"لن يمكننا أبدًا أن نوقف آخر محطة نووية لتوليد الكهرباء، فهذا الأمر يتخطى المحاذير البيئية إلى أخرى أمنية ولذلك لن نوقف المحطة مهما حدث" هذا ما أكدته المتحدثة باسم الحكومة الألمانية تعليقا على احتمال عودة بلادها للاعتماد على الطاقة النووية بكثافة مع تخفيض روسيا لنسبة الغاز التي تمد أوروبا بها بنسبة 60%.
وقف مؤقت أم دائم للغاز؟
يأتي هذا على الرغم من أن الحكومة الروسية أعلنت أن هذا الخفض مؤقت وبسبب الصيانة في خط "نورد ستريم" وأنها ستعود إلى ضخ الغاز بنفس الكفاءة السابقة "قريبًا"، وسط تشكيك أوروبي في مصداقية الإعلان الروسي في ظل تخفيض موسكو لضخ الغاز بنسبة 25% أولًا ثم 60% بعد ذلك بما يوحي بخفض تدريجي يختلف عن عمليات الصيانة تقليديا.
وتحت عنوان "محطات الفحم الألمانية تخرج من سباتها لتنقذ ألمانيا" أشارت "تايم" الأمريكية إلى أن الكثير من المقاطعات الألمانية بدأت بالفعل استخدام المحطات التي خرجت من الخدمة قبل سنوات لكي تعوض ولو جزءا من المفقود من الطاقة الروسية.
فالحكومة الألمانية بدأت قبل أعوام برنامجاً لوقف توليد الطاقة من الفحم، بوصفه أعلى أشكال توليد الطاقة تلويثًا للبيئة، وتمكنت بالفعل من تقليص حصة الكهرباء المولدة من الفحم من 45% عام 2013 إلى 24% في عام 2020 على الرغم مما أكدته الحكومة الألمانية وقتها عن "العبء الاقتصادي الكبير" لهذه الخطوة.
وتشير التقارير إلى أن إمكانات الطاقة المولدة من الفحم لن تتمكن من تعويض الكهرباء التي يتم توليدها من الغاز الطبيعي في ألمانيا (10% من الإجمالي)، ولن تتمكن إلا من تعويض 1-3% فقط من الطاقة المستنزفة بفعل الإجراءات الروسية، خاصة مع اضطرار الحكومة لتوجيه الغاز للمصانع التي تستخدمه مباشرة واعتبارها أولوية في هذا الإطار.
توعية ومخاوف من "حصص" طاقة
ولعل هذا هو ما دفع الحكومة الألمانية إلى إقرار برامج دعائية واسعة لـ"توعية" 41 مليون أسرة ألمانية بضرورة تخفيض استهلاكهم للطاقة حتى لا تضطر الحكومة لاتخاذ إجراءات "قاسية للغاية" في ملف الطاقة، قد تصل إلى تحديد "حصص" لاستهلاك المنازل من الكهرباء في بعض الولايات.
وحذر وزير الاقتصاد الألماني "روبرت هابيك"، في مقابلة مع مجلة "دير شبيغل": "يجب إغلاق بعض القطاعات الصناعية ... ستتوقف جميع أعمال اقتصاديات السوق. بالنسبة لبعض القطاعات، سيكون الأمر كارثياً. نحن لا نتحدث عن يومين أو أسبوعين، ولكن عن فترة طويلة. نحن نتحدث هنا عن أشخاص سيصبحون عاطلين عن العمل وعن مناطق ستفقد مجمّعات صناعية كاملة".
بل وبدأت شركات ألمانية السعي لتخفيض استخدامها للغاز والكهرباء بما في ذلك شركة "هينكل" التي قررت إعادة الموظفين جزئيًا إلى العمل من المنازل بغية توفير 33% من الغاز المستخدم.
والشاهد أن الخطوات الألمانية تأتي متناقضة تمامًا مع ما قررته مجموعة السبع الصناعية الكبرى في بيانها الختامي بالالتزام ببذل جهود لأجل حماية البيئة، من أجل تحقيق هدف "الحياد الكربوني" بحلول عام 2050، على الرغم من تخلي البيان عن هدف اعتادت المجموعة على إدراجه في بياناتها السابقة بخفض درجة حرارة الأرض بدرجة إلى درجة ونصف.
كما أن هذا يتناقض مع هدف الحكومة الألمانية بالوصول إلى "الاستقلال في الطاقة" بحلول 2035 لأن ألمانيا تستورد غالبية احتياجاتها من الفحم أيضا، بما يجعل الأمر بمثابة استبدال اعتمادية خارجية بأخرى وليس التخلص تمامًا من الاعتمادية على الخارج في ملف الطاقة.
التضخم يضغط والطموحات غير الواقعية تتراجع
وتسعى الحكومة الألمانية باعتمادها على الفحم لتلافي صب المزيد من الزيت على نار التضخم الذي وصل 8.6% في منطقة اليورو وأي زيادة جديدة في أسعار الوقود بشتى أنواعه من شأنها أن تجعل التضخم غير محتمل، بما استلزم السماح بالعودة للطاقة المولدة من الفحم والتي تصفها "يورونيوز" بأنها "الأقذر".
وتنتقد منظمة "جرين بييس" المعنية بالبيئة خطوة الحكومة الألمانية –والتي اتخذتها حكومات أوروبية أخرى لكنها أكبر كثيرًا في ألمانيا بسبب حجم اقتصادها الصناعي الكبير- ووصفتها بأنها تعكس "زيفًا واضحًا" وعدم التزام بالوصول للأهداف البيئية "فور بدء الأمور في التعقد".
ولعل المأزق الذي تجد الحكومة الألمانية –ومعها الحكومات الأوروبية- نفسها فيه حاليا يرجع إلى وضع أهداف غير واقعية متعلقة بالتصدي لظاهرة الاحتباس الحراري باستبدال الوقود الأحفوري بآخر متجدد، في ظل تأكيد دراسات مستقلة عديدة أن الأهداف الموضوعة ستتأخر في التنفيذ عن جدولها المخطط بـ20 عامًا على الأقل.
ويعني هذا تحقيق هدف الحياد الكربوني مثلا في عام 2070 بدلا من 2050 (في أقرب تقدير)، بل واتضح أن تغييرات سياسية أو اقتصادية مثل الحرب في أوكرانيا من شأنها تعطيل القارة العجوز عن أهدافها الموضوعة، ليبدو أنه إذا تطلب الاقتصاد وضغط التضخم إجراءات بعينها فإن الحديث حول حماية البيئة تتراجع أهميته كثيرًا ويتحول لمجرد حبر على ورق، بينما وقف الطاقة النووية لأسباب "أمنية" أمر مُلح لا يجوز التراجع عنه بحال.
المصادر: أرقام- تايم- يورونيوز- سي.إن.بي.سي
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}