للمرة الرابعة على التوالي منذ بداية العام، أقر البنك الفيدرالي الأمريكي رفع الفائدة بنسبة 0.75% -كما كان متوقعًا- لتصل إلى 2.25-2.5%، حيث يواصل البنك اتجاهه لمكافحة التضخم وسحب المعروض النقدي.
وتركزت تصريحات "جيروم باول" رئيس البنك على التأكيد على حتمية العودة إلى مستوى التضخم المطلوب وهو 2%، وعلى أنه لا يرى أن الاقتصاد الأمريكي مقبل على ركود على الرغم من اعترافه بـ"تباطؤ نسبي" في الاقتصاد الأمريكي لا سيما بيانات الاستهلاك والإنتاج وذلك على الرغم من أرقام التوظيف المتميزة.
إجماع
وأشار البنك المركزي إلى اتخاذ قرار رفع الفائدة بالإجماع، وحذف الفقرة التي أشارت في البيان الأول إلى خلاف بين مطالبين برفع الفائدة 0.25% وآخرين مطالبين برفعها بنسبة 0.5% والخلاف في المرة الثانية حول رفعها نصف نقطة مئوية أم نقطة مئوية كاملة ليتأكد هذه المرة الإجماع على رفع الفائدة بنفس النسبة دون خلاف بين أعضاء البنك الفيدرالي.
والشاهد أن الإجماع على زيادة سعر الفائدة يأتي بسبب استمرار التضخم في الارتفاع على الرغم من الرفع السابق للفائدة إلى مستوى 1.5-1.75%، حيث ارتفع من مستوى 6.5% إلى مستوى 8.6% إلى مستوى 9.1% وسط تنبؤات باستمرار ارتفاعه الشهر المقبل.
وأتى قرار الفيدرالي على الرغم من الجدل المستعر في الأوساط الاقتصادية الأمريكية حول ما إذا كانت خطوات الفيدرالي ستكون فعالة في لجم التضخم، في ظل ترجيح بعض الاقتصاديين أن يكون رفع الفائدة بلا جدوى مع استمرار الأزمة في الطلب في الأسواق الأمريكية توازياً مع أزمة سلاسل التوريد لعامين على التوالي.
وتشير ترجيحات شبكة "إي.بي.سي" الأمريكية إلى أن أكثر من 80% من ارتفاع الأسعار في الولايات المتحدة فرضته أزمة سلاسل التوريد خلال كورونا والتي تبعتها أزمة الغذاء والطاقة في أعقاب اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا وبالتالي فإن معالجتها بالأداة النقدية منفردة غير ذات جدوى.
تصريحات "سياسية"
المؤكد أن الولايات المتحدة شهدت زيادة في السيولة المالية بفعل ضخ 4 ترليونات دولار في صورة إعانات للأمريكيين من جهة ودعم لبرامج البنية التحتية من جهة أخرى، ولكن ترجيحات بعض الاقتصاديين أن يكون الرفع في أسعار الفائدة مع الخوف من الركود كفيل بامتصاص تلك السيولة الفائضة من الأسواق.
وعلى ذلك فقد رحب هؤلاء الاقتصاديين بخطوة مجلس الشيوخ الأمريكي بإقرار استثمارات مباشرة بـ52 مليار دولار في قطاع أشباه الموصلات داخل الولايات المتحدة، وإقرار إنفاق 100 مليار دولار على الأبحاث والتطوير في المجال نفسه بوصفه خطوة هامة لحلحلة أزمة سلاسل التوريد للرقائق التي تشهد أزمة تؤثر على الصناعة بكل أشكالها (من السيارات إلى غسالة الصحون كما قالت واشنطن).
وعلى الرغم من ذلك يرى كثيرون أن الخطوات المماثلة ستستغرق وقتا طويلا (في حالة أشباه الموصلات 5 سنوات على الأقل) لكي تظهر ثمارها بما يستدعي ضرورة تسريع واشنطن لما أعلنته حول التراجع عن الرسوم على الواردات الصينية بما يحل -ولو جزئيا- أزمة نقص المعروض في مقابل الطلب الكبير.
ويرى البعض أن هناك تصريحات جاءت "سياسية"، حيث أكد "باول" على استمرار البنك الفيدرالي في رفع الفائدة في المستقبل المنظور وشدد على هدف لجم التضخم، لكنه أكد في الوقت نفسه أنه ستتم مراجعة النسب بشكل مستمر للحيلولة دون تباطؤ "غير مرغوب" للاقتصاد، بما ساهم في ارتفاع سوق الأسهم الأربعاء.
فقطاع البنوك ارتفع بأكثر من 1% وسط تفاؤل -ولو مؤقت- بعدم الوقوع فريسة للركود وارتفاع أسهم قطاع التكنولوجيا، فارتفع "ألفابيت" بنسبة 8% و"مايكروسوف" بنسبة 6.4% و"أبل" بـ2.8% و"أمازون" بـ4% ولم تخرج إلا "ميتا" (فيسبوك) من هذه الموجة الصاعدة بسبب تسجيلها خسائر للربع الثاني على التوالي.
تهديد الركود
وبما يناقض ما يعتقده الكثيرون، يرى البيت الأبيض، في تصريحات بالأمس، أن الولايات المتحدة غير مهددة مطلقًا بالركود ولا هي حتى على أعتابه، ما يناقض بيانات التصنيع الأمريكي التي تراجعت ولا سيما في قطاع السيارات وعمالقته وأبرزهم "جنرال موتورز".
والأزمة الحقيقية التي تعترض خطط "الفيدرالي" في الوقت الحالي أنه عندما بدأ في رفع الفائدة كان الهدف واضحا وغير مثير للجدل وهو خفض التضخم، ولكن مع استمرار عمليات الرفع وارتفاع الأسعار بدلًا من انخفاضها بدأت التأكيدات على فشل تلك السياسة في احتواء التضخم.
كما أن البنك الفيدرالي أصبح مطالبًا بمراقبة مؤشرات الركود بدقة، ويبدو أنه قرر تجاهل بوادر الركود التي ظهرت في القطاعات الصناعية تحديدا كما أسلفنا، وربما يرجع ذلك إلى الرغبة في احتواء التضخم "أيا كان الثمن" مع اقتراب انتخابات التجديد النصفي للكونجرس والمقررة في نوفمبر المقيل وسط استطلاعات رأي تشير إلى نية الأمريكيين التصويت للجمهوريين بشكل أكبر.
فعلى الرغم من تراجع معدل البطالة حتى بلغت مستواها الأدنى تقريبا منذ بدء الجائحة، بوجود حوالي 5.9 مليون عاطل، بينما كان عدد العاطلين 5.7 مليون عاطل قبل بدء الجائحة، إلا أن غالبية (الثلثين) من الأمريكيين أكدت أن التضخم هو أهم ما يثير حفيظتهم، بل طالب 75% من الديمقراطيين الرئيس "جو بايدن" بعدم الترشح للانتخابات المقبلة عام 2024 بسبب سوء إدارة الملف الاقتصادي.
ويبدو مما سبق أن البنك الفيدرالي سيواصل ما هو متوقع برفع أسعار الفائدة في المرحلة المقبلة، ولكن المؤكد أن التحركات القادمة لن تكون سهلة "وحرة" كما كانت في السابق في ظل تزايد الحاجة لعمل توازن بين كبح التضخم وتلافي الركود الذي تلوح بوادره في الآفاق.
مصادر: أرقام- راديو أمريكا- سي.إن.بي.سي- إيه-بي.سي
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}