"الهدف من هذا البرنامج الاقتصادي الواسع هو منح الدول النامية خيارًا ديمقراطيًا بدلًا من اللجوء للصين من أجل تحسين البنية التحتية فيها".. هكذا وصفت رئيسة المفوضية الأوروبية "أورسولا فون دير لايين" قرار مجموعة الدول الصناعية السبع تخصيص 600 مليار دولار لدعم البنية التحتية في العالم النامي.
وهذا البرنامج الاقتصادي الطموح أتى بناءً على اقتراح أمريكي، وتقوم واشنطن بمقتضاه بمفردها بـ"جمع" 200 مليار دولار لهدف الاستثمار في البنية التحتية في الدول النامية حتى عام 2027، بينما تقوم الدول الستة الأخرى مجتمعة بتوفير 400 مليار دولار.
منافسة أكبر برنامج استثماري في التاريخ
وأثارت مبادرة الرئيس الأمريكي "جو بايدن" العديد من التعليقات حول مدى فائدتها في منافسة العملاق الصيني الذي يتوسع منذ سنوات في استثماراته في الدول النامية، لا سيما خطة طريق الحرير الجديد الشهيرة التي أطلقها الرئيس الصيني عام 2013.
فالمبادرة التي أعلنتها بكين لم تحدد حجم الاستثمارات التي سيتم ضخها، ولكن بعد 9 سنوات على إقرارها تشير التقارير الاقتصادية إلى ضخ استثمارت تتراوح بين 900 مليار دولار حتى 1.5 تريليون دولار، ليصفها مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي بأنها أحد أكبر برامج الاستثمارات في التاريخ إن لم تكن أكبرها.
والشاهد أن المبادرة الصينية تميزت بتنوع مصادر الاستثمارت بين تلك المباشرة من الحكومة الصينية نفسها، وتلك التي تم تحصيلها من المصارف الصينية التي حصلت على تعليمات بتيسير القروض للدول النامية، فضلًا عن مساهمات القطاع الخاص الكبيرة للغاية في هذا الأمر.
وعلى سبيل المثال ومنذ عام 2001 أطلقت الصين برنامجها للاستثمار في البنية التحتية في أفريقيا، والذي وصلت استثماراته خلال 20 عامًا قرابة 50 مليار دولار كاستثمارات مباشرة وحوالي 150 مليار دولار كقروض بفوائد بسيطة لصالح مشروعات البنية التحتية في البلدان الأفريقية الأفقر.
أي أن الحكومة الصينية منحت أو أقرضت دولًا أفريقية قرابة 200 مليار دولار، خلافًا لاستثمارات القطاع الخاص بعشرات المليارات (وربما مئات) لا سيما في قطاعي البنية التحتية واستخراج الموارد الطبيعية.
استثمارات حتى في أوروبا
ولذلك تصف دورية "فورين بوليسي" الأمريكية بعض دول أفريقيا بأنها "محميات" صينية في الوقت الحالي، معتبرة أنه خلافًا لما كان سائدًا قبل قرن من الزمان بالاحتلال العسكري للدول النامية، فالصين فرضت نفوذها بالاقتصاد وليس بالآلة العسكرية.
ولا يقتصر البرنامج الصيني على أفريقيا فحسب بل يمتد ليشمل دول أمريكا الجنوبية وآسيا وخاصة آسيا الوسطى، والتي كانت قلب طريق الحرير القديم الرابط في التجارة بين الشرق والغرب، وبشكل عام تمتد الاستثمارات الصينية ضمن طريق الحرير إلى 71 دولة على الأقل منها دول أوروبية مثل بولندا وجورجيا.
هذه هي "صورة عامة" للبرنامج الصيني الذي يسعى الغرب لمنافسته، ويبدو أن مبلغ 600 مليار دولار على ضخامته لن يكون كافيًا لمواجهة التغلغل الصيني في العديد من الدول النامية فضلًا عن الشكوك حول تمكن الغرب من جمع هذه المبالغ.
عقبات كبيرة
فالشاهد أن البرنامج الأمريكي سيواجه عقبات كبيرة لعل أهمها التعبير الواضح حول "جمع" الاستثمارات (200 مليار دولار) بحلول عام 2027 أي أن الحكومة الأمريكية لن تكون هي الممول الرئيسي لها بل ستكون وسيطا يسعى لتنمية استثمارات القطاع الخاص الأمريكي في الدول النامية.
وتشير التقارير إلى أن العلاقة بين الرئيس الأمريكي وقطاعات رئيسية قد تكون مساهمة في قطاعات البنية التحتية، مثل المطورين العقاريين وشركات النفط وشركات الطاقة ليست في أفضل حالاتها في ظل عدم اتباع "بايدن" لسياسات تسهم في ترويج أعمالها بما يشكك كثيرًا في مساهماتها في برامجه الاقتصادية الخارجية.
أما على صعيد بقية الدول السبع الكبرى، فمن الصعب أن تساهم ألمانيا بمبالغ كبيرة في البرنامج الطموح في ظل التزامها ببناء "أكبر جيش في أوروبا" كما أعلن المستشار الألماني، ودول أوروبا تعاني بالفعل اقتصاديا في الوقت الحالي لتبقى الدولة الوحيدة التي قد تكون متحمسة لدعم الجهود الأمريكية -المشكوك في نجاحها منفردة- هي اليابان.
كما أن هنا نقطة محورية تتعلق بمنح الصين القروض بفوائد رمزية تقل عن نصف –وأحيانا 25%- الفوائد التي قد تقبل بها المصارف الغربية ضمن مبادرة "بايدن"، فضلا عن إقامة مشاريع البنية التحتية بكلفة تقل عن 60% من مثيلتها الغربية.
ويؤشر هذا إلى أنه حتى إذا توفر البديل الغربي للاستثمارات والقروض الصينية فإن الكثير من الدول لن تقبل عليه، وحتى إذا لجأت بعض الدول للخيارين في ظل تفاقم أزمات الديون والتضخم وعجز الموازنة التي يعانيها الكثير من الدول النامية فإن هذا سيعني أن الغرب سيكون خيارًا ثانيًا لدى تلك الدول.
وباستعراض ما سبق يبدو أن مبادرة "بايدن" للتنافس الاستثماري مع الصين في الدول النامية سيكون حولها الكثير من الشكوك في المرحلة المقبلة خاصة في ظل هشاشتها المتوقعة وتنافسها مع مباردة بدأت "عمليًا" منذ 20 عامًا وتعززت أركانها منذ أكثر من 9 أعوام، ليبقى السؤال هل الخطوات الغربية جهد ضائع أم أن عليهم الوصول متأخرين بدلًا من عدم الوصول مطلقًا؟ ويبدو أن الفترة المقبلة ستكون كفيلة بالإجابة عن هذا التساؤل.
المصادر: أرقام- فورين بوليسي- مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي- البنك الدولي- تشاينا توداي
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}