متداولو السندات الأميريكة محاصرون بين مخاوف الركود والتضخم

2022/06/26 اقتصاد الشرق

يجد مستثمرو السندات الأميريكية أنفسهم مشتتين بشأن ما إذا كان التراجع الأخير في العوائد، الذي يفاقمه الخوف المتزايد من الركود، يمثل نهاية لأسوأ هبوط لسندات الخزانة في العصر الحديث، أم مجرد توقف مؤقت.
 

فقد ارتفعت سندات الخزانة الأميريكية بشكل حاد في الأسبوع الماضي حيث قال رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول للمشرعين الأميركيين أن الحفاظ على نمو الاقتصاد سيشكّل تحدياً كبيراً للبنك، حيث يرفع المسؤولون أسعار الفائدة بقوة لكبح جماح أكبر تضخم منذ أربعة عقود.
 

مع ذلك، فإن الوقت الذي يمكن أن يحدث فيه مثل هذا الانكماش، ومدى الألم الذي يجب أن يكون عليه بنك الاحتياطي الفيدرالي لتغيير مساره، وسقف عوائد سندات الخزانة، ليس مؤكداً على الإطلاق.

وهذا يثبت أنه أمر محيّر للمستثمرين الذين يحاولون تحديد الوقت الأدنى لسوق السندات.

 

صفعة شديدة
 

مُنيت سندات الخزانة بصفعة شديدة هذا العام حيث أصبح من الواضح أن بنك الاحتياطي الفيدرالي أخطأ في توقع انحسار التضخم بمجرد خروج العالم من حالات الإغلاق التي كانت مفروضة بسبب الوباء، وهو سوء التقدير الذي تفاقم بسبب الارتفاع الحاد في أسعار السلع الذي خلقته الحرب بين روسيا وأوكرانيا.
 

مع تحرك البنك المركزي الآن لسحب الحوافز النقدية بقوة، انخفض مؤشر عام يقيس أداء سندات الخزانة بـ10% تقريباً على الرغم من التراجع الأخير في العوائد، متجاوزاً حتى أكبر الخسائر السنوية منذ أوائل السبعينيات من القرن الماضي.
 

وضعية معلّقة
 

في الوقت الحالي، تشهد الأسعار وضعية معلّقة. فقد أدى تحول التركيز نحو مخاطر الركود إلى محو الارتفاع الدراماتيكي في عوائد سندات الخزانة الذي كان قد أطلق شرارته في وقت سابق من هذا الشهر بسبب تسارع غير متوقع في قراءات التضخم.
 

ساعد هذا الضغط التضخمي في تشجيع بنك الاحتياطي الفيدرالي على رفع سعر الفائدة القياسي بمقدار ثلاثة أرباع نقطة مئوية في أكبر زيادة منذ عام 1994.

وارتفعت السندات لأجل 10 سنوات إلى حوالي 3.5% في أعقاب قرار بنك الاحتياطي الفيدرالي، لكنه تراجع منذ ذلك الحين متجهّاً نحو مستوى 3% في مواجهة مخاوف الركود.

 

في الوقت نفسه، ففي الطرف الأقصر لمنحنى الأسعار، قلّص المتداولون توقعاتهم بشكل كبير حيث يرون أن سعر فائدة التمويل لدى الاحتياطي الفيدرالي يصل إلى ذروته في عام 2023.

وعاد ذلك إلى حوالي 3.5%، بعد أن كان أعلى من 4% في وقت سابق من الشهر.

 

تطور المخاوف
 

قال آلان روسكين، كبير المحللين الاستراتيجيين الدوليين في "دويتشه بنك" (Deutsche Bank AG): "الخوف من التضخم تطوّر بسرعة كبيرة إلى خوف من الركود".
 

رغم ذلك، فإن إمكانية أن يدفع هذا القلق المتزايد بشأن الانكماش الاحتياطي الفيدرالي نحو وقف نهجه التشددي فعلياً، فهذا أمر آخر.
 

من جانبها، تحدّد مارغريت كيرينز، رئيسة استراتيجية الدخل الثابت في "بي إم أو كابيتال ماركتس" (BMO Capital Markets)، معسكرين رئيسيين ناشئين بين مراقبي الاحتياطي الفيدرالي.

فهناك من يرى أن الاحتياطي الفيدرالي يمضي قدماً في زيادات كبيرة في أسعار الفائدة والتي تدفع مؤشره القياسي إلى حوالي 5%، ومن المحتمل أن يخفض بعد ذلك إذا كان الاقتصاد يقتضي ذلك.

وهناك من يتوقعون أن يسلك البنك المركزي مساراً أقل تشدّداً يسمح له بالتوقف بشكل لا يزيد كثيراً عن 2.5%، وهو المستوى الذي يُنظر إليه على أنه لا يؤثر على النمو بطريقة أو بأخرى لعدة أشهر.

من جانبها، تنتمي كيرينز بشكل أكبر إلى المعسكر الأخير: "حرب التضخم هي المعركة اليومية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي ولا شيء آخر مهم".

 

ترى غارغي تشاودري، رئيسة إستراتيجية الاستثمار في "آي شيرز" (iShares) للأميركيتين في شركة "بلاك روك" (.BlackRock Inc)، أن قدرة بنك الاحتياطي الفيدرالي على هندسة ما يسمى بالهبوط السلس "تبدو أضعف حدة"، ولكن من السابق لأوانه التصرف بثقة كبيرة.

وقالت إن التحول إلى سندات الخزانة طويلة الأمد، والتي تضرّرت بشدة في عمليات البيع هذا العام، سيحتاج إلى انتظار بيانات اقتصادية أضعف تدفع السوق إلى "ترجيح فرصة أكبر لحدوث ركود".

 

تطوير البيانات
 

يأتي كل ذلك جنباً إلى جنب مع المؤشرات الصادرة من مجلس الاحتياطي الفيدرالي على أن تطوير البيانات سيقوده إلى حد كبير، ما يجعل المستثمرين ينتظرون بفارغ الصبر في كل إصدار اقتصادي رئيسي، وهناك العديد ممن يركزون انتباههم في الأسبوع المقبل.

سيتصدر تقرير الدخل الشخصي والإنفاق القائمة، والذي يتضمن مقياس التضخم المفضّل لدى الاحتياطي الفيدرالي، ومُعامل الانكماش لنفقات الاستهلاك الشخصي، جنباً إلى جنب مع مقياس التصنيع الذي يراقبه معهد إدارة التوريد على نطاق واسع.

وسيتم أيضاً ربط السوق بسلسلة من مبيعات سندات الخزانة في الأسبوع المقبل، مع سندات مدتها عامان وخمس أعوام وسبعة أعوام كلها في المزاد العلني، بالإضافة إلى تأثيرات نهاية الربع المحتملة على تدفقات المحفظة والتمويل.

 

بطبيعة الحال، قد لا يكون الركود وحده كافياً لوقف حالة التشتت في أسواق السندات، إذا لم يكن مصحوباً بخفض التضخم.

وهناك احتمال أن يظل التضخم مقاوماً فوق هدف الاحتياطي الفيدرالي عند حوالي 2% حتى لو توقف النمو، مما يؤدي إلى تكرار محتمل للركود التضخمي الذي شهدناه خلال عقد السبعينيات من القرن الماضي.

ومع وضع هذه المخاطر في الاعتبار، فقد أوصى كبار المديرين في شركة "باسيفيك إنفستمنت مانجمنت" (Pacific Investment Management Co) بسندات الخزانة المحمية من التضخم، وتوقعوا أن يؤدي الارتفاع المستمر المحتمل في أسعار المستهلكين إلى تآكل قيمة السندات التقليدية.

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.