تعاني دول أوروبا، ولا سيما على حوض المتوسط، من ارتفاع حاد في درجات الحرارة أدى للعديد من الأزمات البيئية ومنها جفاف وتدني مستويات أنهار أوروبية والحرائق التي ازدادت وتيرتها كثيرًا في الغابات، فضلا عن وفاة العشرات بسبب الطقس القاسي.
كُلفة بشرية واقتصادية
وتشير بيانات منظمة الصحة العالمية إلى وفاة 166 ألف شخص بين عامي 1998 و2017 بسبب موجات الحر، معتبرة أن هذا الرقم أحد مؤشرات التفرقة والتمييز الاقتصادي حول العالم، نظرًا لأن غالبية المتوفين في موجات الحرارة العالية يكونون إما من المشردين بلا مأوى يقيهم القيظ أو من العمال الفقراء تحت أشعة الشمس الحارقة.
وبشكل عام تسببت وفيات الطقس الحار في 10% من الوفيات المشمولة تحت بند الكوارث "الظواهر" الطبيعية، (في بعض البلدان ترتفع النسبة إلى 50%)، مثل البراكين والزلازل والفيضانات والأعصاير وغيرها، ولكن الملاحظ في وفيات ارتفاع درجات الحرارة أنه "يمكن تجنبها" باتخاذ بعض الاحتياطات خلافا للكواراث الطبيعية الأخرى.
ولا تقتصر آثار موجات الحر على "التكلفة البشرية" فقط، بل تمتد لتشمل كلفة اقتصادية أيضا، حيث كشفت دراسة للمنتدى الاقتصادي العالمي عن أن النمو الاقتصادي يتراجع بنسبة 0.15-0.25% سنويًا عن كل درجة حرارة فهرنهايت زائدة على الطبيعي وذلك في دراسة حول تأثير الحرارة العالية على الولايات الأمريكية في الصيف.
وبشكل عام يخسر الاقتصاد العالمي قرابة 2.4 تريليون دولار سنويًا بسبب موجات الحرارة، في ظل تقديرات منظمة العمل الدولية أن العاملين يخسرون 2% من ساعات العمل بسبب الحرارة المرتفعة، بما يعادل خروج أكثر من 80 مليون شخص من قوة العمل عالميًا بشكل دائم، وهو تأثير كبير للغاية ومن المحتمل أن يزيد مع استمرار الأرض في الاحترار.
تراجع الانتاجية
وتشير إحصاءات منظمة العمل الدولية إلى أن بقاء العاملين في درجة حرارة 34 سيلزيوس بشكل مستمر يهوي بإنتاجيتهم حتى 50% وأن البقاء في درجات حرارة أعلى لفترات طويلة يؤثر على الإنتاجية بصورة أكبر ولذلك تمنع القواعد العمل في درجات حرارة مرتفعة أو البقاء في الشمس المباشرة في الصيف لفترات متصلة.
وتتفق حقيقة تراجع الإنتاجية مع ارتفاع درجات الحرارة مع طبيعة الجسد البشري، فالأخير يحتوي على مكون "البروتوبلازم" الأساسي، ويعمل "البروتوبلازم" بأعلى درجات الكفاءة في درجة حرارة 27 درجة مئوية، وتتراجع كفاءته مع ارتفاع درجة الحرارة أو انخفاضها (مع الارتفاع بصورة أكبر) حتى تؤثر الحرارة العالية على قدرة الجسم البشري على أداء وظائفه بكفاءة.
ولا تقتصر آثار درجات الحرارة العالية فقط على الحد من إنتاجية العاملين، بل تكشف دراسة عن أنه مع استمرار معدلات ارتفاع درجات الحرارة فإن الناس في عام 2100 سيضطرون لاستخدام طاقة أكبر في المنازل، بنسبة تصل إلى 83%، فقط لزيادة استخدام المكيفات للتغلب على الحرارة العالية والتي ستؤدي لاستخدامات أطول وأكثر كثافة لأجهزة تبريد الجو.
كما تشير تقديرات الاتحاد الأوروبي إلى أن الخسائر المالية المباشرة من ارتفاع درجات الحرارة تصل إلى 71 مليار يورو بين عامي 1980-2000، وسط توقعات بأن تكون الكلفة أضعافاً في العشرين سنة التالية بسبب الحرائق الأضخم التي حدثت لا سيما عام 2003 وفي الأعوام الأخيرة بسبب الحرارة المرتفعة.
الزراعة أول الخاسرين
ويعد القطاع الزراعي أكثر القطاعات الاقتصادية معاناة بسبب الحرارة العالية، حيث تفقد محاصيل الذرة والقمح 10-13% من إنتاجيتها في فرنسا والولايات المتحدة مثلا عندما ترتفع درجات الحرارة عن المعدلات الطبيعية لأسبوع فحسب، وتزداد النسب لتصل إلى 40% في بعض المحاصيل الزيتية الأكثر حساسية للحرارة لا سيما في دول أقل قدرات تكنولوجية مثل دول أمريكا الجنوبية.
وفي بعض الدول الفقيرة -لا سيما التي تعتمد على الأمطار في الزراعة في إفريقيا جنوب الصحراء- تصل نسبة الخسائر في المحاصيل إلى 90% من المزروعات، حتى اقترنت المجاعات في بعض تلك الدول تاريخيا مع موجات الحرارة المرتفعة.
والشاهد حاليًا أن ما يزيد الأزمة الأوروبية -بوصفها القارة التي تعاني حاليًا ارتفاع درجات الحرارة- هو اضطرار القارة العجوز إلى اللجوء إلى توليد الكهرباء بالفحم بصورة متزايدة مع تراجع ضخ أو انقطاع الغاز الروسي عن دولها، بما يجعلها تزيد "الطين بلة" حيث إن الطاقة الحرارية التي تنتجها مولدات الفحم هي الأعلى بين وسائل توليد الكهرباء.
المصادر: أرقام- المنتدى الاقتصادي العالمي- مجلة نيتشر- بلومبرج- منظمة العمل الدولية
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}