الكهرباء المولدة من المياه بشكل واضح مع نية الاتحاد الأوروبي ككل انهاء الاعتماد على الوقود الأحفوري الروسي بشكل كامل بأسرع وقت وهو ما يجعل استقرار إنتاج الكهرباء من المصادر البديلة أمرًا حيويًا لتتمكن أوروبا من تنفيذ قرارها على أرض الواقع.
العالم كله يتأثر
ويتفق ما تعانيه أوروبا مع ما اشارت إليه دراسة حديثة أن التقديرات السابقة حول تاثر 0.3% من الناتج الإجمالي العالمي فحسب بالاحتباس الحراري والظواهر المرتبطة به أصبح من الماضي، حيث أن 4% من الإنتاج العالمي حاليًا مهدد بسبب الاحتباس الحراري وقد تختلف النسبة التي ستتضرر من الإنتاج وفقا لدرجة تطرف الظواهر التي سيعانيها العالم عام بعام.
كما اشارت الدراسات إلى أن استمرار الزيادة الحالية في انبعاثات الكربون من شانه أن يضع 19% من الناتج العالمي في محل تهديد عام 2050، بينما تخفيض درجة حرارة الأرض ستخفض هذه النسبة إلى 13% في العام نفسه، بينما سيكون أكثر من 60% من الناتج المحلي مهددًا بحلول عام 2100 إذا بقى الوضع على ما هو عليه وتتراجع النسبة إلى 33% إذا تم خفض درجة حرارة الأرض درجة ونصف.
وتشير منظمة دول التعاون الاقتصادي والتنمية إلى ان الأزمة من تأثير الجفاف هذه المرة تثير اهتمامًا دوليًا، على الرغم من أنها قضية تعانيها دول أفريقيا جنوب الصحراء منذ عقود وازدادت حدتها بشكل لافت خلال السنوات الأخيرة، حتى أن تقديرات تشير إلى أن بعض دول تلك المنطقة تفقد 20-30% من ناتجها السنوي بفعل ظواهر الجفاف والتصحر وغيرها.
الفقراء يعانون أكثر
بحلول عام 2030، ستحتاج البلدان الفقيرة إلى إنفاق ما بين 140 مليار و300 مليار دولار كل عام على التدابير التي تعينها على مكافحة التغير المناخي، مثل بناء السدود لتخزين المياه وتجنب موجات الجفاف وإنشاء مصدات الأمواج، إذا أرادت تجنب الضرر الناجم عن الاحتباس الحراري.
وتقول "ماري ديرون" من وكالة "موديز" لمجلة "الإيكونوميست" إن الاقتصادات غير المتنوعة التي تعتمد على الزراعة معرضة بشكل خاص لإعادة تقييم جذرية مع تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري، مضيفة أنه في البلدان الـ 37 التي تعتقد الوكالة أنها الأشد ضعفًا من الناحية الاقتصادية، تمثل الزراعة 44٪ من العمالة في المتوسط، بما يجعل تأثيرات الاحتباس الحراري عليها "استثنائية".
وبناء على ذلك تعاني تلك الدول الفقيرة معًا من ديون بقيمة 2.8 تريليون دولار، أي حوالي 4٪ من إجمالي الديون العالمية، على الرغم من ضعف قدرتها على سداد تلك الديون بطبيعة الحال، فضلًا عن ضعف قدرات مؤسسات تلك الدول على التخطيط لمواجهة التدهور المُقبل في البيئة والاقتصاد معًا.
والشاهد أن دولا صحراوية، ومن بينها دول الخليج، أصبحت مهددة بهطول كثيف للأمطار ومفاجئ حتى أشار البعض إلى امكانية عودة ظاهرة "الصحراء الخضراء" التي رجح العلماء ظهورها في وقت قديم للغاية من تاريخ الأرض، ليبدو ان تحولات الاحتباس الحراري لن تؤثر فقط على البيئة وليس فقط في أوروبا ولكن في العالم كله.
المصادر: أرقام- الايكونوميست- نيتشر- المنتدى الاقتصادي العالمي- يورونيوز- دويتشه فيله
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}