يثير قرار منظمة الصحة العالمية إعلان جدري القردة حالة طوارئ صحية عالمية، وهو أعلى مستوى تحذير في المنظمة، هواجس المستثمرين خوفًا من تكرار سيناريو وباء كورونا الذي تسبب في تراجع سريع للاقتصاد في أنحاء العالم ودفع أسواق الأسهم لحافة الانهيار خلال أيام بسبب إجراءات العزل العام، ذلك في ظل اكتشاف أكثر من 16 ألف حالة إصابة مؤكدة بالفيروس في أكثر من 75 دولة حول العالم، مما يشير إلى أن ناقوس الخطر يدق سريعًا.
بشكل عام، اتسمت ردة فعل الأسواق العالمية بالهدوء في اليوم التالي مباشرة لقرار المنظمة العالمية، فقد ارتفعت المؤشرات الرئيسية الأمريكية متجاهلة الإعلان، فيما يركز المستثمرون على نتائج أعمال الشركات الكبرى الأمريكية دون بوادر بيع أو قلق بشأن الفيروس.
لكن ثمة تباينًا في المؤشرات بشأن الفيروس وحالة القلق والخوف المحيطة به في ظل تضارب في الآراء يتراوح بين التحذير والطمأنة.
بداية تثير بالطبع كلمة وباء قلقًا عالميًّا خوفًا من جائحة على غرار فيروس كورونا، لكن الخبراء يرون أنه من غير المرجح أن يؤدي انتشار جدري القردة إلى سيناريو شبيه. وللخبراء دوافعهم بالطبع، على رأسها أن جدري القردة ليس فيروسًا جديدًا على العالم، كما أن الجدري بشكل عام له أدوية ولقاحات موجودة ومستخدمة.
في البداية يجب تذكُّر أن وصف منظمة الصحة العالمية لجدري القردة بأنه حالة طوارئ صحية عامة يهدف في الأساس إلى دعم وجود تحرك دولي منسق وكذلك العمل على فتح الباب أمام التمويل والجهود العالمية للتعاون في تبادل اللقاحات والعلاج.
لكن ما يهوّن من شأن خطوة القرار، هو ما كشفته الكواليس من أنه لم يكن ثمة إجماع واضح بشأن اتخاذه وأن الخبراء المعنيين بإصدار التوصية في منظمة الصحة العالمية كانوا شبه منقسمين، حيث صوّت تسعة خبراء ضد القرار بينما أيده ستة، إلا أن مدير منظمة الصحة العالمية هو الذي أصدر القرار النهائي.
في الوقت ذاته ثمة تباين في وجهات النظر بشأن تفشي المرض ومخاطره. وينتقل الفيروس، الذي تم اكتشافه لأول مرة في القرود، بشكل رئيسي من خلال مخالطة وثيقة لشخص مصاب. وحتى العام الجاري نادرًا ما كان المرض الفيروسي ينتشر خارج أفريقيا التي يستوطنها.
إذ إنه في الماضي كان من يصابون بجدري القردة عادة يتعرضون لاتصال وثيق مع حيوانات مصابة سواء من خلال عضة أو خدش أو سوائل الجسد أو حتى عن طريق تناول اللحوم غير المطهية بشكل جيد.
وتم اكتشاف المرض للمرة الأولى بين قرود كانت تخضع لتجارب عملية عام 1958 وهذا هو سبب تسميته، لكن العلماء يعتقدون أن القوارض هي الناقل الرئيسي لجدري القردة في الطبيعة. وعادة ما كان المرض يتوطن في العديد من البلدان في غرب ووسط أفريقيا.
وتقول "إلين كارلين" الباحثة في جامعة جورج تاون والتي تدرس الأمراض الحيوانية المنشأ التي تُنقل إلى البشر، إن الفيروس ربما كان ينتشر بين الحيوانات لفترة طويلة جدًّا، وفي معظم الأحيان ظل بين الحيوانات.
وجرى اكتشاف أول حالة إصابة بشرية بجدري القردة في عام 1970 في الكونغو، ومنذ ذلك الحين يتسبب الفيروس بحالات تفشٍّ محدودة اقتصرت على بضع مئات من الحالات في 11 دولة أفريقية، كما وصلت حالات قليلة جدًّا إلى قارات أخرى في الماضي نقلها مسافرون أو جاءت عبر استيراد حيوانات نقلت الفيروس إلى حيوانات منزلية أليفة ثم إلى مالكيها.
وجدري القرود يمكن أن يسبب أعراضًا تشمل ارتفاع درجة الحرارة وآلاما ويظهر بشكل طفح جلدي مميز.
يرى الخبراء أنه من المحتمل أن يكون الفيروس قد تطور ليصبح أكثر قابلية للانتشار في التفشي الحالي. إذ لاحظ الباحثون الذين تتبعوا تسلسل فيروس جدري القردة في الحالات الحديثة حدوث العديد من الطفرات، لكن قد يستغرق الأمر بعض الوقت لفهم دور تلك الطفرات. في الوقت ذاته يعتقد بعض الخبراء أنه يمكن احتواء جدري القردة بسبب وسائل انتقاله من خلال الاتصال الجسدي الوثيق والتلامس الجلدي، وبالتالي فهو يختلف تمامًا عن فيروس سارس-كوف 2 الذي تسبب في انتشار جائحة كورونا في أنحاء العالم.
ذلك على الرغم من أن الفيروس يمكن أن ينتشر عن طريق لمس أو مشاركة العناصر المصابة مثل الملابس والفراش أو عن طريق رذاذ من الجهاز التنفسي ناتج عن العطس أو السعال.
قد يبدو هذا مألوفًا بشكل يثير الخوف، إذ قال العديد من الخبراء في الأيام الأولى لجائحة فيروس كورونا إن الفيروس أيضا ينتقل على نحو ضئيل من إنسان لآخر بخلاف الرذاذ الناتج من الجهاز التنفسي والأسطح الملوثة، لكن تبين فيما بعد بحسب الأبحاث أن فيروس كورونا يمكن أن ينتشر من خلال جزئيات أصغر قادرة على الانتقال لمسافات تصل إلى ستة أقدام. في الوقت نفسه يقول "لويس سيغال" الخبير في فيروسات الجدري بجامعة توماس جيفرسون في فيلادلفيا، إن هذا لا يعني أن الأمر نفسه سينطبق على جدري القردة.
ثمة عوامل مطمئنة على الساحة العالمية تشير إلى أنه بالرغم من الإعلان العالمي لحالة الطوارئ الصحية، فإن احتواء التفشي ممكن، كما أن غالبية الخبراء يقولون إن الفيروس لا يشكل خطرًا على عامة الناس.
من بين مؤشرات التقدم العالمي صوب احتواء الفيروس أن شرعت المملكة المتحدة في بريطانيا في تطعيم العاملين في مجال الرعاية الصحية، الذين قد يكونون معرضين للخطر أثناء رعاية المرضى، بلقاح الجدري والذي يمكن أن يقي أيضًا من جدري القرود. في الوقت الذي تقول فيه الولايات المتحدة إن لديها جرعات كافية من لقاح الجدري لتطعيم جميع سكانها.
وقال متحدث باسم وزارة الصحة الأمريكية إن هناك أدوية مضادة للفيروسات للجدري يمكن استخدامها أيضًا لعلاج جدري القرود في ظل ظروف معينة.
وعلى نطاق أوسع، يقول مسؤولو الصحة إنه يجب على الأشخاص تجنُّب المخالطة الوثيقة لشخص مصاب بطفح جلدي أو يبدو مريضًا. ويجب على الأشخاص الذين يشتبهون بإصابتهم بجدري القرود عزل أنفسهم وطلب الرعاية الطبية.
لكن ثمة عوامل للقلق منها ما أشارت إليه دراسة بريطانية قالت إن الأعراض التي ظهرت على مرضى جدري القردة في المملكة المتحدة تختلف بشكل ملحوظ عن تلك التي شوهدت في حالات تفشٍّ سابقة، مما أثار المخاوف من عدم التعرف على بعض الحالات.
المصادر: أرقام- رويترز- نيويورك تايمز- سي.إن.إن
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}